تطوان .. مدينة مغربية فقدت طابعها الأندلسي

مدينة تطوان
مدينة تطوان كانت تلقب بالحمامة البيضاء (الجزيرة نت)

الحسن سرات- تطوان



بدأت مدينة تطوان المغربية تفقد طابعها الأندلسي, بسبب التحولات الديمغرافية والمعمارية الحديثة، التي جعلت الكثير من المآثر الأندلسية المعمارية والثقافية بها في حالة تدهور وصفت بأنها شديدة.

كانت تطوان قد أصبحت بعد سقوط غرناطة عام 1492 ملاذ الأندلسيين المطرودين من إسبانيا وما يسمى بالفردوس الأندلسي المفقود، "فهي بنت غرناطة، وأختها الفاترة" كما أنها أخت فاس ومأوى الموريسكيين والمدجنين واليهود السفرديين والأندلسيين المغاربة المسكونين بالحنين إلى الوطن، حسب المؤرخين المغاربة.

و"تطوان" هو الاسم الحالي لمدينة تقع في شمال المغرب على مقربة من مدينة سبتة المحتلة من قبل الإسبان. مدينة ذات جذور ضاربة في التاريخ القديم، إذ كانت تسمى في العصر الروماني "تمودا"، ثم سميت في العهد الإسلامي "تيطاوين".

وحسب ما أوضحه للجزيرة نت الدكتور محمد جبرون، أستاذ التاريخ الإسلامي، "فإن تطوان من الألفاظ التي لا يعلم لها معنى في اللغة العربية، ومعناها بالأمازيغية هو العين أو العيون وسمي هذا المكان بهذا الاسم ربما حسب الفقيه المؤرخ محمد داود لكثرة العيون به".

الحمامة البيضاء
تلقب تطوان اليوم بين أهلها البالغ عددهم أكثر من 300 ألف نسمة بـ"الحمامة البيضاء"، وعلى مدخلها يوجد تمثال يجسد هذا المعنى. والأسر التقليدية التي تحمل القيم الثقافية الأندلسية التي كانت تسكن المدينة القديمة غادرتها نحو الأحياء العصرية وحلت محلها عائلات بدوية أو من مشارب ثقافية أخرى وهو ما يؤثر على المضمون الثقافي الأصيل لهذه الفضاءات.

ويشتهر التطواني الأصيل باعتداده بنفسه واستعلائه على باقي سكان المغرب، ويطلق التطوانيون على المغاربة الآخرين "سكان الداخل".

وقد وصف المؤرخ محمد داود –ابن المدينة- روح التطواني فقال في ختام كتابه تاريخ تطوان "عرفت المدينة كيف تعيش عزيزة الجانب، موفورة الكرامة، حسنة السمعة, فكان القليل فيها مقنعا، والضعيف لطيفا ظريفا، والصغير نقيا نظيفا، والغني مقتصدا مدبرا، والحياة وديعة يسيرة، والأعمال متقنة منظمة، لذلك كان سكانها آمنين مطمئنين، راضين مرضيين".

"

تطوان شهدت عصرها الذهبي في زمن حكم آل الريفي في القرنين السابع عشر والثامن عشر الميلاديين على يد عبد الله الريفي المعروف بسيدي المنظري. وكان مؤسس هذه الأسرة الحاكمة في بداية أمره قائدا للقوات المجاهدة الأمازيغية التي كانت تساعد الجيش المركزي
"

المخدرات تزحف
وفي نفس الاتجاه يذهب الأمين بوخبزة، النائب عن تطوان بمجلس النواب المغربي، حيث يؤيد ما ذهب إليه المؤرخ محمد داود من وصف لشخصية التطواني، مضيفا في حديث للجزيرة نت، أن الموريسكيين الأندلسيين الذين استقروا بتطوان اعتبروا أنفسهم قادمين من حضارة متقدمة وناقلين لها، وأن على من يلتحق بتطوان من الأرياف والقرى المجاورة أن يتكيف مع عاداتها وتقاليدها ويلتزم بقيمها.

غير أن هذا الوضع عرف انقلابا كبيرا مع الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي لعدة عوامل, يتحدث عنها بوخبزة ويجملها في زحف أرباب المخدرات والتهريب القادمين من البوادي والضواحي وتسلقهم لما يسميه سلم الوجاهة الكاذبة.

ودون تردد يؤكد بوخبزة أنه "من بين كل المهربين وتجار المخدرات لا تكاد تجد تطوانيا أصيلا من الأسر الموريسكية العريقة لسببين، أولهما الالتزام بقيم الدين والأصالة، وثانيهما طبيعة الحذر المتوارثة في التطواني".

يذكر أن تطوان عاشت مثلها مثل كثير من المدن الشمالية المغربية ثائرة على السلطان مستقلة عن الحكم المركزي، وشهدت عصرها الذهبي في زمن حكم آل الريفي في القرنين السابع عشر والثامن عشر الميلاديين على يد عبد الله الريفي المعروف بسيدي المنظري. 

 
وكان مؤسس هذه الأسرة الحاكمة في بداية أمره قائدا للقوات المجاهدة الأمازيغية التي كانت تساعد الجيش المركزي.
المصدر : الجزيرة