مسلسل "عمر" وجدل ما قبل العرض

طارق الشناوي لصفحة الثقافة، مثل هذه الأعمال من الممكن أن تتحول إلى قوة إيجابية تساهم في
undefined
طارق الشناوي
 
يترقب الجميع عرض المسلسل التاريخي "عمر"، الذي يتناول حياة ثاني الخلفاء الراشدين "عمر بن الخطاب"، ورغم أن أسرة المسلسل، الذي يخرجه السوري حاتم علي، تتكتم بشأن تجسيد شخصية سيدنا عمر رضي الله عنه، تؤكد كل المؤشرات ذلك.

ومن تلك المؤشرات أنه سبق ترشيح الممثل "تيم حسن" لأداء الدور، ولكن تقرر صرف النظر عن ذلك بعد أن أشار البعض إلى أنه قدم العديد من الأعمال الدرامية العاطفية، كما أنه لعب من قبل دور الشاعر السوري الكبير نزار قباني في مسلسل عرض قبل نحو خمس سنوات، وقبل عامين قدم أيضا شخصية "عابد كرمان"، الذي كان يتناول حياة واحد من رجال المخابرات المصرية وغيرها، ولهذا فإن دور "عمر بن الخطاب" قد أسند في أغلب الظن إلى فنان جديد، اكتشفه ودربه حاتم علي.

ولم تكن هذه هي المرة الأولى التي تم فيها التفكير في إنتاج مسلسل يتناول حياة أحد الخلفاء الراشدين، فالمخرج الأردني محمد عزيزية سبق أن أعد مسلسلا عن حياة أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وذلك بعد عرض مسلسل "خالد بن الوليد"، الذي أخرجه قبل أربع سنوات ولقي نجاحا كبيرا، ولكن تعثر المشروع لأسباب مادية.

المشاهدون في العالم العربي يترقبون مسلسل "عمر"، ومثل هذه الأعمال الدرامية إذا قدمت بحرفية وإحساس فني عالي المستوى تلعب دورها في إبراز حقيقة الدين الإسلامي الحنيف

ورغم حالة الضبابية التي تلف مسألة تجسيد شخصية سيدنا عمر، لم يكن ممكنا للكثيرين انتظار تبين الأمر أثناء العرض على الشاشة، فقد سارع الأزهر الشريف، مثلما حدث العام الماضي قبل عرض مسلسل "الحسن والحسين ومعاوية"، وجدد إصدار قراره بتأكيد تحريم ظهور الخلفاء الراشدين والصحابة والعشرة المبشرين بالجنة في أعمال فنية.

يحدث هذا بينما تبث عشرات المسلسلات الدينية التي تلقى قبولا لدى الجمهور، بينها مسلسل "يوسف الصديق" الذي عرض قبل نحو عامين في أكثر من قناة فضائية عربية، بل إن بعض القنوات المصرية الخاصة لم تلتزم بقرار الأزهر الشريف الذي يحرم العرض والمشاهدة، وهو ما تكرر العام الماضي في مسلسل "الحسن والحسين ومعاوية"، الذي عرضته أيضا بعض القنوات الخاصة المصرية رغم ضعف مستواه الفني.

وكان صناع مسلسل "الحسن والحسين" قد حصلوا على موافقة العديد من كبار علماء السنة في العالم الإسلامي ومن بينهم الشيخ يوسف القرضاوي على العرض، وذلك حتى لا تصبح إباحة العرض مرتهنة بموافقة العلماء الشيعة، ويوميا كان يسبق بث المسلسل على الشاشة توقيع هؤلاء الكبار، حتى يطمئن المشاهد في رمضان أنه لا يرتكب معصية، وهو ما أتصور تكراره في رمضان هذا العام أيضا قبل عرض مسلسل "عمر".

وتاريخ اصطدام الأعمال الفنية برقابة الأزهر موغل في القدم، وبدأ مع منع ظهور الرسول الكريم في فيلم يلعب بطولته يوسف وهبي قبل نحو 86 عاما، حيث إن وهبي كان قد تلقى عام 1926 عرضا من المخرج وداد عرفي بتجسيد حياة الرسول صلى الله عليه وسلم بفيلم من إنتاج ألماني فرنسي مشترك، واعترض الأزهر الشريف وتراجع يوسف وهبي، وللأزهر بالتأكيد كل الحق في موقفه ذاك.

