مهرجان شعبي يجسد حياة البدو الرحل بموريتانيا

لعب العصي (أنيكور) - مهرجان شعبي يجسد حياة البدو الرحل بموريتانيا - أمين محمد – نواكشوط

المبارزة بالعصي (أنيقور) رقصة من حياة البداوة (الجزيرة نت)

أمين محمد–نواكشوط

رغم أن غالبية الشعب الموريتاني تعتبر حديثة العهد بالبادية وحياتها والأرياف وطقوسها، فإن الكثير من هذه العادات ومظاهر الحياة توشك اليوم أن تندثر في ظل عاصفة العولمة الهوجاء التي تختزل المسافات، وتزيل الخصوصيات، وتجعل من العالم قرية واحدة، بل تحاول أكثر من ذلك أن تسوق منهجا وطريقة موحدة في الحياة هي الطريقة الغربية في أنماط السلوك وطرائق العيش.

مهرجان البدو الرحل -الذي نظم على الكثبان الرملية لقرية "إيفُجّارن" الريفية الموريتانية على مدى يومين- سعى لتجاوز هذا التحدي، وإحياء خصوصيات شعب تكاد تتلاشى، وتجسيد طرق وأنماط حياة عاشها البدو الموريتانيون بين هذه الوديان المختلفة، ودرجوا عليها في دروب صحرائهم الشاسعة.

وشمل المهرجان مسابقات للهجن تبارى خلالها عشرات الجمّالين للفوز بجائزة أقوى وأسرع جمل، كما تبارى عدد من الفرق الشعبية في مسابقة أخرى للمبارزة بالعصي أو ما يعرف شعبيا بـ"أنيقور"، وهو من الطقوس التي ظلت وإلى عهد قريب من ثوابت حفلات الأفراح بموريتانيا سواء كانت هذه الأفراح مناسبات زواج، أو احتفالات أعياد أو غيرها.

رقصة زغاريد

الطبول والدفوف لازمت المهرجان (الجزيرة نت)
الطبول والدفوف لازمت المهرجان (الجزيرة نت)

وتعتمد المبارزة بالعصي أو "أنيقور" على قوة وخفة المتصارعيْن اللذين عليهما أن يتغالبا ويتبارزا بالعصي مع القفز في الهواء بشكل بهلواني مصحوبا بالزغاريد، وانتقاء مكامن ضعف الخصم، وترصد لحظات الفتور من أجل تسجيل هدف الفوز من خلال إضعافه أو كسر عصاه مما يعني في قواعد اللعبة انهزامه وخروجه من حلبة المبارزة التي تحيط بها النسوة والأطفال، وتملأ أجواءَها الزغاريدُ، وصيحات الفرح في جو مفعم بالإثارة والحماس.

كما شملت هذه الفعاليات أيضا قرع الطبول والدفوف التقليدية التي ظلت هي الأخرى ملازمة للحفلات الشعبية؛ خصوصا حفلات الزواج والطلاق؛ لأن النساء الموريتانيات يحتفلن بالطلاق تماما كما يحتفلن بالزواج وينظمن طقوس الفرح ذاتها في كلتا المناسبتين.

منظم المهرجان محمد محمود ولد عبد الله العتيق ذكر للجزيرة نت أن تنظيمه لهذا المهرجان جاء بسبب الخوف على هذه الأنماط التراثية والحياتية من الاندثار والتلاشي، ومن أجل ربط الموريتانيين بتاريخهم ونقل هذا التاريخ الجميل والمثير في نفس الوقت إلى الآخرين بهدف التعرف عليه وبالتالي تقدير أصحابه.

وأشار ولد عبد الله العتيق إلى أن موريتانيا اليوم تقف في مرحلة انتقالية بين التحضر والتمدن وهي في أمس الحاجة إلى إحياء وتجديد تراثها وتقديمه في ثوب مقبول إلى الآخرين، مشيرا إلى أن الفائزين في هذه السباقات سيتم ربطهم بسباقات دولية تشارك فيها العام القادم أستراليا والإمارات.

قيم البداوة
أما شريكه في تنظيم المهرجان الخبير السويسري في الحياة الصحراوية إرس جاكوب الذي يهتم ويتابع الحياة الصحراوية منذ عقود من الزمن، فقال إن المهرجان يجسد قيم البداوة الأصيلة التي تعتمد في نظره على ثلاث دعائم أساسية "الماء والجمل والكتاب".

لقطة من سباق الجمال في المهرجان  (الجزيرة نت)
لقطة من سباق الجمال في المهرجان  (الجزيرة نت)

وقال عدد ممن حضر المهرجان للجزيرة نت إن فعاليات المهرجان كانت جميلة وممتعة ومثيرة، واعتبرت عيشة بنت محمد الأمين وهي ربة أسرة أن ما شاهدته "أعاد ذاكرتها عقودا إلى الوراء, إنه يربطنا بتاريخ أجدادنا وماضينا"، مضيفة "لأجل ذلك اصطحبت أطفالي وأفراد أسرتي وسافرنا من العاصمة نواكشوط إلى هنا لمشاهدة هذه العروض الممتعة".

ونظم المهرجان بقرية "إيفُجّارن" التي تبعد عن العاصمة نواكشوط نحو 120 كلم شرقا، ويقول المنظمون إن اختيار تلك القرية الريفية جاء لكونها ظلت وإلى وقت قريب ملتقى للبدو الرحل، ومحطة يتجمعون فيها في فترات ومواسم معينة، من أجل تبادل المنافع، ونشدان الضالة، وتنظيم مباريات موسمية على خطى أسواق العرب في جاهليتهم.

المصدر : الجزيرة