رسالة ليث شبيلات

أرسلت قبل بدء الثورة المصرية المباركة

هكذا نحافظ على عرش يحتاجه الأردن  لاستقراره

لقد أقسمت اليمين عندما كنت نائباً. وأؤكد أن يميني ما زال قائماً لا أحنث فيه. وأتحدى المسؤولين ومدراء المخابرات أن يرقوا في إخلاصهم لليمين الذي أقسموه إلى الإخلاص الوارد في هذه الرسالة.
                                                            
                                   
بسم الله الرحمن الرحيم                  24 -1 – 2011
من : المهندس ليث فرحان الشبيلات
إلى: الأخ ناصر أحمد اللوزي رئيس الديوان الملكي المحترم 
                                                                    
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،                   مكتوم بشرطه 

تمهيد
 
لولا أن الله أمرني بالنصيحة لقول حبيبه المصطفى صلى الله عليه وسلم :"الدين النصيحة" قالوا لمن يا رسول الله قال:" لله ولرسوله ولأئمة المسلمين ولعامتهم لما وصلك كتابي هذا. ولما كان الملك الذي أقسمت ، وأنا من قبلك ،اليمين على الإخلاص  له مقصوداً بالحديث المذكور ، فإن مضمون رسالتي هذه  ليس إلا اتقاء لمصير اخروي . وأنا أدرك بأن مسيرتي السابقة التي كنت أطمح أن يشاركني في تحمل مسؤولياتها آخرون دون جدوى أبقتني فردياً لا لنرجسية كما يزعمون بل لأن معظم الآخرين خافوا من نتيجة توجيه النقد الحميد حيث يجب ورضوا بالتكنية دون التصريح. فلو كانت فرديتي تجلب المغانم فإنهم يكونون قد صدقوا أما وأنها فردية لا تجلب سوى البلاء والابتلاء لصاحبها فإنها فردية شهامة نأى معظم المتنطعين للشأن العام بأنفسهم عن شرفها. قيل للإمام ابن حنبل رضي الله عنه في فتنة خلق القرآن : "ورِّ يا إمام!" من أجل أن يحمي نفسه من الخليفة بالتقية فقال:"مثلنا لا يورِّي! إن الآلاف من أهل المدينة المنورة ينتظرون قولي! وأنا لا أضلهم!".

لذلك أدرك تماماً بأنني قد أكون وصلت في نهاية الطريق الذي قد يفضي  إلى اغتيالي على يد سلطة سياسية استمرأت البطش والفساد، وقد حاربتني بكل الوسائل الدنيئة من تزوير واعتداء وتهديد  رغم أني اعتزلت إلا من الرأي، مع أنني لا أطالب بتغييرها بل بتغيير أخلاقها وأخلاقياتها وتصرفات القائمين عليها فقط! إذ أوصلت  البلاد إلى حافة الافلاس ناهيك عن تسليم مقاديرها لليهود والأمريكان  مديرة الظهر للعرب وثورتهم التي لنا فيها كلام.

 لذا،  فبعد بسم الله الرحمن الرحيم، وبعد الصلاة والسلام على سيد الهاشميين سيدنا ومولانا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن خير ما أبدأ به رسالتي هذه قول شاعرنا العظيم:
سأحمل  روحي على راحتي          وألقي بها في مهاوي الردى
فإما حياة تسر الصديـــق          وإما ممـات يغيــظ الـعدى
ونفس الشريف لها غايتــان         ورود المنايا ونيل المـــنى
وما العيش؟ لا عشت إن لم أكن       مخوف الجناب  حرام الحمى
 
