"فوس نوت" وتوجهات سينما تونس الجديدة

ملصق فيلم فوس نوت للمخرج التونسي مجدي سميري
undefined
كمال الرياحي-تونس
 
رغم النجاحات الفنية التي حققتها السينما التونسية منذ نشأتها، فإن المضامين التي تقدمها ظلت دائما مثيرة للجدل وتلاقي الكثير من الانتقادات من الجمهور التونسي نفسه. وقد أعاد فيلم "فوس نوت" أو "التدوينة الخاطئة" للمخرج مجدي سميري -الذي يعرض في القاعات التونسية- طرح مزيد من الأسئلة حول ما يتوقعه الجمهور من السينما التونسية.

فهذه السينما -التي شغلت القاعات التونسية، وتشارك باسم تونس في المهرجانات العالمية والعربية- لا يعطي كثير منها صورة حقيقية للتونسي، ولا كانت مقاربتها للواقع التونسي في مستوى ثرائه وتنوعه. ومن التهم التي كانت توجه لهذه السينما أنها سينما استشراقية، تلبي بالأساس حاجيات عين أخرى هي عين الأجنبي، الذي تتوجه إليه هذه السينما في المسابقات والمهرجانات.

وبعد الانتفاضة التونسية، بدا الجمهور متعطشا لنوعية أفلام أخرى تعبر عنه، ولكنه انتظر أيضا أن تنتهي موجة الأفلام الثورية -التي بدا فيها الصوت العالي سيد الموقف- ليشاهد أفلاما راقية فنيا، وسينما تونسية تحترم ذائقته، وجديرة بثقافته، وتستجيب لأفق انتظاراته. وجاء فيلم مجدي سميري كأحد نماذج الأفلام التونسية الطويلة بعد الثورة.

سيناريو الفيلم جاء ضعيفا، ومنطلقا من فكرة بسيطة أصبحت من الموضوعات المكررة في سينما الحركة في العالم، وبات تقليدها يبدو أقرب إلى السذاجة في السينما التجارية في عدة بلدان

نمط جديد
الفيلم -الذي يعد آخر إنتاجات السينما التونسية (٢٠١٢)، وتشارك فيه مجموعة من الوجوه الشابة- يأخذ المشاهد إلى مدارات جديدة قوامها الحركة والتشويق والإثارة على مدار ساعة تقريبا.

ويروي الفيلم قصة مهندس معماري شاب يتورط في قضية اتجار من قبل عصابة من المتلاعبين يرأسهم الرجل الكبير "سي لمين"، الذي أجبر الشخصية على تجسيد دور رجل أعمال مغربي كبير يمتلك بنكا أفريقياً كبيرا، مستعملا في ذلك ابنته كطعم، لكن هذه الأخيرة وقعت في حب البطل أو الضحية "مهدي" فتعقدت الأحداث في جو مشحون بالجريمة والعنف.

الأصالة هي الابتكار، وأن يأتي المبدع في أي مجال بما يميزه عن بقية المشتغلين في مجاله، وهذا ما بدا غائبا تماما في فيلم مجدي سميري، فالسيناريو جاء ضعيفا جدا، منطلقا من فكرة بسيطة أصبحت من الموضوعات المكررة في سينما الحركة في العالم، وبات تقليدها يبدو أقرب إلى السذاجة في السينما التجارية في عدة بلدان.

غير أن التقليد واعتماد القوالب الجاهزة التي كتب بها السيناريو ليست هي المشكل فقط، بل أيضا  توزيع الأحداث المكررة أصلا تحت ضغط ما يتطلبه هذا النوع من الأفلام القائمة على الألغاز والتشويق. وكان بناء الشخصيات هشا، وملامحها غير مكتملة، وتصرفاتها غير مبررة ضمن سيناريو مهزوز، يبحث عن ذاته بالإيغال في الإثارة والغموض.

كما تظهر أحيانا شخصيات ثانوية يخيل للمشاهد أنها ستغير مجرى الأحداث، لكن سرعان ما تفلت خيوطها من يديْ المخرج، ولا تجد مسارها داخل السيناريو، ليعود إلى مشاهد العنف والمطاردات التي بدت مركبة أحيانا، ومشاهد الدماء وقطع الأعضاء والعنف اللفظي غير المبرر، والحركات الماجنة المقحمة إقحاما.

الجمهور التونسي ينتظر أعمالا تنظر إليه كذات مفكرة وذائقة راقية جديرة بالاحترام، وتؤسس لسينما جديدة يحتمها الفعل الثوري الذي هزم الاستبداد

سينما الواقع
الفيلم -الذي أدار تصويره كريم شلغوم وساعده عصام سعيدي- قدم صورة باهرة أحيانا ومتميزة على مستوى التأطير والإضاءة، إلا أن جمال تلك الصورة اصطدم بضعف السيناريو الناطقة به تلك الصورة وضعف الابتكار فيها، رغم أنها تستحق علامة جيدة لمصور سينمائي ما زال في سنواته الأولى.

المشاهد التونسي الشغوف بالسينما، بدا متذمرا وهو يخرج من الصالة بعد أن شاهد الفيلم، ولسانه يقول "ليست هذه السينما التي انتظرتها بعد الثورة". أما المشاهد العادي -الذي استهدفه الفيلم- فلم يجد ضالته لأن الفيلم لا يقدم جديدا في عالم سينما الحركة، ومشاهدة السينما الأميركية أو غيرها كفيلة بتلبية حاجاته تلك بجودة أعلى وحبكة أكثر إتقانا.

رغم الجهد الذي بذله فريق الفيلم، فإن أحداثه تبقى في بعض تفاصيلها بعيدة عن الواقع الاجتماعي التونسي. وينتظر الجمهور التونسي أعمالا تنظر إليه كذات مفكرة وذائقة راقية جديرة بالاحترام، وتؤسس لسينما جديدة يحتمها الفعل الثوري الذي هزم الاستبداد. ويتساءل الكثيرون عن السبب الذي جعل السينما الوثائقية التونسية تحقق نجاحات كبيرة، بينما السينما الروائية تعيش مأزقا؟ 

المصدر : الجزيرة