المثقف الفلسطيني يؤازر الأسرى

سجن النقب الصحراوي (الجزيرة)

أسير فلسطيني في سجن النقب الصحراوي الإسرائيلي (الجزيرة نت-أرشيف)

عاطف دغلس-نابلس

"أنا أخجل من حريتي أمام أسرك العظيم" هذا ما قاله الشاعر الفلسطيني سميح القاسم حين رأى -من قريب- صورة نائل البرغوثي عميد الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال الإسرائيلي.

ويأخذ هذا المشهد بشكل أو بآخر بعدا جديدا بمدى اهتمام المثقف الفلسطيني بالأسير، وتضامنه معه بكل مكان وزمان، وهو ما يرى فيه مثقفون فلسطينيون واجبا وطنيا عليهم وعلى غيرهم.

وقال القاسم في حديثه للجزيرة نت إن التضامن مع الأسرى يجب ألا يقتصر على مناسبة أو يوم واحد، أو جهة دون أخرى، آسفا لاقتصار حملات الدعم والمؤازرة لهم حتى أصبحت لا تخرج عن إطارها الرسمي.

ورأى قاسم أن المثقف الفلسطيني جزء لا يتجزأ من الشعب، وأنه لا يوجد هناك ما يسمى بطبقة المثقفين، وانطلاقا من ذلك فإن دور المثقف بدعم الأسرى مسألة فردية وشخصية، كما أن هناك المثقف الملتزم بقضايا وطنه وشعبه، "وهناك متسلقون ومرتزقة من المثقفين".

سميح القاسم: أخجل من حريتي أمام الأسرى
سميح القاسم: أخجل من حريتي أمام الأسرى

وأردف قائلا إن المثقف الملتزم له دوره في دعم قضية الأسرى وغيرها "ولا يمكن لومه لأنه يقدم ما يستطيع" مضيفا أنه يتواصل بشكل مستمر مع الأسرى عبر تبادل الرسائل معهم، وتزويدهم بكتب ومؤلفاته، وزيارته للمؤسسات التي تهتم بهم، ومشاركته المباشرة في فعاليات المناصرة لهم "ولا أدخر جهدا بدعمهم عينيا أيضا".

وبين أنه وللخروج من حالة الترهل التي يعيشها المثقف بدعم الأسرى "عليه أن يدرك أن مصيره الشخصي ومصير أسرته مرتبط بمصائر جميع فئات الشعب وفي مقدمتهم الشهداء والأسرى".

انقسام المثقف
واتفق الشاعر المتوكل طه مع القاسم في أن هناك مثقفا فلسطينيا حقيقيا "عضويا" يتناول كل قضايا أمته ويمكن التعويل عليه لأنه لم يغادر موقعه، لافتا إلى أنه وغيره من المثقفين الفلسطينيين تناولوا قضية الأسرى.

غير أنه لفت إلى أن المثقف الفلسطيني انقسم بطبيعته أيضا، فالمثقفون قبل "أوسلو" كانوا يمارسون دور المثقف العضوي، إلا أن بعضهم تماهى إلى حد ما بعده مع السلطة وتخلوا عن أدوارهم واصطفوا مع الأجهزة الأمنية أو مع المؤسسات غير الحكومية "وغادروا القضايا الوطنية".

ورغم اعتراف طه بخفوت دور المثقف الفلسطيني بشكل عام، فإنه لم يبرر تقصيره بتناول معاناة الأسرى.

المتوكل طه: الشعب الفلسطيني برمته يعاني الأسر (الجزيرة نت)
المتوكل طه: الشعب الفلسطيني برمته يعاني الأسر (الجزيرة نت)

ورأى أن هناك تحالفا طبيعيا بين المثقف والمقاوم والمقاومة، وهذا يدفعه للانحياز نحو قضايا شعبه، "ويقوم بتأصيل التاريخ الثقافي والسياسي والوطني عن الحركة الأسيرة" خاصة إذا كان معتقلا أو مرّ بتلك التجربة، وأن من لا يقوم بذلك لا يوصف بالمثقف.

ولفت إلى أن الشعب الفلسطيني برمته يعاني الأسر، حيث إن الأسرى بسجون صغيرة والشعب بسجن كبير "وهو ما يتطلب منهم جميعا أن يكتبوا معاناتهم، ويحولوا ثقافتهم لسلاح بوجه المحتل".

السجن فرصة
وحتى هذا السجن الصغير يرى فيه المؤلف الفلسطيني وليد الهودلي، وهو أسير محرر "فرصة" لكل أسير كي يطور نفسه ويثقفها ويعلمها، مؤكدا أن عشرات الأسرى لديهم شهادات عليا حصلوا عليها داخل المعتقل، إضافة لوجود مئات الكتاب والمؤلفين، كما أن "90% منهم له رصيده من درجات الثقافة المختلفة".

وقال الهودلي للجزيرة نت إن معظم الأسرى يسعون وبالطرق كافة لتثقيف أنفسهم، عبر القراءة والتعلم أو بتثقيفه للآخرين "وهم يكونون مؤهلين علميا" ثم إخراج ما تعلمه ونقله لمعاناته وزملائه للشارع، وتناوله لقضايا مجتمعه.

وأكد أن هذا دفع الاحتلال لوضع عراقيل أمام الأسرى، كإحداث تنقلات بصفوفهم سيما المثقفين والمؤثرين منهم، والتشويش عليهم باقتحام غرفهم، ومصادرة كتاباتهم وأدواتهم من دفاتر وأقلام وغيرها.

 وليد الهودلي: معظم الأسرى يسعون
 وليد الهودلي: معظم الأسرى يسعون

وانتقد الهودلي العلاقة بين المثقف الأسير وبين زميله بالخارج والمؤسسات الرسمية وخاصة الثقافية منها، وقال إن الجهات الرسمية لم تتبن الأسير المثقف كما يجب، سيما المبدعين منهم، وطالبها بتبني مؤلفاتهم وكتاباتهم ودراساتهم ونشرها وتقويمها.

ورفض وصف الأسير بالخامل، وقال إنه حوّل زنزانته لدار للنشر والثقافة، مستدلا بما ألفه من كتب داخل السجون طيلة 14 عاما من الاعتقال، وأهمها "مدفن الأحياء"، ورواية "ستائر العتمة"، و"الشعاع القادم من الجنوب".

يُذكر أن عدد المعتقلين الفلسطينيين بالمعتقلات الإسرائيلية -وفق مصادر نادي الأسير الفلسطيني- يتراوح بين تسعة و11 ألف معتقل، في حين أفادت مصادر فلسطينية أن عدد الفلسطينيين الذين اعتقلوا منذ عام 1967 يصل إلى 750 ألفا.

المصدر : الجزيرة