وأبين أن هذه الرسالة مكتومة بشروطها لأن غايتها الفائدة وليست غايتها الفضيحة ولا النرجسية المزعومة. مكتومة  حتى يُرى مقدار التجاوب معها ، أهو الاهمال؟ أم إنه العدوان؟ فكلا الأمرين إيذان بالنشر والتعميم . عسى أن أساهم في استقرار عرش يحتاجه الأردن وتنفلت الأمور بفقدانه. فإن تم التجاوب فبه ونعمت وأنا أسعد الناس بذلك قابعاً في بيتي معتزلاً الناس! وبقيت هذه الرسالة للتاريخ لا نريد من ورائها سوى رضى ربنا. أما إذا كرر المنصوح تهديداته التي وصلتني عبر عشرات الطرق غير المباشرة، ثم وصلتني بدايات تنفيذها تصعيدا ً منذ الاعتداء على منزلي على يد رجاله عام 2001  مرورا بتهديد (حاميها..) بشير المجالي مدير الشرطة لي : "في المرة القادمة سنكسر رأسك!" إلى أن جاءت تلك "المرة القادمة" بالاعتداء الشخصي علي بالضرب عام 2009 على يد رجال ذلك العسكري التافه غالب (نسيت اسم عائلته ،والذي يحقق معه اليوم في دائرة مكافحة الفساد في سرقات "الموارد") . أقول إذا أراد أن يتصرف بما سربه لي عبر عشرات الطرق غير المباشرة[1] ومفاده (فليعلم بأنني لست مثل أبي ! أنا لا أسجن ! أنا أقتل) فإن أية حادثة تصيبني بعد اليوم ستكون إذناً لجهات وفية مسؤولة أمينة ائتمنتها داخل وخارج الأردن لنشرهاعلى الملأ لتعلم الأمة العربية جمعاء من هو  قاتلي أو ساجني. فأنا أولى من أي مواطن مثل شهيد "سيدي بو زيد"  بتقديم التضحية ولا أعتقد بأن أي أمني يفهم نبض الشارع يرغب بالدخول في مغامرة اعتداء تفجر الأمر بالطريقة التونسية التي تحاول هذه الرسالة التي قد تكون على الأغلب يتيمة في بلد نامت نواطيره عن ثعالبها أن تجنبه وعرشه من مصير تلك الفوضى .

بالاضافة فإنني أسلم نسخة من هذه الرسالة إلى مدير المخابرات العامة الحالي عسى أن يصحو من رقاده وإلى عدة مديرين سابقين للمخابرات أذكرهم  ذيله، اختلفت معهم فيما سبق ولكنني لا أشك في وطنية بعضهم  ممن أعتب على مستوى تدخلهم بالنصح الصريح   .. إذ أن هؤلاء جميعاً خيَّرَهم وسيئَهم هم أمنيون يفترض بأنهم حريصون على العرش . ويحضرني في هذا المجال قصة معبرة يوم ذهابي لعند سميح بينو مطلع نيسان 2003 من أجل التوقيع على مذكرة ال99 الشهيرة الموجهة إلى المقام السامي (كلهم من الموالين) فقال لي مبتسماً: أعتقد أنك أخطأت العنوان ! إنك تريد سعيد بينو بكل تأكيد وليس أنا! أليس كذلك؟ فقلت له: بل إياك أريد! فعندما كنت في المخابرات كم من شخص عذبت دفاعاً عن النظام؟ فابتسم فأكملت "أليس النظام الذي دافعت عنه في خطر اليوم بالموقف من غزو العراق والسماح للأمريكان بتنفيذ عمليات من الأراضي الأردنية؟ فسكت؛ فقلت له : وقع ! فوقع.

