سوريا.. جمود دولي والثوار يقاتلون

A handout image released by the Syrian opposition's Shaam News Network shows Syrians waving pre-Baath flags adopted by the revolution during an anti-regime demonstration in Kfar Sousa on June 7 , 2012.
undefined

أحمد دعدوش

مع نهاية عام 2012، ينتصف الشهر الثاني والعشرون للثورة السورية التي أصبحت أطول ثورات الربيع العربي أمدا، وربما أكثرها دموية ودمارا. وقد شهدت خلال هذا العام العديد من التطورات السياسية والميدانية التي خالفت الكثير من التنبؤات، ولعل أهمها فشل معظم المساعي السياسية في وضع حل للأزمة، وتحول الثورة من مسار الاحتجاجات إلى صراع مسلح يمتد على طول البلاد وعرضها، مع تحول الكثير من المدن والقرى إلى مناطق منكوبة.

ورغم وصول أولى طلائع بعثة المراقبين العرب إلى سوريا -في ظل هدنة هشة- قبل أسبوع من بدء العام، فإن بعض المراقبين سرعان ما انسحبوا لتعلن الجامعة العربية إنهاء البعثة يوم 12 فبراير/شباط وتدعو مجلس الأمن إلى تشكيل قوات حفظ سلام عربية أممية، وهو طلب ما زال يتكرر حتى نهاية العام.

وقبل قرار إنهاء البعثة، كان النظام السوري قد أعلن الحسم العسكري يوم 4 فبراير/شباط بقصف حي الخالدية في حمص، وذلك بالتزامن مع تصويت مجلس الأمن على منح صلاحيات الرئيس السوري إلى نائبه الأول وإدانة العنف، والذي تم تعطيله بسبب استخدام روسيا والصين حق النقض (الفيتو)، مما شجع النظام على مواصلة حملته العسكرية ليقتل بعد يومين في حمص 95 شخصا باستخدام راجمات الصواريخ حسب ناشطين، ولتبدأ بذلك مرحلة الانتقال إلى القتال المسلح.

ونظرا لفشل مجلس الأمن في إيجاد حل، وافقت الجمعية العامة للأمم المتحدة على قرار يدين العنف في سوريا بأغلبية 137 صوتا يوم 16 فبراير/شباط، وبدأت دول عربية بسحب سفرائها من دمشق والاعتراف بالمجلس الوطني المعارض لتمثيل سوريا، كما دعا بعضها إلى تسليح الثوار وإرسال قوات عربية لحفظ الأمن.

مساعي مجلس الأمن لم تفلحفي إنهاء الأزمة (الفرنسية)
مساعي مجلس الأمن لم تفلحفي إنهاء الأزمة (الفرنسية)

خطط وبعثات
وفي الشهر الثالث، طالب مجلس الأمن النظام السوري بالتطبيق الفوري لخطة المبعوث الدولي العربي كوفي أنان الداعية إلى وقف القتال وسحب القوات الحكومية والأسلحة الثقيلة من المدن، وتطبيق هدنة إنسانية ساعتين يوميا لوصول المساعدات، لكن النظام اعتبر البيان هزيمة "لعواصم أعداء سوريا"، وقال إن معركة إسقاط الدولة انتهت بلا رجعة.

ورغم ظهور تسريبات كشفت الحياة المترفة للرئيس بشار الأسد واستعانته بمستشارين إيرانيين ومسؤوليته عن "تشديد القبضة الأمنية"، فقد ظل الموقف الدولي مقتصرا على تطبيق العقوبات ضد رموز النظام وتجديد دعوات مجلس الأمن "لكافة الأطراف"‏ إلى وقف العنف حسب مهلة أنان، ليصل الأمر بفرنسا إلى اتهام الأسد بخداع المجتمع الدولي.

وفي 9 أبريل/نيسان وقبل ساعات من انتهاء المهلة، قال النظام إنه لن يسحب آلياته من المدن دون ضمانات مكتوبة من المعارضة بوقف العنف، ووافق مجلس الأمن بالإجماع على إرسال مراقبين عسكريين غير مسلحين في إطار خطة أنان، لكن الشبكة السورية لحقوق الإنسان سرعان ما رصدت في اليوم الأول 76 خرقا لوقف العنف.

