شكري بوكوفسكي المغرب.. هل غرد خارج السرب؟


undefined

سيدي محمد
رحل الروائي المغربي محمد شكري والنقاش بشأن أعماله الأدبية مازال مثار اهتمام من النقاد والأدباء والقراء وحتى المتخصصين بالتاريخ والاجتماع. رحل الكاتب لكن طنجة الكوسموبوليتية عشيقته التي تغنى بها وغدر بها في كتاباته، باقية تشهد على عظمة من خلدها بجرأته في "الخبز الحافي" و"زمن الأخطاء" و"وجوه" و"السوق الداخلي" و"عزلة طنجة" و"جان جينيه في طنجة".

لم تكن قصته المشهورة التي رحل عنها حافيا وهي "الخبز الحافي" رجما من شيطان شكري الروائي ولا القصصي، ولكنها كانت وحيا من مرارة الواقع وبؤسه الذي عاشه في فترة ضياع أخرى عاشتها مدينة طنجة وبلده المغرب ومجتمعه.

إن البيوغرافيات العربية تُكتب باعترافات أقل، لكن شكري حينما كتب ثلاثيته البيوغرافية اعتمد أساسا نماذج غربية مثل: اعترافات القديس أغوستين وجان جاك روسو وسومريست موغان وكولن ولسون وكلمات سارتر وخوان غويتيسولو في "الأراضي المُسَيَّجة".

وفي مشهد من هذه الرواية نرى جرأة شكري وتعريته لذاته وجلده لأسرته، في محاولة أقل ما يقال إنها احترام للقارئ العربي والإنساني لوضعه أمام مأساة قلم وكاتب. ويروي الكاتب في هذه اللقطة كيف كان أبوه يقيده عند شجرة ويضربه بحزام جلدي، وذات يوم أخذته نوبة غضب فخنق أخا لشكري حتى تسبب في قتله.

لقد قص شكري هذه الحكاية وما كان يكنه في نفسه من حقد لأبيه الذي جسد لديه عنجهية وسلطة الرجل الأب في تلك الفترة. وفعل الشيء ذاته بصيغة مباشرة ومعرِّية مع من يتحدث عنهم في وجوه من مومسات غرناطة علال الابن الذي تآمر على أبيه المسن كي يمنعه من الزواج مجددا حتى لا يتقاسم إرثه مع أحد غيره. هكذا حولته مواضيعه وأسلوبه إلى كاتب مغضوب عليه أحيانا، إلى كاتب يُقارَن بالأميركي بوكوفسكي وبالكوبي بيدرو خوان غوتييرث، حتى منعت بعض أعماله في مصر وبعض الدول العربية.

كان شكري يرى أن الأدب العربي القديم أكثر حرية من أدبنا الحالي بسبب كثرة المحرمات الآن التي تقتل الحرية والإبداع بحسب رأيه، حيث يقول إنه في العصر الجاهلي وفي بداية الإسلام كان هناك أدب مثل ألف ليلة وليلة والروض العاطر بحرية تعبير كبيرة، مشيرا إلى الانحطاط الكبير الذي حدث في الثقافة العربية، خصوصا عندما خرج العرب من إسبانيا منذ خمسة قرون.. لقد ضاعت حرية التعبير في نظره وهيمن التشدد والتعصب الديني.

يحكي الكاتب الراحل شكري مرة في مقابلة معه أن روايته "الخبز الحافي" تأبى أن تموت بعد أن حاول قتلها بروايات أخرى، وهي في نظره تلاحقه لأنها ماضيه وماضي مغربيته وعروبته التي فضحها واستلذت صراحته.

لقد كان شكري ملتزما اجتماعيا –في نظره- يدافع عن الطبقات المهمشة والمنسية والمسحوقة، وهو في هذا قريب من إسبارتاكوس باحترامه ككاتب لكرامة الإنسان. كما أنه لم يهدف في كتاباته إلى كشف الممنوع فقط وإنما كان يدافع عنه.. يقول شكري "ليس كل من يكتب عن المرأة الداعرة هو عدوها.. الجنس الداعر أوظفه توظيفا اجتماعيا للكشف عن أسبابه الاستغلالية في أبشع صوره.. هناك كثير من المباءات الاجتماعية يساهم الجنس العاهر في الكشف عنها".

ورغم رأي البعض في الروائي الراحل فإنه بقي ظاهرة يحترمها القارئ في المشرق والمغرب، إلا أنها لم تلق حقها واحترامها على الصعيد المادي. ويكفي هنا أن نعرف أن بعض رواياته تعرضت للقرصنة مرتين وطبعتها دور عربية بدون أن تدفع له أي مقابل، بل وبدون علمه أحيانا ومنها مجموعته القصصية "مجنون الورد"، وهو ما حدا بشكري إلى أن يشترط مقابلا ماديا لقاء أي حوار أو تصريح بعد ذلك لوسائل الإعلام كإعادة اعتبار لما سرق منه.
__________
الجزيرة نت

المصدر : الجزيرة