إن الأمر جلل وقد تعدى حدود المعارضة المزعومة وموالاة الذين يمر ولاؤهم للأردن عبر جيوبهم . فالأردن في خطر سياسياً واقتصادياً اجتماعياً وبالتالي أمنياً. وكما نبهت عشرات المرات بعد اعتزالي الأطر السياسية احتجاجاً على عدم وجود معارضين جادين صلبين : "يا ناس! خافوا الله! إن الفوضى قادمة! لست أدري متى! ولن يستطيع أحد بما فيهم أنا من إنقاذ الوضع إذا وصل التذمر إلى الشارع!. ومن وقت إلى آخر كانت تضطرني حسن المواطنة للتدخل كذهابي لزيارة زيد الرفاعي رئيس الأعيان قائلاً له : "إن علياً ابن أبو الراغب قد وضع هو ونائبه فارس ابن سليمان النابلسي لغماً تحت العرش!. أنا لن يسمعوا لي لأني معارض غير مؤتمن عندهم ! أما أنت فخادمهم المطيع ولا يستطيعون التشكيك في ولائك ! ألا ترى خطورة الأمر على العرش؟ أليس من واجبك نصيحة الملك بإعادة الأراضي وبمحاكمة علي انقاذاً للعرش وللمملكة من غضبة جياع سيحركهم الحرمان والجوع يوماً  ليس ببعيد؟ فما كان منه ،"لا فض فوه"، إلا أن قال إنكم لا تفهمون عن سيدنا إلخ إلخ من كلام كاد أن يخرجني من ثيابي . فأيقنت بأننا نسير بثبات نحو فوضى ستندلع يوماً ما ، بوجود مثل هؤلاء الموالين وبمثل المعارضة التافهة الرافضة للتضحية أمام صدور أبناء شعبها بل تنتظر تضحيات الشعب لكي تعرض نفسها في سوق الإنقاذ. وكان نفسه قد قال للملك عند اجتماعه برؤساء الوزارات بعد انتفاضة معان المغدورة في نيسان 1989  وتوجههم نحو انتخابات نزيهة شفافة : هل تريد مجلساً فيه أمثال رياض النوايسة وليث الشبيلات يا سيدي؟. فقال له مضر: "ومالهم هؤلاء؟ لو استمعت لنصائحهم لما أفلست الخزينة ولما ثار الشعب"!

وإذا سؤلت لماذا اخترت حصر نسخ من هذه الرسالة في مديري المخابرات: والجواب بسيط! فهو للأسباب التالية:

1.  هؤلاء هم أعلى من ائتمنه النظام على أمنه أولاً وغيرهم كان ديكوراً. وهم الذين كانوا بعد الملك الحكام الحقيقيين  ويعرفون صحة كل كلمة أقولها  ! منهم من لا أشك بوطنيته رغم اختلافي معهم جميعاً عندما كانوا في المسؤولية ومنهم من رتع وخرب. وإرسالي نسخاً لهم تحد أدخل نفسي فيه في" بطن الغول" الذي لن يستطيع أن يأكلني.  ثم إنهم بلا شك كـتـومون لا يمكن أن تتسرب هذه الرسالة من واحد فيهم شماتة بنظرائه (فالآخرون من رؤساء ووزراء وأمنيون وعسكريون سابقون "معارضون موسميون" لا يصدقون أن يقع بين أيديهم ما يشمتون فيه بأصحاب الكراسي الحاليين) وأنا لا أريد أن تصل هذه النصائح إلى الشارع قبل أوانها، وبالذات في هذه الأيام التي يغلي فيها الشارع رغم أن كل ما أتحدث عنه  قد قلته في مناسبات عديدة وحتى على  الفضائيات من وقت إلى آخر!  فأنا ما زلت مصراً على محاولة أخيرة لإصلاحات هادئة محترمة  تجنبنا فوضى تطالب بالإصلاحات: فوضى ستوردنا المهالك لغياب أطر موثوقة يأمنها الشعب على حمل شعاراته. فالأمر أكبر من :"علي وعلى أعدائي يا رب".

2. عندي من الثقة في المنطق الذي أبذل ما يجعلني واثقاً من أن أي واحد من  هؤلاء  لا يملك حجة تخالفني سوى أن يقول للملك عندما يستنصحه في أمر الرسالة : "يا سيدي هذا الرجل يتكلم الصحيح وقد برهن رغماً عنا بأنه أغير على العرش منا رغم ما بينكما من جفاء".

3. إذا لم يستنصحهم الملك فعليهم هم  وكل من يزعم أنه محب للوطن ومخلص للعرش أن يبادروا إلى النصيحة وأن لا يتركوني لوحدي مخاطراً بحياتي دفاعاً عن بلد يزعمون أنهم يحبونه وعن عرش قلبه  رؤساء ووزراء وقضاة وأمنيون وعسكريون إلى صنم للأسف! قد يكون في قلوبهم  مثل صنم عمر ابن الخطاب في الجاهلية ! صنم من تمر!  أكله هو نفسه عندما جاع!.

