الروائي حبيب السائح: بالجزائر لوبي ثقافي فرنكفوني

الروائي الجزائري حبيب السائح
undefined
حاوره/ كمال الرياحي
 
يمثل الحبيب السائح أحد أبرز الروائيين الجزائريين من جيل السبعينيات إلى جانب واسيني الأعرج وجلالي خلاص ومرزاق بقطاش ورشيد بوجدرة، ولأسباب تعود معظمها إلى خيارات فنية وأزمة في توزيع الكتاب الجزائري ظل اسمه رائجا أكثر مغاربيا أوعند النقاد المشارقة العارفين بالمشهد السردي العربي.
 
لم يبلغ السائح شهرة بوجدرة أو الأعرج عربيا، لكن القراء والنقاد لا يمكن أن يسقطوا من أذهانهم هذه التجربة الأدبية المتميزة بتراكمها وخصوصيتها مناخا وأسلوبا ولغة، التي تراهن على فصاحتها القصوى في مجتمع "مفرنس".
 
الجزيرة نت التقت الروائي الجزائري بمناسبة صدور عمله الروائي الجديد "الموت في وهران" بمصر عن دار العين.

undefinedفي روايتك الجديدة "الموت في وهران" ما زالت تقلّب محنة التسعينيات.. ماذا تغير في مقاربة "الإرهاب" روائيا بعد انحساره في الجزائر؟

– ما يدعونا في المقاربة هو إنطاق المسكوت عنه في محنتنا الوطنية. "الموت في وهران" تتجرأ على أن تقول بعض ذلك على لسان الشخوص والسارد خاصة، لأني أقدّر أن ما ينبغي أن يتوجه إليه اهتمام الكتابة هو ما ترتب من نتائج نفسية مؤلمة ومن خلخلة للنسيج الاجتماعي ومن أعطاب للوجدان.

undefinedما اصطلح عليه بالإرهاب لم يعد اليوم شأنا جزائريا وذاقت كل الشعوب من كأسه، هل أصبح المناخ الأثير بالنسبة للكتّاب أم فرضته الوقائع التي حولته من استثناء إلى واقع يومي؟

أراهن على لغة كتابة مفارقة لإدراكي لأن الرواية الأدبية تتطلب بلاغة وقاموسا مختلفين عن السائد

– كنا وقتها نعتبر أن الجزائر كان مخططا لها أن تفكك. فطرح علينا سؤال "من يقتل من؟". أزعم أن كثيرا ممن كتبوا عن الظاهرة فعلوا ذلك تحت تأثيره، إني أخص التجربة الجزائرية. وبالعودة إلى ظروف محنة الجزائر، يمكن ملاحظة أن المسألة لم تعرف التدويل، ومن ثمة اعتبرت ذات بعد داخلي. (من يدري ما الذي كان سيحصل لو أن تجربة الجزائر مع العنف تأخرت إلى هذا الوقت؟) وعليه نظر إليها الكاتب بصفتها واقعا يوميا وقد كنا نعيشه كذلك.

إن ما يحدث اليوم يكاد يكون مبتذلا، أو هو من درجة العنف والتداخل القوية لا يسمح للكاتب بأن يقترب من موضوعه أو هو، الآن، كما كانت تجربتي مع رواية "تماسخت" يأخذ مسافة للتأمل. لا أعرف.

undefinedهل من خطورة لذلك على الرواية العربية ومخيال الكاتب في هذا الانحسار الذي يهدد التيمات الأدبية؟

– الخطورة -كما أتصور- تأتي من هذا "الهروب إلى الأمام" من الكتّاب أمام الظاهرة التي تعممت وتتطلب الآن شجاعة في إعادة نظر في المقاربة التقليدية للإرهاب، بحيث لم يعد -في تقديري- رفع السلاح في وجه نظام لتغييره نحو الأفضل هو الهدف، بل لغايات أخرى غير مرتبطة أساسا بمصالح الشعوب المطالبة بالحرية والعدالة.