وشهد الشهر الرابع اجتماعا للجنة الوزارية العربية في الدوحة لدعم خطة أنان، ومؤتمرا ثالثا لمجموعة "أصدقاء الشعب السوري" في باريس، حيث هددت بفرض عقوبات تحت الفصل السابع من الميثاق الأممي في حال فشل خطة أنان، لكن النظام واصل حملته العسكرية ليدمر نحو 54% من مساحة مدينة حمص كما تؤكد صور الأقمار الصناعية، في حين اتهم المعارضون النظام بتفجيرات عدة لتوريط "الإرهابيين"، مع بدء تشكل جماعة إسلامية تحت مسمى "جبهة النصرة لأهل الشام" تنتهج فكر الجهادية السلفية لتلعب دورها في ظل فشل الحلول السياسية.

وازدادت حدة العنف مع انتشار التفجيرات وتبادل الاتهام بشأنها، وفي 18 مايو/أيار ألمح المتحدث باسم أنان إلى اتهام القاعدة بتفجيرات في دمشق، وقال ناشطون إن النظام انتهز الحديث عن وجود إرهابيين لتوسيع حملته العسكرية في إدلب وغيرها.

وفي 20 مايو/أيار تبنى المجلس العسكري المعارض في دمشق اغتيال ستة من كبار أعضاء "خلية إدارة الأزمة" في تفجير محكم، وبالمقابل بدأت مليشيات الشبيحة الموالية للنظام سلسلة مجازرها الجماعية بقتل 114 شخصا بينهم 32 طفلا في الحولة بريف حمص، لتعلن مندوبة واشنطن لدى الأمم المتحدة سوزان رايس أن العمل العسكري دون تفويض أممي قد يكون ضروريا إذا لم يتفق مجلس الأمن على إجراءات سريعة.

ورغم تصريحات أميركية بالاستعداد لأي عمل عسكري بعد موافقة مجلس الأمن وتشبيه الأزمة السورية بالوضع في البوسنة، ارتكب النظام مجزرة أخرى قتل فيها نحو 140 شخصا -بينهم أطفال ونساء- بالقصف والذبح في القبير بحماة، ليعلق فريق المراقبين الدوليين عمله يوم  16 يونيو/حزيران، ويكتفي مجلس الأمن بمناقشة الأوضاع الإنسانية في سوريا دون حل سياسي أو عسكري.

العمليات النوعية للجيش الحر ساهمتفي تغيير مجرى الثروة (الفرنسية)
العمليات النوعية للجيش الحر ساهمتفي تغيير مجرى الثروة (الفرنسية)

فشل سياسي
وفي أواخر الشهر السادس أعلن الجيش السوري الحر معركة "تحرير حلب" لينقل المعركة إلى قلب المدن الكبرى، وفي الشهر التالي نفذت عملية نوعية ثانية بتفجير في مقر الأمن القومي بدمشق أسفر عن مقتل رموز في النظام ومنهم وزير الدفاع داود راجحة وآصف شوكت نائب وزير الدفاع وصهر الرئيس، وكذلك رئيس مكتب الأمن القومي هشام بختيار، كما بدأت سلسلة انشقاقات سياسية ودبلوماسية بعد انشقاق قائد اللواء 105 في الحرس الجمهوري مناف طلاس.

لكن مجلس الأمن ظل عاجزا عن التحرك مع استخدام روسيا والصين للمرة الثالثة حق النقض لإحباط قرار لاستخدام الفصل السابع، كما سخِر النظام من دعوة وزراء الخارجية العرب الأسد إلى التنحي عن السلطة مقابل "مساعدته وعائلته على الخروج بشكل آمن".

وشهد الشهر الثامن انشقاق رئيس الوزراء رياض حجاب، وتعيين الأخضر الإبراهيمي مبعوثا جديدا بدلا من أنان، وتعليق عضوية سوريا في منظمة التعاون الإسلامي، لكن الأسد أصر "على تطهير البلاد من الإرهابيين ومكافحة الإرهاب دون تهاون".

ولم تمنع مطالبة المجلس الوطني السوري بتدخل المجتمع الدولي لإعلان منطقة حظر جوي، من قتل النظام أكثر من 500 مدني في داريا بعد استعادة السيطرة عليها من الجيش الحر وفقا لناشطين، لينهي مجلس الأمن مهمة بعثة المراقبين الدوليين "لأن شروط استمرارها غير متوفرة"، وتبدأ الأمم المتحدة بالتحقيق في ارتكاب جرائم حرب بسوريا.

ومع تعقد الحل وتواصل العنف، شككت واشنطن في جدوى اجتماع عربي إقليمي بالقاهرة في سبتمبر/أيلول لتفعيل مبادرة مصرية بشأن مساندة مهمة الإبراهيمي، حيث تزايد الحديث عن أسلحة النظام الكيماوية، بينما واصل الثوار قتالهم وأعلنوا تشكيل "القيادة المشتركة للمجالس العسكرية الثورية".

