جان كوكتو.. مبدع لم تكفه الكلمات

صور لكوكتو مع أشهر ممثليه ـ الجزيرة ـ
undefined

بوعلام رمضاني-باريس

 
بالنسبة للشاعر الفرنسي الراحل جان كوكتو "لا يمكن ملاحظة الجمال بنظرة متسرعة"، فانخرط الرجل في كل أنواع الآداب والفنون وجماليات الصورة والكلمة بنظرة متأنية ورؤية خلاّقة، كان يعتبر الشعر لا غنى عنه، لكن الكلمة لم تكفه فأبدع في السينما والرواية والمسرح والفن التشكيلي.
 
كوكتو "الكوكبة"، كما وصفته "المجلة الأدبية" الفرنسية -في محاولة لتجاوز صعوبة توصيفه- عاش حياة مشحونة بالفن والأدب، بين غليونه وسيجارته وأدوات الرسم وورق الكتابة وخشبة المسرح وضجيج أستوديوهات السينما مضت أيامه ضاجة بإبداع يعرضه المتحف السينمائي الفرنسي اعتبارا من هذا الشهر وحتى نهاية يناير/كانون الثاني المقبل تخليدا للذكرى الخمسين لرحيل المبدع الفرنسي المتعدد المواهب.
 
يغطي المعرض مسيرة كوكتو الإبداعية ممثلا وكاتبا ومخرجا سينمائيا، اعتمادا على مجموعة من الفيديوهات والملصقات والتسجيلات السينمائية والصور والمقالات النقدية والنصوص والمراسلات الشخصية والرسوم والمخطوطات والكتب والمنشورات النادرة والمسودات الفنية الاستثنائية المتعلقة بخطط الكتابة والإخراج والتصوير والأزياء.
 
ويكتسي المعرض أهمية خاصة بتجاوزه الطابع الكلاسيكي وملامسته المكانة المتميزة التي احتلها كوكتو وتأثيره لاحقا على جيل سينمائي كامل وعلى سمعة مهرجان كانْ العالمي الذي كان من أبرز أعضاء ورؤساء لجان تحكيمه في الخمسينيات، الأمر الذي دفع الإعلام الفني يطلق عليه وصف "أمير مهرجان كان"، على حد تعبير مدير المتحف السينمائي سيرج توبيانا للجزيرة نت.

ويجدر بالذكر أن معرض "السينماتيك" ليس هو المكان الفني الوحيد الذي يخلد الذكرى الخمسين لرحيل كوكتو، إذ يلاحظ أيضا مشاركة المكتبات العمومية والخاصة والقصر الكبير ومتحف الآداب والمخطوطات فضلا عن الوسائل الإعلامية بكافة أصنافها.

‪‬ كوكتو (يسار) رفقة النجم جان ماري في فيلم تسجيلي بالأبيض والأسود(الجزيرة)
‪‬ كوكتو (يسار) رفقة النجم جان ماري في فيلم تسجيلي بالأبيض والأسود(الجزيرة)

مدرسة فنية
يمثل كوكتو مدرسة فنية وأدبية قائمة بحد ذاتها تداخلت فيها شتى أنواع الإبداع الفني والأدبي مثل الإخراج والكتابة السينمائية، اقتباسا وحوارا، والتمثيل السينمائي والمسرحي والرسم واللغة السينمائية والشعر والرواية والباليه والكتابة الصحفية.

وهو صاحب موهبة شاملة ومتعددة الأوجه، تركته لا يكتفي بالكلمات بوصفه شاعرا وكاتبا، وهذا ما دفعه للرسم في كل الأماكن وفي كل الأوقات وعلى مختلف المواد، كما بينت ذلك بعض القصاصات التي ضمتها الطاولات الزجاجية المغلقة بالمعرض التي أثارت انتباه الجمهور الذي عرف كوكتو شاعرا وسينمائيا فقط.

الشاشات السينمائية -وخاصة تلك التي ثبتت في يمين مدخل قاعة العرض- شدت الجمهور بشكل لافت بعرضها لقطات من أهم الأفلام التي أخرجها كوكتو مثل "دم الشاعر" (1930) و"الجميلة والوحش" (1945) و"العودة الأبدية" (1947) و"الأطفال المثيرون" (1948) و"سيدات غابة بولوني" (1950) و"باب جهنم" (1954) و"وصية أورفيه" (1959) و"توما الدجال" (1964).

وأحيت الأفلام التسجيلية المعروضة ذكريات عزيزة على قلوب الكثير من الحاضرين المسنين الذين قصدوا المعرض ومن بينهم أزواج عبروا عن حنينهم لممثلين بحجم مارلين ديتريش وجان ماري.

لم تقتصر مقاربة منظمي المعرض والنقاد والكتاب -الذين عاصروا كوكتو وزودوا المتحف السينمائي بوثائق وصور نادرة- على الأفلام التسجيلية والملصقات السينمائية والكتب والمنشورات التي تناولت إبداع وحياة كوكتو، بل امتدت إلى الأزياء التي شدت هي الأخرى انتباه الجمهور وخاصة تلك التي ارتبطت بأفلام شهيرة ومن بينها فيلم "وصية أورفيه" الذي يظهر فيه كوكتو ممثلا محاطا بالرجلين الحصانين.

‪‬ نماذج من الأزياء في الأفلام التي أخرجها كوكتو في المعرض(الجزيرة)
‪‬ نماذج من الأزياء في الأفلام التي أخرجها كوكتو في المعرض(الجزيرة)

الكلمة والصورة
"روني" -إحدى زائرات المعرض- قالت للجزيرة نت إن شخصية كوكتو عجيبة ومثيرة بكل المعايير باعتبارها عصارة فنية تختزل تجربة غير عادية تركت آثارها على الجيل الذي جاء بعده ومهد لسينما المؤلف على أيدي فرنسوا تروفو وجان لوك غودار، وعليه يعتبر همزة وصل بين جيلين كاملين.

ولد كوكتو في الخامس من يوليو/تموز 1889 بضاحية ميزو لافيت الباريسية، وتوفي يوم 11 أكتوبر/تشرين الأول 1963 بضاحية إيسون شرق باريس في بيته الذي تحول في صيف عام 2010 إلى متحف يستقطب آلافا من السياح الفرنسيين والأجانب سنويا.

دخل كوكتو للأكاديمية الفرنسية الشهيرة عام 1955 لكنه أهمل دراسته الثانوية بسبب ميله لكل ما هو فني وأدبي بوجه عام والسينما والمسرح والشعر بوجه خاص، وفشل في امتحان البكالوريا مرتين قبل أن يطرد نهائيا.

نشر قصيدته الأولى "مصباح علاء الدين" المستوحاة من ألف ليلة وليلة في سن العشرين، وتلاها بقصيدة "الأمير" بعد عام فقط، وشكلت مقابلته مع مصمم الباليه الروسي سيرج داغيلاف ومع بيكاسو تحولا في مسار ميله الأدبي والفني العام بالتزامن مع احتكاكه بالسرياليين والتكعيبيين وبحركة دادا.

من أعماله الأدبية المعروفة الأخرى رواية "توما الدجال" ومسرحية "اللامبالي الجميل" التي كتبها خصيصا للمطربة الشهيرة إديت بياف، التي ربطته علاقة صداقة قوية معها تسببت في موته إذ أُصيب باختناق عندما أُبلغ بخبر وفاتها وفارق الحياة بعد ساعة من ذلك. وبحسب رفيق دربه الممثل الكبير جان ماري فإنه كان يعاني من مرض في الرئة، وتوفي نتيجة ذلك.

المصدر : الجزيرة