طارق الشناوي: مستقبل السينما أفضل

الكاتب والناقد السينمائي المعروف طارق الشناوي،

الكاتب والناقد السينمائي طارق الشناوي (الجزيرة نت) 

حاوره بالقاهرة/ بدر محمد بدر

تعيش السينما المصرية منذ ثورة يناير حالة ارتباك وترقب بسبب إشكالات عديدة، تتعلق بأزمة السوق والإنتاج والاحتكار والفساد وتدخل الدولة، كما توجد "مخاوف" من تواصل الرقابة، و"التوجس" من تأثير صعود التيارات الإسلامية على مستقبل الفن السينمائي.

حول مستقبل صناعة السينما في مصر بعد الثورة والإشكالات التي تواجهها، التقت الجزيرة نت الكاتب والناقد السينمائي طارق الشناوي، وهو واحد من أبرز النقاد المهتمين بالشأن الفني والسينمائي في مصر، فكان هذا الحوار:

undefinedما هي -في رأيك- أهم المشكلات التي تواجه صناعة السينما المصرية الآن بعد الثورة؟

مفهوم الرقابة لابد من أن يتحول من حماية رؤوس النظام السياسي وشخوصه، إلى رقابة اجتماعية لحفظ الأمان الاجتماعي

– المشكلة الأساسية هي أزمة السوق السينمائي كسوق ضبابي غائم، وهو ما يؤدي إلى عدم وضوح الرؤية بالنسبة لشركات الإنتاج الحالية، لأنها لا تعلم الصورة، ولا أين يتجه التيار، وصارت بعد الثورة تخشى أن تخوض في أي تجربة إنتاج قد تسبب لها خسائر مادية كبيرة، وتكلفة إنتاج الفيلم السينمائي قد تصل إلى 20 مليون جنيه (3.4 ملايين دولار) والخسارة في هذه الحالة لا يمكن تعويضها.

وقد انعكس هذا الوضع بالسلب على كثير من المشروعات الإنتاجية الضخمة التي توقفت إلى حين، ومثال ذلك توقف فيلم "المصلحة"، فالسوق ضبابي والكل يخافه، وهذا بالتالي يخلق فرصا لتجارب سينمائية جديدة لأفلام قليلة التكلفة، ليست فيها مخاطرة أو مغامرة مالية، وهذا يعد وجها إيجابيا للأزمة، حيث يطرح تيارا موازيا للتيار السينمائي التقليدي، سوف يحمل أفكارا متجددة، لم تكن لتظهر في ظل المعادلات السابقة قبل الثورة.

undefinedهل تعتقد أن السينما المصرية تعاني حاليا من أزمة نصوص وكتابة بعد الثورة؟

– أزمة النصوص هي من الأزمات التي لازمت صناعة السينما المصرية قبل وبعد الثورة، وسوف تظل قائمة لأسباب عديدة، وتعد من أضعف عناصر الإنتاج السينمائي، وأزمة النصوص والكتابة موجودة أيضا على مستوى الدراما والتليفزيون، وهي مشكلة حادة، ولكن ربما يأتي الأمل من التجارب الفنية ذات الميزانيات المحدودة، وجزء كبير منها يقوم على المستوى الشخصي.

وأعتقد أن تجديد الكتابة مطلب ضروري ومهم، لأن التغيير لابد من أن يتم على الورق أيضا، وليس فقط على مستوى التصوير والإخراج، ولابد من إبداع شيء مختلف، ورغم كل هذا أرى أن القادم أفضل على كل المستويات.

undefinedكيف تنظر لقضية الرقابة على السينما في مصر قبل وبعد الثورة؟

السينما المصرية سوف تلعب لاحقا على تيمة "التوريث" والنقد والسخرية من النظام السابق، كما حدث أن تناولت "مراكز القوى" عقب انتهاء حقبة جمال عبد الناصر والآثار السلبية للانفتاح عقب انتهاء حقبة السادات
"

– مفهوم الرقابة لابد من أن يتغير، فقد كانت تقوم على حماية رؤوس النظام السياسي وشخوصه، مثل الرئيس السادات ومبارك، وليس النظام العام والمجتمع وقيمه، لتصبح رقابة هدفها تحقيق الأمان الاجتماعي، ومن ذلك مثلا تحديد مراحل عمرية لمشاهدة الأفلام، بحيث تخصص أفلام للأطفال، وأخرى للأسرة كاملة، وأفلام الخيال العلمي والرعب لا نمنعها، لأنها نوع يحبه الناس ولكن لا يدخلها الصغار، وهكذا.

undefinedالبعض يثير الآن قضية الرقابة الدينية والتخوف من تأثير التيارات الإسلامية على الفن بعد الثورة؟

– أنا لست متخوفا على الفن من صعود التيارات الإسلامية في مصر، حتى لو أن بعضها قدم إنتاجا فنيا خاصا به فليقدمه، ما دام هناك إنتاج مواز له، نحن في مصر نريد أن تكون حرية التعبير للجميع، والمجتمع المصري أقوى بكثير من أي تيار ديني منغلق، وأنا متفائل بمستقبل الإبداع في مصر بعد الثورة، في كل مجالات الفن.

