الحداثة العربية بريشة صيني في كتارا

رسومات مينغ تعتلي حائطا بالمعرض
undefined

أحمد الشريقي-الدوحة

طغاة ومستبدون، شعراء ومبدعون، هامشيون وضحايا وجثث، حاضرون وغائبون يجمعهم الفنان الصيني يان باي مينغ على حائط واحد، صور لهؤلاء جميعا لا قاسم مشتركا بينهم إلا حائط هو التاريخ نفسه الذي يجمع أطياف من مروا، وفي صفحاته جميعا تناقضات الحياة.

وفي معرضه "رسم التاريخ" المقام بالعاصمة القطرية الدوحة في الحي الثقافي "كتارا" والذي يتواصل حتى يناير/كانون الثاني المقبل، يغاير مينغ صورة المبدع الذي يرسم التاريخ، فهو ليس للمنتصرين وحدهم بل للذين يمرون جميعا تاركين أثرا في الحياة التي يعيشها الجميع.

وفي المعرض تتجاور أم كلثوم وفيروز مع صدام حسين ومحمود درويش والمفكر المغربي محمد عابد الجابري. يحضر أيضا ضمن 200 لوحة تشكل قصة شبه كاملة حول نشوء الحداثة العربية الفنانون والفلاسفة والسياسيون، وناشطون سياسيون أيضا منهم أسماء محفوظ ووائل غنيم وغيرهما، حيث تتشارك "الهويات والرؤى لتعبر معا عن تعقيدات ثقافية عربية" تاركة المتلقي في مواجهة مع تاريخه المعاصر.
 
لا معارك خالدة، ولا انتصارات على حائط مينغ في رسوماته المائية تلك، كالتي خلدها رسامون قبله لصنعة التاريخ، منذ أن ظهرت كتابة التأريخ أصلا لتخليد الانتصارات. بل تحضر نهايات الأشياء كما تبدت لعيني الرسام فقط، جثث تتجاور لروبرت وجون كينيدي ومعمر القذافي وبنظير بوتو، وبينهم صورة للثائر العالمي أرنستو تشي غيفارا، لا ثائرا في جبال كوبا بل جثة تخلده كما مات.

‪مينغ يرسم في معرضه‬ (الجزيرة نت)
‪مينغ يرسم في معرضه‬ (الجزيرة نت)

طريقة خاصة
ثمة فلسفة جديدة يبتعد بها مينغ في التعاطي مع التاريخ، فهو ليس مقدمات بل مآلات ونهايات لمن مروا في صفحاته، لكنه يزاحم بأدوات المبدع، ريشته ومخيلته، وسائل الاتصال الحديث في التوثيق لفكرة الفن من حيث هو عمل إبداعي ينأى عن الضجيج ويقدم شهادته على طريقته الخاصة.

لكنه وهو يعاين ويقدم رسوما، يترك متلقيه طارحا الأسئلة حول جدارة صنع التاريخ نفسه، يقدم صورة القاتل والقتيل، والسجين والسجان، والظالمين والمظلومين، لا يقرر هو شيئا، بل يترك الأسئلة مفتوحة حول مسارات التاريخ.
 
والتاريخ بالنسبة له "لوحة فسيفساء، مؤلفة من قطع صغيرة كثيرة تشكل معا صورة كبيرة شاملة للذين تحرك أعمالهم العشوائية الأحداث العالمية باتجاه تغيير موازين القوى ومسار التاريخ".

ويبدو مينغ شغوفا في رسوماته بتسجيل الأحداث الأكثر تراجيدية في التاريخ، وهو مفهوم الاغتيال السياسي، مقدما لوحة ضخمة لمشهد اغتيال رئيسة وزراء باكستان السابقة بنظير بوتو، ومستعيدا لوحة لموت الزعيم الفرنسي مارا في حمامه طعنا.

بيد أن ذلك الشغف يعود بعيدا إلى فكرة تسكن الفنان الذي بدأ حياته رساما دعائيا يرسم صورة ماوتسي تونغ وبوذا وأيضا لاعب الكونغ فو الشهير بروس لي، وفي أيامه المبكرة أيضا رسم الطبيعة وانتقل إلى هوامش الصين يختار شخوصها ويخلدهم في رسوماته.
 
وفي سيرته الذاتية، كان الفنان المولود في الصين عام 1960 من أوائل الذين هاجروا إلى الغرب مخططا لنفسه دربا أوصله إلى الشهرة العالمية خلال خمسة عشر عاما فقط، معبرا في أعماله الفنية عن اهتمام بقضايا الفن والاختلافات الثقافية للتقاليد الفنية بين الشرق والغرب.

ويستخدم مينغ في تقنيته مساحات لونية واسعة كثنائية الأسود والأبيض أو الأحمر والأبيض، وقاده انهماكه في بناء اللوحات الشخصية إلى تناول موضوعات متنوعة راسما أطفالا مجهولين وسجناء ومستخدما الألوان الزيتية مع ضربات عريضة بالريشة باللونين الأبيض والأسود، وتبدو لوحاته أقرب إلى الفن التجريدي مع رمزية واضحة عند النظر إليها من بعد.

المصدر : الجزيرة