"المنبوذون" الفيلم الظاهرة في فرنسا

بوستر فلم انتجابيل intouchables-film

بوعلام رمضاني-باريس

شكل فيلم "المنبوذون" للمخرجين إريك توليدانو وأوليفيه نقاش الحدث الوطني على الصعيد الثقافي والفني لعام 2011 في فرنسا، حيث تصدر قائمة الأفلام الفرنسية والأجنبية التي عرضت في قاعات السينما.

وجاء في استطلاع نشر في نهاية الأسبوع الماضي أن 52% من الفرنسيين يعتبرون الفيلم الذي عرضته نحو 900 قاعة وشاهده قرابة 15 مليون متفرج على مدار شهر ونصف الشهر تحفة فنية كوميدية من الطراز النادر، وبهذا الرقم يكون قد دخل تاريخ أكثر الأفلام رواجا منذ عام 1945 بعد كل من فيلمي "سوندريو" (إنتاج 1950) ونفق نهركواي (1957).

ويحكي الفيلم المقتبس عن قصة حقيقية -تناولها فيليب بوزو دي بورغو في كتابه "النفس الثاني" الذي نشره عام 2001- قصة ثري أرستقراطي معوق يكسر حياته الرتيبة وعزلته الاجتماعية في قصره الفاخر بفضل إدريس الشاب الأسود الذي ينحدر من عائلة فرنسية أفريقية الأصل ومتواضعة الحال، شأنها في ذلك شأن المهاجرين الأفارقة والمغاربة القاطنين في الضواحي المهمشة.

الفيلم يفند صحة الأفكار التقليدية الرائجة عن المهاجرين السود والعرب المستغلة في الخطاب السياسي الفرنسي والأوروبي بوجه عام كظاهرة تهدد الصفاء العرقي

الفيلم الظاهرة
وخلافا للصور النمطية -التي يروجها بعض المثقفين المؤمنين بالصراع الطبقي أو الكافرين به من المثقفين اليمينيين والمحافظين الجدد- يؤكد الفيلم رسالة مفادها أن التهميش الاجتماعي ليس مبررا كافيا لشرح استحالة التواصل بين الفقراء والأغنياء بدعوى تناقض المصالح من منظور ماركسي.

والتهميش الاجتماعي بأبعاده المختلفة حقيقة جسدها مخرجا الفيلم من خلال الممثل عمر سي -الذي لعب دور الشاب الأسود إدريس- وفرنسوا كلوزيه، الذي تقمص دور الأرستقراطي المعوق المشلول الذي تعود على السعادة بفضل خادم بوهيمي وخريج سجون يعيش في حي ينطق بكل أشكال التهميش والقذارة والعوز.

وانطلاقا من روح الدعابة والفكاهة والإنسانية المتجذرة في أعماق إدريس الأفريقي البائس والمجسد لمقولتي "شر البلية ما يضحك" و"الفكاهة أدب اليأس"، فند الفيلم صحة الأفكار التقليدية الرائجة عن المهاجرين السود والعرب المستغلة في الخطاب السياسي الفرنسي والأوروبي بوجه عام كظاهرة تهدد الصفاء العرقي.

وتجاوز الفيلم ذلك أيضا من خلال موقف فكري يتعدى حدود التفسير الطبقي للصراعات الاجتماعية، الأمر الذي لم يعجب الصحافة اليسارية التي رأت في الفيلم بعدا مثاليا يخفي المعضلة ذات الجذور الأيديولوجية العميقة، خلافا لصحافة يمينية لم يعجبها الشاب الأسود والهمجي وغير المتحضر الخادم في قصر الثري المعوق وهو يعود حتى بعد أن انتهت فترة عقده وفشل كل الذين خلفوه من البيض في انتزاع رضاه.

الإجماع الإعلامي على نجاح الفيلم فنيا كسيناريو وبنية وإيقاع وأداء خفف من حدة التحفظ الأيديولوجي على الرسالة الرئيسية فيه

هجمة أميركية
الصحافة الفرنسية التي أحرجها الإقبال الجماهيري المنقطع النظير على مشاهدة الفيلم لم تتجاوز حدود اللياقة الأدبية رغم تحفظها على المقاربة الفكرية، وكتبت تشيد بالممثل الكبير عمر سي السنيغالي الأصل الذي اشتهر بتنشيطه فقرة فكاهية على قناة "كانال بلوس"، ورفض حضور الاستقبال الذي خص به الرئيس ساركوزي طاقم الفيلم، وأكدت أيضا مهنية فرنسوا كلوزيه، أحد أهم الممثلين غير العاشقين للضجيج الإعلامي والأضواء.

وإذا كان الإجماع الإعلامي على نجاح الفيلم فنيا كسيناريو وبنية وإيقاع وأداء قد خفف من حدة التحفظ الأيديولوجي على الرسالة الرئيسة والأخرى الفرعية -ومنها تمرير فكرة التضامن وقت الأزمة بغض النظر عن الانتماءات- فإن بعض عناوين الصحافة الأميركية لم تتردد في مهاجمة الفيلم "العنصري" عبر مقال نشرته مجلة فارييتي وروجه موقع نيوريورك تايمز.

وحسب المجلة فإن الفيلم يمرر فكرة التقليدية عن العبد بمفهومه القديم الذي انتهى في السينما الأميركية، ووصفت الممثل عمر سي "بقرد عرض سيرك"، وختمت بأن "الفيلم لا يعجب ولا يضحك إلا الذين لا يفكرون".

ودعت المجلة الإخوة وينشتاين الذين اشتروا حقوق الفيلم إلى إعادة كتابة السيناريو حتى تصبح مادته الكوميدية صالحة للمشاهدة. وريثما يتحقق ذلك، يبقى الإقبال على الفيلم حدث السنة الفنية والثقافية الأول وسيواصل حصد النجاحات في السنة الجديدة حسب المتابعين ومن شاهدوه.

المصدر : الجزيرة