البحار الصيني المسلم تشنغ خه في الذكرى الـ600 لرحلته الأولى

البحار المسلم الصيني

 
يحيي الصينيون طيلة هذا العام ذكرى شخصية تاريخية تمثل بالنسبة لهم رمز السلام في العالم، وهو البحار الصيني المسلم تشنغ خه الذي يصفونه بأنه من أعظم شخصيات الألفية الثانية للميلاد.
 
فمع بداية القرن الـ15 شهدت الصين تطورا ملحوظا في صناعة السفن ما حدا بالبلاط الإمبراطوري الصيني إلى توسيع تأثيرات الصين واستعراض قوتها فيما وراء البحار والتفكير بإرسال أكبر أسطول بحري في العالم في ذلك الحين ليجوب المحيطات, وقد وقع الاختيار على الشاب تشنغ خه ليكون مسؤولا عن تنفيذ هذا المشروع الضخم وقيادة هذا الأسطول العظيم.
 
ولد ما سان باو وهو اسمه الأصلي عام 1371 ميلادية لعائلة مسلمة فقيرة بمقاطعة يوننان غرب الصين، حج والده وجده إلى بيت الله الحرام، فنشأ منذ طفولته نشأة إسلامية، في الـ12 من عمره اختطفه عساكر أسرة مينغ الملكية التي حكمت الصين قرابة 300 سنة وجعلوه خصيا في حاشية الأمبراطور تشو دي.
 
قاد تشنغ خه في رحلته البحرية الأولى عام 1405 في المحيط الهادي الجنوبي والمحيط الهندي طاقما مكونا من 27800 رجل من الضباط والجنود والملاحين والمترجمين والعلماء على متن أكبر أسطول في العالم في ذلك الوقت تألف من 62 سفينة للبضائع والمجوهرات و700 سفينة للخيول و240 سفينة للمؤن و300 سفينة للجنود و100 بارجة حربية يمخرون عباب البحر ويحملون معهم كميات كبيرة من الحرير والخزف والشاي والهدايا إلى حكام الدول التي زاروها باسم الإمبراطور الصيني.
 
وقام تشنغ بعد ذلك بست رحلات بحرية أخرى رسولا للإمبراطور وصل خلالها بأسطوله البحري إلى جزيرة جاوة جنوبا ومنطقة الخليج والبحر الأحمر ومكة المكرمة شمالا، وجزيرة تايوان شرقا، والسواحل الشرقية لأفريقيا التي تقع في جنوب خط الاستواء غربا. 
 
وإذ عاد من رحلته السابعة بلغ عدد زائري الصين القادمين معه 1200 رجل حسب ما ورد في المدونات التاريخية الصينية، ما كان له أثر كبير في تقوية العلاقات الدولية بين الصين والدول الأخرى.
 
ولم يتوقف تشنغ خه عند هذا الحد بل قدم كثيرا من المساهمات في الميادين الأخرى مثل تجديد الإبرة المغناطيسية ورسم خريطة العالم الأولى وإيفاد بعض المسلمين إلى مكة المكرمة لأداء فريضة الحج وتوصية السيد في شين والسيد ما هوان – العالمين المسلمين- بتدوين مشاهداتهم على امتداد الرحلات البحرية، والاتصال بعامة الشعب من المسلمين وغير المسلمين على نطاق واسع0

 
وقد أسلمت أعداد كبيرة من أبناء جنوب شرقي آسيا على يديه في الوقت نفسه هاجر كثير من أبناء الصين إلى هناك وما زال أحفادهم منتشرين في إندونيسيا وماليزيا وسنغافورة وبروناي حتى زماننا هذا وحيث إن تشنغ خه قد ترك برحلاته البحرية السبع انطباعا عميقا في نفوس الصينيين والأجانب فقد كانوا معجبين به إلى حد إطلاق اسمه الأصلي "سان باو" أو اسمه الرسمي" تشنغ خه" على الأماكن التي زارها و منها صخور سان باو  في مقاطعة فوجيان وجزر تشنغ خه من أرخبيل شيشا وأرخبيل سان باو في مقاطعة تايوان.
 
undefinedوجاءت هذه الأسماء كلها لتقدير فضل تشنغ خه في تنمية الملاحة وإطراء خصاله الحميدة المتمثلة في معاملة عامة الناس على قدم المساواة دون نسيان الإشارة إلى أنه يوجد في إندونيسيا مدينتان تحمل أحدهما اسم "سان باو دونغ" والأخرى اسم "سان باو دون" إضافة إلى مدينة أخرى تحمل اسم "سان باو لونغ". وفي تايلند ميناء سان باو ومعبد سان باو.
 
وفيما كانت عجلة تاريخ البشرية تتقدم إلى الأمام تلبدت السماء بالغيوم بغتة بسبب ظهور النشاطات الملاحية الغربية إلى حيز الوجود. وكان ضمن البحارة الغربيين كولمبوس الإيطالي الذي اكتشف العالم الجديد بعد 87 سنة من إبحار تشنغ خه، وماجيلان البرتغالي الذي وصل إلى جزر الفلبين بعد 116 سنه من إبحاره.
 
وكان البحار الصيني يستهدف بإبحاره ذر بذور الصداقة بين الشعب الصيني والشعوب الأخرى أينما ذهب وانتهى به الأمر إلى تطوير التبادلات الاقتصادية والثقافية وتحقيق السلام والاستقرار في المنطقة الممتدة من الصين إلى شرق أفريقيا بينما كان البحارة الغربيون قراصنة يحاولون الاغتناء السريع عن طريق السلب والنهب والاغتصاب والقتل فخلال ثلاثة قرون انخفض عدد الهنود الحمر وهم سكان العالم الجديد الأصليون من 50 مليون نسمة إلى 4 ملايين نسمة فقط وبقي معظم أجزاء العالم في حالة مستعمرات أو شبه مستعمرات دون أن تسلم الصين والأقطار العربية والإسلامية من وطأة العدوان.
 
لقد ترك تشنغ خه برحلاته انطباعا عميقا وتأثيرا بالغا مازال مستمرا إلى يومنا هذا في نفوس أبناء الشعب الصيني والشعوب الآسيوية، ففي تلك المناطق التي وصل إليها كثير من الحكايات عنه وكثير من الآثار وفي سنوات عمره الأخيرة اختار تشنغ خه الاستقرار والعزلة في جينغهاي عند أسفل جبل شيتسي بمدينة نانجينغ حتى وفاته عام 1435 وهو في الـ65 من العمر.

______________
المصدر : الجزيرة