أدب إسرائيل والنكبة.. أصوات مختلفة

سلمان ناطور في محاضرته: هناك بدايات جديدة في الأدب والسينما تظهر الضحية الفلسطينية
undefined

وديع عواودة-حيفا
 
ما زالت الأعمال الأدبية والفنية في إسرائيل تستميت في طمس النكبة الفلسطينية وأبعادها، وتكريس الرؤية الأحادية للمؤسسة الحاكمة، وفي محاولة أوّلية لكسر "جدار الصمت" نظم نحو مائة مثقف يهودي مؤتمرا في تل أبيب حول "النكبة في السينما والأدب في إسرائيل"، لتخرج أصوات مختلفة تؤكد أن النكبة مستمرة والمصالحة غير ممكنة دون اعتراف الجانب الإسرائيلي بها.
 
ويؤكد عميد كلية الأدب العبري في الجامعة العبرية بالقدس حنان حيفر أن المؤتمر المذكور -الذي كان أحد المبادرين إليه- يندرج ضمن جهود مثقفين يهود لوضع النكبة الفلسطينية على الأجندة العامة.

وأشار -في مداخلته- إلى أن المبادرة جاءت على خلفية المشاريع الإسرائيلية لطمس النكبة منذ عقود، ويتجلى ذلك في مناهج التعليم والإعلام الرسمي وقانون حظر إحياء النكبة.

 
‪(‬ ملصق مؤتمر
‪(‬ ملصق مؤتمر "النكبة في السينما والأدب في إسرائيل"
رؤية أحادية
ويقول حيفر -وهو باحث في الأدب العبري- إن السواد الأعظم من الأدباء في إسرائيل يتعمدون عدم رؤية الآخر الفلسطيني وعذاباته، ويتعاملون مع النكبة بطريقة تهدف إلى طمسها وإغلاقها وكأنها قصة تاريخية منتهية.
 
ويشير إلى أن الأدباء الإسرائيليين يتجاهلون النكبة في نتاجاتهم الفكرية والأدبية والفنية، لافتا إلى بعض الاستثناءات أبرزها الشاعر أبوت يشورون، الذي عاش في تل أبيب وكتب قصائد عن النكبة بعد سنوات من وقوعها، فأثار عاصفة من الردود السلبية.
 
ومن نتاجات يشورون قصيدة "الفصح بين الأكواخ"، وقصيدة عن بحيرة الحولة في شمال فلسطين،  احتج من خلالها على تهجير سكان القرى الفلسطينية المحيطة بها، وعلى محاولات تجفيفها الفاشلة من قبل إسرائيل.
 
كما أشار أيضا إلى الشاعر اليهودي المعاصر تومر غاردي، الذي احتج أيضا على بناء متحف "بيت أوسيشكين" من حجارة قرية هونين المهجّر أهلها في الجليل. وكذلك رواية "خربة خزعة" (1949) للأديب يزهار سيميلينسكين، عن القرى الفلسطينية التي هجّر سكانها، والتي تعد "عملة نادرة" في الأدب العبري الذي يطمس النكبة كجزء من الحرب المتواصلة على الوعي والرواية.
 
حيفر -الذي بدا وكأنه يغرد خارج السرب الإسرائيلي في رؤيته للنكبة- يرى في مداخلته أن "السؤال السليم ليس هل هرب الفلسطينيون أم طردوا؟، فالجوهر كان وما زال يكمن في حقيقة أن إسرائيل حالت فور قيامها دون عودة اللاجئين إلى ديارهم".

والنكبة -وفقا للأكاديمي الإسرائيلي- لا تنطبق على أحداث 1948 فحسب، بل هي مستمرة طالما لم يعد اللاجئون الفلسطينيون إلى منازلهم وأراضيهم، وإسرائيل "ترفض الاعتراف بمسؤوليتها عن النكبة، خوفا من أن يمس ثمن الاعتراف بحق العودة بيهوديتها، والأدب العبري أيضا ملتزم بهذه الرؤية".

‪سلمان ناطور: المتغيرات في الأدب والسينما الإسرائيلية تشكل بواكير وعي جديد‬ (الجزيرة نت)
‪سلمان ناطور: المتغيرات في الأدب والسينما الإسرائيلية تشكل بواكير وعي جديد‬ (الجزيرة نت)

أصوات جديدة
وفي مداخلته بالمؤتمر، أكد أستاذ علم الاجتماع في جامعة تل أبيب يهودا شنهاف ما ذكره حيفر، واستعرض مظاهر استمرار النكبة من طرد الفلسطينيين من ديارهم 1948 وحرب لبنان ومذبحة صبرا وشاتيلا وغيرها.

وفند هو الآخر -في حديثه للجزيرة نت- مزاعم الصهيونية بأن اللجوء ظاهرة طبيعية وقت الحرب ونتيجة لها، لافتا إلى أن إسرائيل ما زالت تمنع اللاجئين من عودتهم. ويؤكد أن النتاجات الأدبية والأفلام السينمائية ومنصات الخطاب العام في إسرائيل ما زالت حتى اليوم تحجب حقيقة النكبة عن الإسرائيليين، الذين ما زالوا غير مطلعين على الصورة الشاملة.

ويؤكد شنهاف أهمية عقد مؤتمر في قلب تل أبيب بمشاركة عشرات المثقفين والمحاضرين يدعون فيه إسرائيل لتحمل مسؤوليتها عن جريمتها بحق الفلسطينيين وبوضوح.

الأديب سلمان ناطور لفت إلى أهمية مشاركة عشرات المثقفين الإسرائيليين في المؤتمر، واعتبر ذلك فاتحة لتيار أو توجّه جديد لدى الإسرائيليين، خاصة أن فئات متزايدة منهم باتت تشكّك في الرواية الصهيونية التاريخية بفضل نشاط جمعيات أهلية كجمعية "زوخروت" اليهودية المختصة بالرواية التاريخية الفلسطينية، إلى جانب نشاط جهات عربية.

ويرى أن هذه المتغيرات في الأدب والسينما الإسرائيلية ما زالت في بدايتها، لكنها تشكل بواكير وعي فكري وسياسي جديد، رغم أن "التيار الإسرائيلي المركزي ما زال يرفض الرواية الفلسطينية، ولذا تجاهل الإعلام العبري مؤتمر تل أبيب".

وحسب ناطور، فإن مشكلة الكتاب الإسرائيليين الذين تعاملوا مع النكبة بشكل عام تكمن في طرح الإسرائيلي -لا الفلسطيني- كضحية. لكن جيلا جديدا من المثقفين الإسرائيليين الشباب بدؤوا يبرزون الضحية الفلسطينية في نتاجاتهم مثل المخرج السينمائي إيال سيفان.

المصدر : الجزيرة