4. قال لي مضر بدران قبل خمس عشرة سنة عندما أصدرت بياني" الثابت والمتغير" : يا أبو فرحان إن كل ما أوردته صحيح ولكن ألا تريد أن يسمعك اللي فوق؟ فأجبته: كلا! قد قطعت الأمل! وتقصيركم هو السبب ! فسألني كيف؟ فقلت  دعني أدلك على طريقة تخرسني بها أنت ونظراؤك وليس غيركم! فوالله لأسكتن  إن أنت عقدت في منزلك لقاء اسبوعياً  تدعو إليه نخبة من الذين يحبون الوطن حباً لا يمر عن طريق جيوبهم يتداولون في كل صغيرة وكبيرة من شؤون البلد ! فينتبه النظام إلى ضرورة إجراء الإصلاحات التي تنقذه. طبعاً شرط أن لا تدعو للاجتماع  من يريدون القفز إلى  المناصب.

أخي ناصر

أعانك الله على المسؤولية التي أوقظك عليها! إذ أنك قبلت أن تكون أحد أمناء الملك الذين لا يخفون عليه شيء، فليس لك أن تأكل خيرها اليوم ثم ترمي  بشرها غداً على من كتمته النصيحة، وحتى لا تكون سبباً لا سمح الله ولا قدر في أن نسمع يوماً ما قاله بن علي : (أنا فهمتكم اليوم! أنا فهمتكم اليوم! وهنالك من كانوا يحجبون المعلومات عني وسأقدمهم للمحاكمة).

عندما استقبلني الملك الراحل بعد مهزلة النفير قلت له فيما قلت : يا سيدي إنه لشرف عظيم لي أن أكون مستشاراً لجلالة الملك، ولكن بشرط ! فقال لي متعجباً : وكيف ذلك؟ فقلت : الشرط أن لا أقبض على الاستشارة فلساً واحداً والشرط الآخر أن لا توكل إلى من تشرفهم بمقام الاستشارة أية مسؤولية تنفيذية . فهذه شروط المستشار الأمين إن كنت أنا أو غيري. وأكملت قائلاً فلو كنت مستشارك المفتوحة أمامه أبواب المناصب وأطمع في إزاحة وزير أو رئيس لأحل مكانه فإن قربي من أذنك يجعلني أنا الملك في تلك المسألة المحدودة لأنك ستنفذ ما أزينه لك. ألم يصلكم ما قاله الملك المؤسس لرئيس ديوانه فرحان الشبيلات : إن أكثر شخص أحذر منه هو خادمي الذي يلبسني الجبة، إذ يمكنه عند إلباسي الجبة الهمس في أذني بيا سيدي فلان كذا وفلان كذا، فانهره ! ولكن الضرر يكون قد وقع! إذ إن ما ألقاه في أذني لا يمكن إخراجه! فأخرج على الناس وأنا غير سليم الصدر! وأكملت : ألا يكفيني ذلك الشرف العظيم  بكون الملك يلتقي بي بين فترة وأخرى لأخبره حقيقة آراء الناس التي لا يجرؤ مديرو المخابرات على مصارحته بها؟ ماذا أريد أكثر من ذلك؟". إنهم يخافون إغضابه وليسوا كفرحان الشبيلات وزملائه! فعندما تشكلت حكومة سعيد المفتي بغير ما اتفق عليه مع فرحان وآخرين هزؤ الآخرون من فرحان عندما قال سأوقف هذا التلاعب وبقوا في فندق  فيلادلفيا حيث كانت تتشكل الحكومات ينتظرون، فذهب إلى المقر واستقبل على الدرج بمبروك باشا وزارة المعارف فقال: فشرتم! وزارتي هي الدفاع، وكانت الوزارة الأهم المقدمة على الوزارات السيادية الأخرى . وكان الموظف يطبع الإرادة الملكية  على الآلة الكاتبة فطلب مقابلة الملك فقال له سعيد باشا لكن سيدنا مبسوط من التشكيلة فقال له أريد أن أراه. فقال له ولكنه مبسوط جداّ فصرخ فيه فرحان : فليزعل اليوم خير له من أن يغضب غداً! فدخل سعيد إلى مكتب الملك وأخبره بطلب فرحان المقابلة فقال لا داعي! افعلوا ما يريده فرحان فعادت التشكيلة إلى ما كانوا متفقين عليه  في فيلادلفيا.

