نصب الرواد عنوان لحضارة بغداد

نصب الحرية في بغداد


كريم حسين نعمة- بغداد

تزخر العاصمة العراقية بالعديد من النصب الفنية التي أبدع في نحتها فنانون كبار رحل بعضهم عن عالمنا وبقيت أعمالهم خالدة شاهدة على إبداعهم شامخة تتحدى.

ولعل من أبرز هذه الأعمال الفنية نصب "الحرية" للراحل جواد سليم في ساحة التحرير ببغداد، و"الأمومة" للراحل خالد الرحال الذي سرق أثناء عمليات النهب التي أعقبت الاحتلال واستعادته وزارة الثقافة مؤخرا، وجدارية "السلام" للراحل فائق حسن في ساحة الطيران، ونصب "الشهيد" لإسماعيل فتاح الترك في شارع فلسطين.

وتعكس هذه المعالم الفنية مدى ثقافة المجتمع العراقي وبعده الثقافي والحضاري القديم والمعاصر، فهي كما يقول أستاذ النحت في كلية الفنون الجميلة الدكتور جبار العبيدي في حوار مع الجزيرة نت أن هذه الشواهد تمثل انعكاسا للحراك السياسي والاجتماعي لهذا البلد.

ثورات ضد الظلم
يعبر نصب "الحرية" عن ثورات العراقيين ضد الظلم عبر التاريخ، ويؤكد العبيدي أن هذا النصب لا يضاهيه أي عمل نحتي آخر في البلد على مستوى الفكر والإبداع والذوق الجمالي ومعاصرته للفنون في شتى بقاع العالم.

ويلفت العبيدي الانتباه إلى أن هذا العمل لم يسلم -كموضوعه- من تجاوزات جسدها خنقه ببنايات شاهقة أقيمت حوله مما أثر على تحديد مدى الرؤية من قبل المتلقي.

ولأن النحت تعبير مجسد عن الحياة، فقد أشار العبيدي إلى أن التغيير الذي حدث في العراق ووقوع البلد في براثن الاحتلال سيجد صداه على مستوى النحت في المرحلة القادمة.

جدلية الحرية والسلام
و"الحرية" والسلام" قيمتان عراقيتان -وإنسانيتان طبعا- فبغداد مدينة السلام، وجدلية الحرية والسلام متلازمتان، فلا سلام دون حرية والعكس، لذلك نجد أن نصب "الحرية" وجدارية "السلام" يشكلان أهم عملين فنيين يعبران عن طابع وهوية المجتمع العراقي كما يقول النحات باسم حمد.

ويلفت هذا الفنان الانتباه إلى أن هذه النصب هي مخلوقات تحيا مع المجتمع العراقي وتشكل جزءا من ذاكرته التاريخية، ولها خصوصيتها المتأتية من عمق اتصال هذه الأعمال بمبدعيها من الرواد الذين شكلوا ملامح الفن العراقي الأصيل، وهي معطيات تفرض مزيد عناية واهتمام بهذه الأعمال المجسدة لجانب مهم من تاريخ ومطامح البلد.

undefined

فنانون لا لصوص
الرد الفني على صور وكالات الأنباء التي بثتها للصوص وقطاع طرق ينهبون ويدمرون غداة احتلال بغداد جاء معبرا عن ذوق فني ورؤية جمالية تمثل العراقيين حقا.

فقد أقيم تمثال "الناجين" في المكان الذي أسقط منه تمثال الرئيس المخلوع صدام حسين في ساحة الفردوس ببغداد، تعبيرا عن تشبث العراقيين بالجمال والفن.

باسم حمد يؤكد أنه قام وبالتعاون مع جماعة الناجين للثقافة والفنون بنحت هذا التمثال بعد 17 يوما من سقوط النظام السابق وفي خضم عمليات النهب والسرقة التي أعقبت ذلك، لتبرهن للعالم أن الشعب العراقي حضاري وليس كما صورته وسائل الإعلام من خلال بث تلك العمليات.

قصة حضارة
يمثل تمثال الناجين عائلة عراقية من أب وأم وطفل تمثل رمزا لنواة مصغرة من المجتمع العراقي غابت عنها الملامح.

يوضح باسم حمد أن هذه الأسرة ترفع رمزين هما الهلال الذي يمثل الحضارة الإسلامية والشمس السومرية التي تمثل الحضارة السومرية، وهما أكثر حضارتين عرفتا في هذا البلد، وأخذتا على عاتقهما حمل رموز التعامل الإنساني التي يزخر بها، وهي الجمال والحب والسلام، وقامت بنشرها في كل أرجاء المعمورة.

وأكد حمد أن التمثال هو مبادرة لترميم جزء من الجرح الثقافي الذي أصاب البنية الثقافية العراقية عبر 35 عاما من التصحر والقمع الذي مورس بحق الإنسان العراقي بشكل عام والمثقف بشكل خاص في ظل النظام السابق.

ـــــــــــــــــــ
موفد الجزيرة نت

المصدر : الجزيرة