أمين معلوف يدخل الأكاديمية الفرنسية

أمين معلوف يوقع كتابه في بروكسل (الصور تخص المصورة

أمين معلوف يعد من أبرز كتاب الفرنسية ذوي الأصول العربية (ألمودينا كريسبو)

بوعلام رمضاني-باريس

لم يكن خبر دخول الروائي اللبناني الأصل أمين معلوف الأكاديمية الفرنسية يوم أمس مفاجأة، وكان لا بد له أن يلتحق برفيق دربه الروائي الشهير الآخر الطاهر بن جلون العضو في أكاديمية غونكور. وقد خلف معلوف بهذا الفوز المفكر الأنتربولوجي العالمي الراحل كلود ليفي ستراوس بعد حصوله على 17 صوتا مقابل 3 لإيف ميشو في الجولة الأولى.

ويعد معلوف وبن جلون من أشهر الروائيين الفرنسيين الذين ينحدرون من أصول عربية بحكم المكانة الأدبية النوعية التي احتلاها مع مرور الأعوام، رغم تحفظ بعض العرب على توجهما الذي يوصفه بأنه لا يخدم قضايا الأمة التي ينتميان إليها، ولا يصب في مصلحة عربية بالضرورة، كما اعتقد الروائي الجزائري الراحل الطاهر وطار خلافا لابن وطنه الروائي ياسمينة خضرا مدير المركز الثقافي الجزائري في باريس والذي يكتب باللغة الفرنسية مثل معلوف وبن جلون وعبد الوهاب مؤدب وعبد اللطيف اللعبي وآخرين.

ولد أمين معلوف عام 1949 ببيروت وكان والده صحفيا وشاعرا وفنانا تشكيليا معروفا في لبنان. وتلقى معلوف تعليمه الابتدائي في مدرسة يسوعية فرنسية لكن قراءاته الأولى التي شملت الأدب الغربي كانت باللغة العربية وعلى الرغم من أنه لم يكتب بهذه اللغة لاحقا، فإنه قال عن العربية إنها كانت لغة النور أيام طفولته وشبابه خلافا للغة الفرنسية التي كانت تعتبر لغة الظل والمحاولات الإبداعية السرية.


undefinedمشرقيّ المرجعية
بدأ معلوف -الذي درس علم الاجتماع والاقتصاد- حياته المهنية صحفيا في جريدة النهار كمحرر في الشؤون الدولية قبل أن يشد الرحال إلى باريس عام 1976 إثر اندلاع الحرب الأهلية وذلك مثل الكثير من المثقفين، واستمر في العمل الصحفي بالعاصمة الفرنسية في مجلة اقتصادية.


وشرع في نشر كتاباته الروائية عام 1981 تاريخ تعاقده مع دار جان كلود لاتيس التي نشرت له كتاب "الحروب الصليبية كما يراها العرب". وحقق معلوف أول نجاح أدبي عام 1986 برواية "ليون الأفريقي" التي تناول فيها سيرة حسن الوزان بشكل بديع، ولاقت الرواية رواجا مكنه من ترسيخ خطوته الأولى في المشهد الروائي الفرنسي والاستغناء عن مهنة المتاعب والتفرغ للرواية التي فتحت له طريق الشهرة والاكتفاء المالي.

وضاعف معلوف غزواته الأدبية بروايات "سمرقند" عام 1988 و"حدائق النور" عام 1991 و"القرن الأول قبل بياتريس" عام 1992، وتناول الكاتب تباعا في هذه الروايات سيرتي الشاعر عمر الخيام و"النبي ماني" والقلق الشخصي والوجودي من مستقبل الإنسان الحضاري على طريقة الفيلسوف الشهير إدغار موران، ودفعت نزعته المشرقية النقاد إلى تصنيفه في خانة المبدعين المتخصصين في الرواية التاريخية التي تتخذ من المرجعية المشرقية منطلقا ثقافيا وروحيا.

باب المجد
وككل الروائيين الفرنسيين الذين دخلوا باب المجد والشهرة بعد حصولهم على جائزة غونكور أو نوبل الفرنسية، أصبح معلوف واحدا من أهم المبدعين المنحدرين من أصول عربية بعد ظفره بهذه الجائزة، وتمكن من تحقيق هدف كل روائي يتطلع إلى مزيد من التألق برواية "صخرة طانيوس" عام 1993، وبهر معلوف أعضاء لجنة غونكور بأسلوب تناول طفولته في أعالي جبال حنينه الأول والسرمدي.

وبعد ثلاثة أعوام من هذا التاريخ المفصلي في مسيرته الروائية، لبى معلوف طلب معجبيه وقرائه وكتب عن الحرب اللبنانية ولو متأخرا في رواية "سلالم الشرق".

معلوف حصل على جائزة أمير أستورياسفي إسبانيا (رويترز-أرشيف)
معلوف حصل على جائزة أمير أستورياسفي إسبانيا (رويترز-أرشيف)

وعكست كتبه الفكرية اللاحقة انشغاله بل ومقته لكل ما هو "هوياتي" قاتل يعبر عن انغلاق وطني وتزمت مذهبي وعرقي وديني، بما يذكر بمقولة فرنسوا ميتران "الوطنية الشوفينية هي الحرب"، وهذا ما حدث في الكثير من البلدان ومن بينها لبنان الجميل والوديع.

الروائي الإنساني كما يريد أن يعرف نفسه، عمق طريقه نحو البحث غير المحايد في موضوع الهوية الضيقة وكتب عام 1998 "الهويات القاتلة" الذي مكنه من الحصول على الجائزة الأوروبية لبحث شارل فييو عام 1999، وعاد إلى قلقه الوجودي من التوجه الحضاري الجاري فكتب "اختلال العالم" عام 2004 و"عندما تنفد حضاراتنا" عام 2009، بعد نشره رواية "رحلة بلداسار" عام 2000.

استراحة المحارب
الروائي اللبناني الذي كرس كل رواياته لمرجعيات روحه المشرقية وهمه الأيديولوجي الدائر حول الانسداد الحضاري والوطني من منطلق فكري واحد، يرتاح منذ عدة أعوام باحثا عن انطلاقة جديدة ومجددة ومتأملا بطبعه الهادئ تطورات عالمية وعربية تؤكد صحة خطورة كل أنواع الشوفينيات العقائدية والمذهبية والأيديولوجية.

الحكيم الرصين والمحارب غير العنيف وصاحب الذوق الفني الرفيع والروح المرهفة، يستريح منذ مدة على جبهة الرواية وغيّر مسار إبداعه نحو الأوبرا منذ عام 2000.

وفي هذا السياق كانت له أول تجربة مع الموسيقية الفنلندية كايجة سارياهو التي كتب لها أوبرا "الحب من بعيد"، ولاقت المحاولة الإبداعية الجديدة استحسان الجمهور في مهرجان سالسبورغ الشهير وخلال جولة عالمية قادته إلى عدة بلدان، واستمر تعاونه مع سارياهو في أوبرات أخريات ومن بينها "إيميلي" التي قدمت على خشبة مسرح ليون عام 2010.

المصدر : الجزيرة