"مدن ترانزيت" وتحولات المجتمع الأردني

لقطة من الفلم تجمع محمد القباني وصبا مبارك
undefined

توفيق عابد-عمان

يرصد الفيلم الأردني "مدن ترانزيت"، للمخرج الشاب محمد الحشكي وبطولة الفنانة صبا مبارك والفنان محمد القباني وقصة وسيناريو أحمد أمين، التحولات الاجتماعية والسياسية والفكرية والتعليمية بالأردن من خلال رؤية فتاة عائدة من الغربة تعيش على وقع ضغوط ومشاكل لم تكن تتوقعها.

ويعالج الفيلم قضية اغتراب الشباب الذين يهاجرون إلى أميركا فيغيرون أنماط حياتهم وسلوكهم وطريقة تفكيرهم، وبالعودة لمجتمعهم الأصلي يصطدمون بالكثير من التحولات والمتغيرات، فيعانون صعوبة في إعادة التكيف.

كما يلامس الفيلم (71 دقيقة)، ويعد أول فيلم روائي طويل لمحمد الحشكي، معضلة البطالة بين الخريجين، فالفتاة العائدة ليلى كامل عبد الحميد، التي تحمل درجة الماجستير في الرياضيات من الولايات المتحدة لا تجد لها فرصة عمل، فكيف بالخريجين من التخصصات الأخرى، بل إن عميد الكلية الذي قابلته بعد عناء تعامل معها بجفاء مما أثار صدمتها "لا شواغر عندنا .. مع السلامة".

ويكتشف المشاهد لمجريات الأحداث أن "ليلى" غير متزنة تماما، وتتعامل مع الأمور من منظور ضيق، ومن هنا اصطدمت بالواقع، خاصة عندما طردها صاحب الشقة التي استأجرتها لأنها استقبلت على انفراد صديقا سابقا لوالدها. ويلخص الحوار الذي دار مع هذا الصديق انفصال المغترب عن مجتمعه عندما تقول له "أنت ميت من زمان" ليجيبها "إنتو جماعة أميركا ترجعوا مش عاجبكم العجب".

أما والدها -الفنان محمد القباني في الفيلم- فعبر من خلال صمته عن حالة "القرف" والرفض المطلق لما يجري، وانعزل عن محيطه وهجره أصدقاؤه من الشيوعيين، واقتصر يومه على الأغاني القديمة ومتابعة الفضائيات والقنوات الإخبارية والبرامج الحوارية.

‪صبا مبارك والمخرج محمد الحشكي يتحدثان للجمهور‬  
‪صبا مبارك والمخرج محمد الحشكي يتحدثان للجمهور‬  

المدن.. قاعات انتظار 
من خلال تجوال الكاميرا في شوارع العاصمة عمّان يصور الفيلم المدن بأنها ليست للإقامة بل قاعات انتظار للسفر، فالناس وهم في بيوتهم يحلمون بالسفر، لكن هناك فرق بين السفر هربا من واقعهم أو لاكتساب خبرة أو تجربة معينة.

ووفق تسلسل الأحداث تبدو عدة مواضيع غير مطروقة، ربما لم يجرؤ أي مخرج أردني على الاقتراب منها، أهمها إشارة "ليلى" إلى الحجاب، متسائلة هل هو دليل على التدين من خلال قولها "فاهمين الدين خطأ .. الدين خارج التزمت".

وكذلك عندما راجعت البنك لتسديد قيمة قرض سكني لوالدها تصاب بصدمة والموظف يقدم لها سجادة لتغطي ساقيها المكشوفتين أثناء حوار تناول إسقاط الفائدة مقابل دفع كامل المبلغ "لسنا بنوكا ربوية يا أختي" لترد عليه بغضب "أنا مش أختك"، في إشارة واضحة إلى البنوك الإسلامية التي تعتمد المرابحة وليس الفائدة. ويخلص الفيلم إلى نتيجة مؤداها ضرورة العودة حين ينصحها والدها بقوله "بابا ارجعي". وهذه لم تكن جملة عابرة، بل "هنا خطورة الفيلم" كما رأت صبا مبارك.

لا رسائل مباشرة
وفي حوار مع الحضور قال المخرج محمد الحشكي إن الغربة مشكلته، فقد يحس الإنسان أنه غريب حتى في بلده، ونفى المخرج الشاب وجود رسائل مباشرة لفيلمه قائلا إنه لا يؤمن بخطاب مباشر.

وقال "إن الصراع في الفيلم بين شخصيات متناقضة لم تلتق قط وليس بين الصحيح والخطأ، إنه صدام بين مفهومين، والثقافة التي تغيرت وقد تركنا الباب مفتوحا للمشاهد لفهم الرؤية الدرامية والإخراجية وفق ثقافته".

أما الفنانة صبا مبارك فقالت في معرض ردها على الجمهور "لقد طرحنا مجموعة أسئلة في محاولة لإيجاد أجوبة "نثرناها هنا وهناك"، مشيرة إلى أن علاقة الأشخاص بالأمكنة لا تخلق بالضرورة انتماء ولكن علاقتك بالأشخاص هي التي تزرع وتنمي المواطنة والانتماء.

ناجح حسن:
المخرج محمد الحشكي نجح في رسم شخصياته باعتناء ودقة ومنح تلك السمات المعبرة عن تفاصيل الواقع حيث كانت عمّان مسرحا لأحداثه

قضية هامة
من جانبه رأى الناقد المسرحي ناجح حسن أن الفيلم يناقش قضية هامة في الحياة الاجتماعية الأردنية، حيث التبدلات والتحولات التي لوحظت في السنوات الأخيرة.

وقال للجزيرة نت إن المخرج محمد الحشكي نجح في رسم شخصياته بعناية ودقة، ومنحها تلك السمات المعبرة عن تفاصيل الواقع حيث كانت عمّان مسرحا لأحداثه.

ووفق حسن، لا ينحاز الفيلم لوجهة نظر أي من شخصياته، بل يعرض المشكلات وحجم التغيير بأكثر من زاوية وصورة، فتجد الدراما متماسكة والأداء قويا وحيويا لبطلته صبا مبارك، ودورا قويا وبليغا لمحمد القباني، الذي عبر عن موقفه الرافض بصمته الذي جاء أكثر تعبيرا من الكلمات طيلة أحداث الفيلم تقريبا.

ووصف الفيلم بأنه ليس جريئا بقدر ما وصف للتحولات الفكرية والسياسية والاجتماعية التي تشهدها المنطقة وليس الأردن فقط وهي ليست محصورة بالإسلاميين حسب رأيه. يذكر أن "مدن ترانزيت" حاز جائزتي النقاد بمهرجان دبي ونيويورك 2010.

المصدر : الجزيرة