لم يشأ الملك الراحل أن يأخذ عرضي الاستشارة المجانية المشروطة بعدم تولي أية مسؤولية  محمل الجد وبقي على مستشاريه الذين يسمعونه رأيه هو وليس رأيهم أو رأي الناس. فجاءت المحنة الثانية وسجنت بعد أن كان قد حذرني بحضور خالد الكركي بقوله : هل تريد أن يحدث لك ما حدث سابقاً ولا أستطيع التدخل هذه المرة ؟ كان ذلك عندما تصدرت مظاهرة على باب السفارة العراقية احتجاحاً على قصف الولايات المتحدة بغداد بالصواريخ بعد ساعات من التقاء الملك بكلينتون إذ قلت فيها كيف توجه أمريكا الاهانة إلينا وإلى ملكنا بقصف بلد عربي وهو عندهم. فطلبني فور نزول طائرته في عمان بعد أيام وقال لي : ولكنني تركت مايو وسافرت فقلت له : ولكن حكومتك يا سيدي لم تستنكر واكتفت بتعزية أهالي المصابين!  وقد حدث لي ما حذرني منه ولكن إرادة الله سبحانه وسماحة الملك جعلته يتدخل ! وكيف؟ لقد تدخل بشخصه الكريم رحمه الله ! وعندما شرف سجن سواقة لإخراجي سألني بالانكليزية : where do we go from here? فقلت له : يبدو يا سيدي أنكم ما زلتم لا تفهمونني! لقد أوصاني والدي كما حدثتك سابقاً بأن لا أقرب السياسة لأنها لا تطعم خبزاً (لا يعرف الأردن أي وزير اغتنى قبل السبعينيات) وقد ابتليت نفسك يا سيدي كما ابتليتني بتعييني في المجلس الوطني الاستشاري للمساهمة في تعزيز شرعية منقوصة عند المجلس بتعيين بعض المنتخبين من نقباء وغيرهم! فرفضت التعيين حتى جاءني المرحومان سليمان عرار وجودت السبول ليقنعاني بأن هذا غير لائق معك فقبلت على مضض ، وحتى أقوم بواجبي قمت بقراءة الدستور لأول مرة في حياتي وأنا وقتها ابن الأربعين وبدأت بسذاجة "غوارية"  بتطبيقه كما تفترض بي أمانة المسؤولية وأمانة القسم فاكتشفت أن دستورك هذا غير قابل للتطبيق! وأنت يا سيدي ما زلت لا تفهمني مع أنك تعرف بأن مشربي صوفي، ونحن الصوفية نعتبر شيعة أهل السنة والجماعة لما لآل البيت عندنا من مكانة عظيمة وتوقير لقوله سبحانه وتعالى :" قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى". فقال لي رحمه الله :"شكراً" فأجبته:" لا يا سيدي! أنا لا أتذبذب لك! إنما أخبرك عن شأن من شؤون المعتقد عندي". وأكملت قائلاً: " وقد أمرني الذي أوصى بكم والذي لا أعصيه فيكم ولا في غيركم  بواجب النصيحة لله ولرسوله ولأئمة المسلمين الذين أنت منهم ولعامتهم. لذلك يا سيدي عندما كنت أنصح!….. وعندما سوف أنصح.." فقاطعني طيب الله ثراه قائلاً :"كمان!  كمان ! ما خلصنا؟"

من أجل ذلك بقيت عند من لا يفهمون "ناكراً للجميل" رغم أنني عندما سئلت على الفضائيات في الأيام التالية عن علاقتي بالملك الذي تكرم بالافراج عني ألهمني الله الأدب دون التنازل عن مطالبي بقولي : "لولا أنني أستند إلى جبل من مبادئ لأغرقني في بحر لطفه". هذا هو "ناكر الجميل" "المغرض المندس المدفوع من الخارج". وكأن مصلحة شعبنا وبلدنا واستقرار العرش ليست دافعاً كافياً!