لك أن تطلع على موضوعات الروايات الصادرة منذ عشرين سنة لتعاين أن هناك هروبا من مقاربة الظاهرة، لارتباطها بالديني خاصة وباعتبارات أخرى، الأمر الذي سيجبر دور النشر والإعلام على "التحفظ" تجاه أي عمل روائي يجرؤ على طرح سؤال منبع الظاهرة. فالخطورة تكمن في حصار مخيال الكاتب نفسه في مواضيع لا تصدع بالحقيقة، لا تُنطق المسكوت عنه.

undefinedبعض أعمالك تنحو نحو الأوتوبيوغرافيا أو تقدمها كنصوص "خلاسية" بين السيرة والرواية، هل مستقبل الرواية في التخييل الذاتي؟

ما يلقاه الكتاب الأدبي الصادر في الجزائر بالفرنسية، أو المستورد من فرنسا، من دعم لا يحظى بجزء منه الكتاب الأدبي الصادر بالعربية

– أنت تعرف أن في كل نص روائي إربا أو أكثر من ذات الكاتب. ما أكتبه لا بد أن أحسه جزءا مني كيفما كان موضوعه، وغير ذلك لا أكتبه. من هنا، أميل إلى أن أصبغ على أعمالي مفهومك الجميل "خلاسية" وفي ذهني  مفهوم "المولَّد". إنه خيار يُدخل القارئ في عالم النص من داخله.

undefinedتبدو في رواياتك مثل "تلك المحبة" و"تماسخت" مراهنا على اللغة العربية في الجزائر التي ما زالت الفرنكفونية تمثل ثقلا ثقافيا بها؟

– لست مناضلا من أجل لغة عربية في مواجهة لغة أخرى، لأن للجزائر خصوصية ثقافية ولغوية مختلفة عن باقي البلدان العربية قاطبة. أراهن على لغة كتابة مفارقة لإدراكي لأن الرواية الأدبية تتطلب بلاغة وقاموسا مختلفين عن السائد وعن كل موضوع إلى غيره، كما هي الحال في أعمالي.

undefinedأنت من الروائيين المغاربة الذين نشروا بالمشرق قبل العدول عن ذلك، وها أنت تعود إلى النشر من جديد في مصر، هل هي أزمة قارئ في الجزائر أم هو خيار إستراتيجي؟

– بصدق، هناك ثلاثة أسباب تجعلني أتوجه إلى المشرق، مصر تحديدا: انعدام تام لشبكة توزيع في الجزائر حاليا. انفصال كلي للمدرسة والجامعة عما يصدر من إنتاج أدبي. غياب مطلق لترقية الكتاب من دور النشر نفسها. عزوف الإعلام عن متابعة الصادر بالتقديم المحترف.

undefinedترجمت رواياتك إلى الفرنسية ولكنها نشرت بالداخل، هل من السهل أن يخترق الكاتب الذي يكتب بالعربية عالم الفرنكفونية بالجزائر؟

– فعلت ذلك لأهمية المقروئية "المفرنسة" في الجزائر، لتقاليدها مع الرواية خاصة. غير أني أحس بأن هناك لوبيا قويا جدا يمنع انتشار الأعمال المترجمة، لأنها أقوى غالبا مما يكتبه حاليا جزائريون بالفرنسية وحتى لا تزاحم غيرها المكتوب بالفرنسية.

ما يلقاه الكتاب الأدبي الصادر في الجزائر بالفرنسية، أو المستورد من فرنسا، من دعم المراكز الثقافية في الجزائر ومن دائرة نشر الفرنكفونية في فرنسا، لا يحظى بجزء منه الكتاب الأدبي الصادر بالعربية في الجزائر. من هنا منبع أحد الاختلالات الثقافية في الجزائر.

المصدر : الجزيرة