شكري في فيلم الخبز الحافي فاته أن يكون ملاكا

-

يذهب فيلم "الخبز الحافي" الذي حمل عنوان السيرة الذاتية للكاتب المغربي محمد شكري إلى أكثر من كونه سردا لحياة الكاتب والروائي المغربي والتي منعت بسبب جرأتها وخروجها عن المألوف بكثير من الدول العربية، إذ يمجد حياة جعلت من البطل شيطانا بدلا من أن يكون ملاكا بلا تجربة.
 
يبدأ المخرج الجزائري رشيد بن حاج بمدينة طنجة الشمالية الساحلية في مطلع الأربعينيات، والطفل محمد شكري يبحث في صناديق القمامة عن كسرة خبز يسد بها فم الفقر الذي تعيش فيه أسرته فيعثر على حذاء ودجاجة ميتة لكن أمه تلقي بالدجاجة بعيدا وتنهره قائلة "حرام المسلمين ياكلوا الجيفة" فينظر الطفل الذي يظل مسلوب الوعي الى أن يتجاوز العشرين إلى أمه بغضب في إشارة الى أن الفقر والجوع أكثر حرمة.
 
وفي مشهد مؤثر من الفيلم الذي عرض بالقسم الرسمي خارج مسابقة مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، وهو إنتاج مغربي فرنسي إيطالي، تسقط زجاجة لبن من سيدة ثرية فينحني الطفل إلى الأرض لاعقا الحليب ويدمي الزجاج لسانه ولكنه يواصل البحث عن بقايا الحليب بين تراب الشارع وكسر الزجاج.
 
والفيلم الذي يبلغ مائة دقيقة يجعل من الصبي الذي لا يخلو رأسه من تقرحات شاهدا على حياة قاسية، إذ يبكي أخوه الصغير عبد القادر من الجوع فيضيق به أبوه ويحاول منع بكائه فيقتله، ليظل شكري ناقما على أبيه ويصرح لأمه بأنه يريد قتله، ويتخيل ذلك في مشهد افتراضي تسيل فيه دماء الأب بعد أن يضربه بزجاجة خمر.
 
وبالتوازي يستعرض الفيلم وعي جماهير المغرب بقضية استقلال بلادهم بعد أربعين سنة من الاحتلال الفرنسي، حيث يفاجأ شكري عام 1954 بأنه وسط مظاهرة تطالب بالحرية والاستقلال ليجد البطل نفسه معتقلا مع آخرين منهم الشاب وطني مرواني الذي يكتب على جدران السجن بمسمار أبياتا من قصيدة للشاعر التونسي أبي القاسم الشابي، ولا يفهم شكري شيئا لأنه لا يعرف القراءة ولا الكتابة فتبدأ رحلته مع الكلمة.
 
ويختتم الفيلم بمشهد لشكري نفسه نهاية حياته وهو جالس أمام قبر أخيه عبد القادر، ويتذكر كلمات قيلت يوم مات أخوه تشير الى أنه بالجنة مع الملائكة، ويهمس قائلا "إن الصغار إذا ماتوا يظلون ملائكة ولأن الميت ملاك فلابد أن الحي شيطان.. لقد فاتني أن أكون ملاكا".
 
يعد شكري (1935–2003) الذي يوصف بالكاتب الصعلوك من أشهر الكتاب المغاربة، كما أن "الخبز الحافي" التي كتبها بالسابعة والثلاثين تعد الأكثر جرأة بالسير الذاتية العربية، وتعرضت للمنع بمعظم الدول العربية وآخرها مصر قبل سنوات، انطلاقا من الحفاظ على ما تصوره الرقباء خدشا للذوق العام حيث تتعرض السيرة لعالم الجريمة والدعارة والسلوك الجنسي المثلي بكثير من الخشونة اللفظية.
 
يُذكر أن لشكري الذي تعلم الكتابة في السجن وعمره 21 عاما قصصا وروايات أخرى منها "مجنون الورد" و "السوق الداخلي" و "الشطار".
المصدر : رويترز