"الرواية الرائية" سرد الحياة وسرد الرواية

غلاف كتاب "الرواية الرائية" للعراقي محمد صابر عبيد
undefined
وليد الزبيدي
 
قد يتفاجأ الكثير من القراء والمهتمين بالنقد الروائي بمصطلح "الرواية الرائية"، الذي نعرض له في سياق قراءة كتاب صدر مؤخرا بهذا العنوان للأكاديمي والباحث العراقي المعروف الدكتور محمد صابر عبيد.
 
وفي الواقع لم يكن هذا المصطلح متداولا على نطاق واسع في الأوساط الأدبية والروائية والنقدية، لكن عبيد يرى أن هذا الكتاب يشتغل على فضاء رؤية نقدية تبحث في النص الروائي عن مكامن الطاقة الرؤيوية التي تنبض بها عناصر التشكيل النصّي وتتحرك في مفاصلها وشبكات نسيجها، ولا سيما حين تبدو العلاقة الجدلية الوثيقة بين سرد الحياة وحياة السرد على أشدها.
 
تأتى أهمية هذا الكتاب من ثلاثة جوانب: أهمية الروائي عبد الرحمن مجيد الربيعي وما قدمه للرواية العراقية والعربية ومكانة الباحث الدكتور محمد صابر عبيد في النقد الأدبي العربي والمصطلح الجديد بكل ما ينطوي عليه من حداثة وأهمية
السيرة والتخييل
هنا، يضع الناقد محددات لهذا المصطلح "الرواية الرائية"، في مقدمتها أن تعمل الرواية على تقنيات سردية "سير ذاتية" متنوعة، ويتم نقلها في سياق العمل الروائي من حاضنتها التخييلية إلى حاضنة هجينة.
 
ويفسر ذلك في سياق التعريف بالمصطلح بقوله إن "كل ذلك يحصل في استجابة لحساسية العلاقة الدينامية المولّدة بين السيرة الذاتية بمرجعيتها الواقعية والتاريخية والجغرافية، ومنطقة الرواية بمرجعيتها التخييلية، في زواج فني وجمالي مولد ومنتج".

في دراسته هذه لا يعتمد الباحث على أعمال روائية عديدة، وإنما يتوقف مطولا وبدراسة معمقة لعمل روائي واحد، كما فعل قبل ذلك في دراسته الموسومة يـ "القصيدة الرائية" التي خصصها لتجربة الشاعر العراقي رعد فاضل، الذي يقول عنه في التقديم لتلك الدراسة، إننا اجتهدنا في عرض وجهة نظرنا في التأسيس لهذا المصطلح المبتكر.

وقبل الولوج في عالم الرواية الرائية بحث عبيد في عالم "القصة الرائية"، في بحث خصصه لتجربة القاص محمود جنداري في سياق البحث عن خصوصية النص الأدبي. أما في دراسته الجديدة فيتناول رواية القاص والروائي العراقي عبد الرحمن مجيد الربيعي الصادرة بعنوان "نحيب الرافدين".

هذه الرواية -كما يقول عنها الباحث- مرّت بمراحل على مستوى فلسفتها ورؤيتها وكتابتها وتوقيت نشرها، وفي شروعه بهذه الدراسة يؤكد على أن الرواية تتميز بتفردها بموضوعية تقترب من السيرة الذاتية دون التفريط بالموضوع العام الذي تتصدى له.

ومن أجل أن تجيب الدراسة عن أسئلة السرد الروائي المركزية، فقد قاربت بنيات التشكيل الروائي وآلياته الرائية، ورصدت حركة الشخصيات في رؤيتها وفلسفة تشكيلها

علاقة إشكالية
ورغم حصر انشغالات الدراسة في حدود هذه الرواية، إلا أن الباحث يقرأ أفكار وطروحات الروائي عبد الرحمن مجيد الربيعي عبر أربعة عقود، وهو العمر الزمني له إذ صدرت أولى رواياته عام 1972 بعنوان "الوشم" ثم تواصل حضوره الإبداعي الواسع في الساحتين العراقية والعربية.

ولأن الباحث يؤمن بأن إشكالية "السير ذاتي" في الروائي واحدة من أهم إشكاليات الصنعة الروائية وأكثرها حساسية ولعبا بمصير الرواية ومستقبلها، لهذا فإن تدخل السير ذاتي في الروائي ما ينفك يتسع ويتمظهر ويتعدد ويتنوع بسبل وأساليب كثيرة.

قد يكون من الصعوبة التعريف بهذه الدراسة من جميع جوانبها لأنها تنطوي على أكثر من زاوية، فالمصطلح جديد بطبيعته وتفاصيله وفلسفته وفي الوقت ذاته يبحث في عمل روائي له شخوصه وأجواؤه، كما أن التناول يتخطى الصيغ التقليدية في تفحص النص ومحاكمته، لكن الدراسة بحد ذاتها تفتح أكثر من نافذة في محاكمة العمل الروائي ومحاكمة أفكار وطروحات الروائي نفسه.

ومن أجل أن تجيب الدراسة عن أسئلة السرد الروائي المركزية، فقد قاربت بنيات التشكيل الروائي وآلياته الرائية، ورصدت حركة الشخصيات في رؤيتها وفلسفة تشكيلها.

تأتى أهمية هذا الكتاب إذا من ثلاثة جوانب، أهمية الروائي عبد الرحمن مجيد الربيعي وما قدمه للرواية العراقية والعربية، ومكانة الباحث الدكتور محمد صابر عبيد في النقد الأدبي العربي، والمصطلح الجديد بكل ما ينطوي عليه من حداثة وأهمية.

المصدر : الجزيرة