الثورة وتبعاتها تسببت في أزمة حقيقية للاجئين السوريين (رويترز)
الثورة وتبعاتها تسببت في أزمة حقيقية للاجئين السوريين (رويترز)

ائتلاف واعتراف
ومع امتداد الأزمة السورية إلى خارج الحدود بتعقد مشاكل النازحين وتوتر الوضع الأمني في لبنان، ومع وصول عدد الضحايا المدنيين إلى 50 ألفا حسب منظمات حقوقية، كثفت المعارضة جهودها لتوسيع المجلس الوطني في اجتماعات الدوحة في نوفمبر/تشرين الثاني. وبعد أيام أعلن عن تشكيل الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية برئاسة معاذ الخطيب ليضم المجلس تحت جناحه.

وبدأت سلسلة الاعتراف الدولي بالائتلاف ممثلا للشعب السوري، مع تواصل جهود الإبراهيمي لإرسال قوات حفظ سلام "قوية" إلى سوريا عبر مجلس الأمن، وسعي المعارضة لتشكيل حكومة انتقالية تحظى بمساندة وتسليح دوليين.

لكن التطور في الجانب العسكري كان أكثر تسارعا، حيث سيطر الثوار تباعا على مطارات ومواقع عسكرية مهمة في حلب وريف دمشق ودير الزور، واستولوا على أسلحة نوعية سهلت إسقاط عدد كبير من الطائرات على نحو شبه يومي، واقترب الثوار من مشارف دمشق مع قطع الطريق على مطارها الدولي والسيطرة على عدد من أحيائها الجنوبية ومناطق في غوطتها الشرقية.

وتقاطع الحراك السياسي مع العسكري بتأسيس مجلس أعلى جديد لقيادة الثورة في سوريا بقيادة العميد سليم إدريس وبغياب قائدي الجيش الحر والمجلس العسكري، وبحضور ممثلين عن قطر وتركيا والولايات المتحدة وفرنسا وغيرها.

ورغم الاحتفاء الدولي بالائتلاف والتزام وزراء الخارجية الأوروبيين بالدعم السياسي والمالي والإنساني للمعارضة، واعتراف أكثر من 120 دولة بالائتلاف "ممثلا وحيدا للشعب السوري" في مؤتمر أصدقاء سوريا بمراكش المغربية، فإن الاتحاد الأوروبي أجل البحث في التسليح، كما أدرجت الولايات المتحدة جبهة النصرة ضمن المنظمات الإرهابية في الخارج، وتكرر الحديث عن صعوبة ثقة الغرب في المعارضة وكتائبها المسلحة.

وفي هذه الأثناء، ترددت الكثير من التنبؤات عن تسويات سياسية، مع نشر صحف غربية أنباء عن رغبة الأسد في اللجوء إلى دول بأميركا اللاتينية أو انسحابه مع قواته إلى الساحل السوري للتحصن بدويلة علوية، وتجديد اللجنة الوزارية العربية مطالبتها الأسد بالتنحي وبدء مرحلة انتقالية، لكن إيران ظلت حتى أواخر العام تكرر تصريحاتها بعدم قبولها التخلي عن الأسد، كما لم تعدل روسيا الكثير من مواقفها بإصرارها الدائم على اتفاق جنيف الذي لم ينص على تنحي الأسد، رغم تصريح رئيسها فلاديمير بوتين بأنه ليس قلقا على نظام الأسد بل على مستقبل سوريا.

ومع وصول عام 2012 إلى نهايته، يتحدث الائتلاف الوطني عن إمكانية موافقته على نشر قوة دولية لحفظ السلام إذا تنحى الأسد، بينما يواصل الثوار طريق الانتشار بإعلان معركة "تحرير" حماة، في حين يوثق ناشطون استخدام النظام قنابل الفوسفور الأبيض والبراميل المتفجرة في المناطق السكنية، وارتكابه مجزرة بقرية عقرب في ريف حماة سقط فيها 125 بين قتيل وجريح من العلويين.

وتعيش سوريا ظروفا معيشية صعبة خصوصا المناطق التي يسيطر عليها الجيش الحر، ويقول الثوار إن نظام الأسد يعاقب المناطق المحررة بقطع المواد الغذائية والوقود عنها مع استمرار قصفها بالطيران والمدفعية وراجمات الصواريخ.

المصدر : الجزيرة