أزمة الرسوم تثير موضوع علاقة الفكاهة بالأديان

AFP Pakistani students of Karachi University shout anti-Danish slogans during a protest rally in Karachi on March 01, 2008 against the publication
الرسوم المسيئة أشعلت غضبا عارما في الشارع الإسلامي (الفرنسية-أرشيف)
 
تشكل أزمة الرسوم الكاريكاتيرية المسيئة للرسول محمد صلى الله عليه وسلم وتداعياتها منذ اندلاعها عام 2005 وإعادة نشرها مرة أخرى مطلع هذا العام، محور نقاشات وحوارات مكثفة في مجالات متعددة بين السياسي والاقتصادي والثقافي والفلسفي والديني، ما دفع رئيس مركز معلومات الأديان في مدينة بازل السويسرية، لدراسة العلاقة بين الفكاهة والأديان السماوية.
 
ويقول كريستوف بيتر باومان للجزيرة نت إن نتيجة الدراسة التي كشف عنها اليوم الخميس، توصلت إلى أنه "من الخطأ النظر إلى الدين الإسلامي على أنه عدو الفكاهة والمرح، لمجرد أن الرسوم الكاريكاتيرية أثارت حفيظة مليار مسلم حول العالم".
 
غضب مفهوم 
ويعتقد الرجل أن السبب في حساسية المسلمين من الرسوم الكاريكاتيرية المسيئة هو تحريم الإسلام لرسم الشخصيات ذات المكانة الدينية المتميزة، مثل جميع الأنبياء والرسل وصولا إلى الخلفاء الراشدين والعشرة المبشرين بالجنة والكثير من الصحابة، وهو ما جعل للشخصية الدينية بشكل عام احترامها لدى المسلمين.
 
ويعتقد الباحث أن أحد أهم أسباب غضب الشارع الإسلامي من الرسوم الكاريكاتيرية الدانماركية هو أنها جسدت شخصية الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، وأضاف "ربما لو كان الرسام تناول نفس موضوعات الرسومات بشخصيات مختلفة بعيدة عن الرموز الدينية، لما تسببت في مشكلة أو ثار بسببها المسلمون".
 

النقد الذاتي 
ويستدل باومان على صحة رأيه بوجود العديد من الرسومات الكاريكاتيرية في العالم الإسلامي التي تقوم على مبدأ النقد الذاتي وتنتقد سلوكيات تتناقض مع الإسلام، فضلا عن وجود نكات عن فصاحة الفقهاء مثلا أو مواقف مضحكة أخرى يكون فيها للدين دور، دون أن يكون فيها إساءة للدين أو سخرية منه.
 

باومان: سبب غضب المسلمين من الرسوم هو تجسيدها لشخصية الرسول محمد (الجزيرة نت)
باومان: سبب غضب المسلمين من الرسوم هو تجسيدها لشخصية الرسول محمد (الجزيرة نت)

في المقابل –يتابع باومان- أن الثقافة الغربية تعودت على تجسيد معاني المسيحية عبر الكثير من الصور التي شكلت جزءا من ثقافة الغرب، إذ يمكن أن ترى تمثالا للسيدة مريم العذراء والقديسين والحواريين وغيرهم، وكذلك اليهودية التي لا تعارض تجسيد شخصية موسى عليه السلام وملوك اليهود التوراتيين في أعمال سينمائية.
 
كما يعتقد أن تجاوزات الرسامين الأوروبيين جاءت لأنهم دأبوا منذ سنوات طويلة، على انتقاد العقيدة المسيحية في حد ذاتها، وتوجيه اتهامات للكنيسة ورجالها والتشكيك في الدين، ما جعل مفهوم احترام الدين في الغرب يختلف تماما عن ما هو عليه في العالم الإسلامي.
 
ومن قبيل المصادفة أن باومان المتخصص في علوم الأديان، يحرص منذ 25 عاما على جميع الرسومات الكاريكاتيرية التي تتناول موضوع الأديان سواء كنقد ذاتي أو للسخرية من أوضاع سياسية أو اقتصادية، أو للتهكم على الآخرين.
 
سقف الحريات 
وقد توصل باومان في دراسته المقارنة إلى أن الأديان السماوية لا تتعارض مع الفكاهة وروح المرح، بل تتقبلها بما فيها النقد الذاتي ولكن بحدود يختلف سقفها من دين إلى آخر، فما لا يبيحه الإسلام يمكن للمسيحية أو اليهودية القبول به والعكس صحيح.
 
ويرى أنه ربما يقوم أتباع الكاثوليكية بإطلاق بعض النكات على بابا الفاتيكان، فيتم النظر إليها على أنها نقد ذاتي، بينما لو صدرت تلك النكات من أتباع ديانة أو مذهب آخر لتم النظر إليها على أنها سخرية واستهانة.
 
وقد تولت إحدى دور النشر طباعة وتوزيع البحث في كتاب لأهميته الكبيرة في الحوار بين الأديان، ولأنه يسد ثغرة هامة فتحتها أزمة الرسوم الكاريكاتيرية، ويقول باومان من المهم أن يعرف أتباع الديانات السماوية، كيف يتعامل الآخرون مع الضحك.
 
وقال باومان إنه لن يقوم بنشر الرسوم الكاريكاتيرية المسيئة في كتابه، لقناعته بضرورة عدم إعادة نشرها مرة أخرى، لكنه اكتفى بوصفها مع تحليل لأسباب غضب المسلمين منها.

المصدر : الجزيرة