undefinedهل تؤيد تدخل الدولة لدعم صناعة السينما؟

– بكل تأكيد أرى أهمية وضرورة تدخل الدولة لدعم صناعة السينما، لأن الأزمة الاقتصادية المصرية وحالة الركود القائمة الآن أثرت سلبا، والسينما تعاني حاليا من مشكلات عديدة، منها تضاؤل الإقبال على دور العرض بسبب انخفاض وضعف المستوى الاقتصادي، ولذا لابد من أن يتم تخفيض ثمن تذكرة الدخول.

undefinedولكن البعض يرى أن دعم الدولة للإنتاج السينمائي ربما يؤثر على استقلاليته؟

أعتقد أن القادم سوف يستحضر وجوها وكفاءات كانت بعيدة عن الكادر، وسوف نرى مبدعين في كل مجالات الفنون والثقافة

– أنا مع ضرورة تدخل الدولة لدعم صناعة السينما، فقد حدث في مصر تحرر، وعليها أن تدعم أي فكر يحمل قيم الحرية والعدالة، ودعم السينما ليس دعما للنظام السياسي، ولو تم التحرك القادم لتقديم الدعم وفق آلية النظام القديم، وإذا ظلت الدولة تدعم نظامها الحاكم بفن السينما، فنحن إذن لم نتغير، وكأن الثورة لم تقم بعد، وبالتالي لابد من أن تتغير طريقة الدعم.   

undefinedوكيف تنظر إلى قضية الاحتكار الموجودة في صناعة السينما المصرية؟

– أدعو وزارة الثقافة إلى التصدي للاحتكار القائم في السينما المصرية، حيث إن المنتج هو الموزع في نفس الوقت، وأنبه على سبيل المثال إلى أن فيلم "المسافر"، الذي أنتجته الدولة بتكاليف وصلت إلى ضعف مستواه، يكشف عن الفساد في الوزارة في الفترة الماضية، فالدولة لم تكن عادلة حين اختارت دعمه، ولم تتوفر عدالة في الاختيار بين المتقدمين، وأرى أن الدولة عليها أن تدعم أعمالا وتجارب، ربما السوق بمنطقه لا يُقبل عليها، ولكن لابد من أن يتم إنتاجها لأهمية دورها الفكري والقيمي والإبداعي.

undefinedما أهم القضايا التي يمكن -في تصورك- أن تتناولها السينما بعد الثورة؟

– السينما المصرية سوف تلعب لاحقا على تيمة "التوريث" والنقد والسخرية من النظام السابق، كما حدث عقب انتهاء حقبة جمال عبد الناصر، حيث برزت أفلام تتناول موضوع "مراكز القوى"، وعقب انتهاء حقبة السادات ظهرت أفلام تتحدث عن "الآثار السلبية للانفتاح"، بهدف التنفيس عن حالة الغضب المكبوت واستغلال مزاج وتوجه الناس، وهذا النوع أو غيره لو قدم فنا حقيقيا فلن نرفضه، سواء كان بمذاق سياسي أو اجتماعي أو رومانسي أو كوميدي.

المهم أن يعبر عن إبداع حقيقي خلاق، ولكن للأسف أصبح المبدعون كسالى وأسرى التنميط، وأعتقد أن القادم سوف يستحضر وجوها وكفاءات كانت بعيدة عن الكادر، وسوف نرى مبدعين في كل مجالات الفنون والثقافة.

undefinedكيف تنظر إلى مستقبل صناعة السينما في مصر بعد الثورة؟

أزمة النصوص هي من الأزمات التي لازمت صناعة السينما المصرية قبل وبعد الثورة، وسوف تظل قائمة لأسباب عديدة

– أعتقد أن المرحلة القادمة ربما تبدو شائكة للوهلة الأولى، ولكن بناء على تاريخ السينما المصرية فإن النمط الإنتاجي سوف يتغير، والميزانيات المحدودة الإنتاج سوف توجد أكثر، وسوف تبرز أفكار مختلفة كان يتم إجهاضها، حيث عانينا من إجهاض جهد كل من يملك خيالا للقفز على الأنماط السينمائية والدرامية الشائعة، وأتوقع أن ينتهي هذا كله، وأن نشهد أعمالا فنية جادة، لأن السينما سوف تطرح مخرجين وكتابا ونجوما ومنتجين مغايرين، لهم منطقهم ورؤيتهم الخاصة.

وأتوقع أيضا انكسار حالة الركود الحالية، لأن الحاجز النفسي الذي نظنه بين الناس ودور العرض له سقف أقل من المتوقع، بدليل زيادة الإقبال حاليا على الفيلم الأجنبي أكثر من المصري، وهذا يعني أن الجمهور سوف يدفع باتجاه تطوير السينما، فالناس هي التي تخلق الفن الذي تريده.  

المصدر : الجزيرة