ولكن مع الزمن اتسعت دائرة التحريم، وتدخلت أجهزة الدولة المصرية لمنع عرض مسرحية "الحسين شهيدا" لعبد الرحمن الشرقاوي وإخراج كرم مطاوع، وذلك قبل أربعين عاما، وفي ليلة العرض صادر أمن الدولة وقتها العرض المسرحي استجابة لرأي الأزهر الشريف.

ما المنطق الشرعي الذي يمنع تجسيد الخلفاء وكبار الصحابة على الشاشة وقد كانوا بشرا؟ ما المرجعية التي استند إليها الأزهر الشريف؟ خاصة أنه كان يمنع أيضا ظهور حمزة بن عبد المطلب عم الرسول صلى الله عليه وسلم، ولهذا لم يعرض فيلم "الرسالة" للمخرج مصطفى العقاد في مصر منذ إنتاجه عام 1976، رغم أن معظم الفضائيات العربية كانت قد عرضته.

المرونة في التعامل مع الزمن لا تعني القفز على ثوابت دينية أو تغيير مبدأ في الدين الإسلامي ولكن تعني النظر للأمر بمختلف جوانبه

وجاء عرض "الرسالة" في التلفزيون المصري قبل أربعة أعوام فقط، ليؤكد لنا أن الأمر أبسط كثيرا من تلك القواعد المانعة، التي من الواضح أنها لم تستند إلى تحريم قطعي، فرئيسة التلفزيون المصري السابقة سوزان حسن اتصلت بشيخ الأزهر الراحل سيد طنطاوي، وقالت له: هل لديك مانع يا مولانا من عرض الفيلم؟ فأجابها: هل رأيتِه؟ قالت له: نعم، فأجابها: هل وجدت ما يخدش في الإسلام؟ فأجابته: لا. وكانت كلمته النهائية "اعرضيه يا ابنتي على بركة الله".

ما الخطر إذن من عرض عمل فني يجسد شخصية حمزة بن عبد المطلب؟ وهل خالف شيخ الأزهر القواعد التي أصدرها الأزهر الشريف عندما وافق شفاهيا على العرض؟ ولماذا تأخرت مصر تلك السنوات في السماح بالعرض؟

المرونة في التعامل مع الزمن، لا تعني القفز على حقيقة دينية أو تغيير ثوابت في الدين الإسلامي، ولكن تعني النظر للأمر بمختلف جوانبه، فهل الأجدى أن نغلق أعيننا عن التعاطي مع الأعمال الدينية الإسلامية التي تأتي إلينا بفعل الانتشار الإعلامي من دول عربية ومن إيران؟ أم نتعامل معها بمفهوم ديني لتحدث مواءمة بين الواقع الذي نعيشه وحاجة الناس.

من المؤكد أن النظرة للإسلام برؤية عصرية هي المطلوبة، وسوف نكتشف إلى أي مدى احترم الدين عقل البشر. لقد ارتكنا طويلا إلى النقل، وليس إعمال العقل، ونحتاج الآن إلى التفكير، فلم يكن أحد يتصور قبل إقرار قانون الخلع في مصر أن الإسلام يبيح منذ عهد الرسول عليه الصلاة والسلام الخلع، وأعتقد أن تلك الرؤية المرنة التي تطل على الحياة من شرفة الواقع هي المطلوبة الآن!!

يترقب المشاهدون في العالم العربي مسلسل "عمر"، ومثل هذه الأعمال الدرامية إذا قدمت بحرفية وإحساس فني عال، وارتكزت إلى صحيح الدين تلعب دورها في إبراز حقيقة الدين الإسلامي الحنيف، الذي صار موضع اتهام مع الأسف عند البعض في أوروبا، أرى أن مثل هذه الأعمال من الممكن أن تتحول إلى قوة إيجابية تساهم في تقديم صورة صحيحة عن الإسلام، وتستحق أن تترجم بعدة لغات لتعرض للناطقين بغير العربية.
______________
كاتب وناقد فني مصري

المصدر : الجزيرة