أخي ناصر
سبحان الذي ابتلى كل واحد فينا في موقعه إماماً كان أم مأموماً. وأنت  يا أخ ناصر مبتلى في موقعك المهم هذا فاتق الله وقم بواجبك لحماية المملكة وعرشها وإليك وإلى من يجب أن تكون وفياً مخلصاً له  مقتطف من رسالة الشكر التي أرسلتها بعد محنتي الأولى (فرية النفير المزعوم) في 23-11- 1992 لصاحب العرش والتي لم تنشرها طبعاً صحافة الجبن والنفاق أذكرها كمؤشر للتعريف بأدب ليث الشبيلات الرفيع وإخلاصه لبلده ولصاحب عرشها! هل هو "العدو العميل الخصم المتآمر الذي يكره الهاشميين" لا قدر الله أم هو أحد أصفى من أنجب الأردن سريرة يتقرب إلى سيد ولد هاشم صلى الله عليه وسلم بنصيحة ذريته حتى لا يردوا المهالك  فيهلكون ويهلكوننا معهم لا سمح الله! :

".. والشعب الأردني الذي أشهدكم الله منه يوم عودتكم مشافى معافى بفضل الله ما كنتم دوماً تعرفون من عشق فطري لا تقبل فطرته تلك أن يميل هواه نحو أي شخص تسول له نفسه توجيه كيده نحوك بدلاً من أن يبذل كيده بين يديك…ولست يا صاحب الجلالة بأحرص ولا بأغير على هذا الشعب منك . وليس السبب وراء أي عطف شعبي أكرمني الله به سوى أنني أصبحت أحد القلة الناطقين باسم شكاواهم التي حالت ظروف تعملون اليوم على إزالتها بينهم وبين التصريح بها. ولم أكن يوماً متطلعاً إلى هدف أكبر من زوال عقبات التعبير هذه حتى يعبر الجميع بيسر عما في نفوسهم دون أن يكون ذلك سبباً في تقدم بعضهم على بعض، وشهرة البعض فوق شهرة الآخرين. فقدرة التعبير عن رفض الظلم التي باتت تسمى اليوم "شجاعة" كان تركها في ما مضى يعتبر "نذالة". وإن إعادة البيئة الصحيحة التي فيها تترعرع الشهامة والمروءة  ومكارم الأخلاق لهو أصل الأصول في بقاء نعمة الأمن والطمأنينة التي استقرت بكم . واعلم رعاك الله وأيدك أن من غش رعيتك التي استرعاك الله فقد غشك، ومن خان الأمانة فيهم لا يحول بينه وبين ظهور خيانته لك سوى بأس دولتك. وإنني لأشكر الله على أن جعلني من الذين يخافون أن يحشروا يوم القيامة وهم غاشون لعامة الناس فضلاً أن يكونوا غاشين لآل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم. جنبني الله الخيانتين : خيانة ولي الأمر ، وخيانة الشعب بترك النصح لولي الأمر ، وبترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وثبتني وإخواني المواطنين جميعاً على سراط الدنيا المستقيم حتى يثبتنا على سراط الآخرة المستقيم.  وكل عام وأنتم لنا جميعاً بألف خير

الناصح لكم دوماً

ليث فرحان الشبيلات

إذاً! وقبل أن أسترسل فيما يجب عليك أن توصله إلى من ائتمنك يجب أن أذكر بثوابتي خطياً وبحقائق لا نغش أنفسنا بإخفائها حتى لا يتلاعب الشيطان بعقول أصحاب الهوى المدلسين:

1. موقفي من النصيحة لله أولاُ ولرسوله ثانياً ولأئمة المسلمين (الملك) ثالثاً وللشعب رابعاً موقف شرعي ثابت لا أحيد عنه. ولو أن الآخرين تمسكوا به فلا يتهامسون بالنصائح سراً ويتملقون النفاق جهراً لما أوصلنا بلدنا إلى الحال الذي هو عليه اليوم.
2. لا يخفى على أحد عدم وجود ود متبادل بيني وبين صاحب العرش ، ولاضير عند أهل الرجولة في ذلك فنحن بصدد الشأن العام الأكبر وإن حب الوطن ومصلحته فوق الحب الشخصي الذي إنما يأسى على فقده النساء  ولسنا في معرض طلب النسب حتى نبحث  مسائل الود المتبادل،  إنما نحن في معرض بحث المسألة الأم : استقرار الوطن. أما في مسألة حب الأشخاص وهو أمر بلا شك مرتجى فإن الكبير يكون هو البادئ فيه فترتد إليه نفس المشاعر ومضاعفة. ألم تر إلى قول الله جل وعز (يحبهم ويحبونه) فحاشا أن يحب الله َإلا من بادأه المولى الودود سبحانه بالمحبة. لذلك أؤكد لكل أحمق مغرض غبي ممن يكثرون عند الطمع ويقلُّون عند الفزع بأنني مدرك تمام الإدراك خطورة التلاعب بالعرش أكثر بكثير من أولئك الأنذال الذين كانوا يشتمون "حسين ابن زين" والذين كانوا يرفضون حضور مؤتمرات طلابية إلا إذا رفعت يافطة مكتوب عليها "يسقط النظام الأردني العميل"، والذين داسوا على الجوازات الأردنية والذين كنا نعاني منهم في شبابنا في الجامعات حيث كنا في رأيهم من عائلات النظام ومن بيوت وزارة "عزال المجاري", فإذا بهم اليوم وقد قلبتهم الجعالات والأعطيات يتهموننا بأننا أعداء للنظام (فمبارك للنظام مثل سقط المتاع هذا إذ سلم كثير منهم وزارات وإدارات أمنية ومخابراتية وما إلى ذلك). فسبحان مغير الأحوال! أصبحوا اليوم يتغنون بمآثر هزاع  بعد أن غسلوا اسمه من مجاريهم النجسة ! وأصبح عدوهم اللدود بالأمس وصفي رمزاً من الرموز التي ينظرون علينا فيها ( كمن يبيع الزيت لأهل نابلس) ( وقد نشأ كاتب هذه السطور في تواصل عائلي مع أقرب الناس إلى والده يومها هزاع بالدرجة الأولى. كما لم يكن وصفي بعيداً إذ أصر الوالد على طلبه من سمير الرفاعي ليلتحق به مستشاراً في سفارتنا في ألمانيا منتقلاً من ضريبة الدخل، ولم يرد سمير باشا أن يغضب الوالد وجهاً لوجه فأرسل له مع الفاضل سعد الدين جمعة ينصحه بعدم التمسك بوصفي لأنه "سيخونه كما خان معلمه السابق" على حد قوله فأصر عليه فالتحق بألمانيا وكانت فرصة لي كشاب أن أتعرف عن قرب عليه إذ لم يكن في السفارة الصغيرة سوى فرحان ووصفي! وساهم استماعي لنقاشاتهم فيما اتفقوا أو اختلفوا عليه في إنضاج عقلي ووجداني.

3.  فالأردن الذي أحب يحتاج إلى استقرار والاستقرار يحتاج إلى عرش مستقر بغض النظر عن المشاعر التي نتبادلها مع الجالس فوقه. فحب الأردن ومصلحته يتقدمان على العواطف. والعرش يحتاج إلى حماية واستقرار: حماية من كل من يتعرض له بالأذى إن كان من الخارج، أو من الداخل، أو ممن هم حول العرش ، أو حتى من صاحب العرش نفسه والذي يجب أن يدرك أن كل تصرف يصدر عنه إما أن يعزز ويثبت العرش أو أن يعمل على جرف الأسس القائم عليها. وقد يتعجب البعض متسائلاً : أيعقل أن يؤذي صاحب العرش عرشه؟ والجواب بالطبع هو بالإيجاب. ألا يؤذي المدخن نفسه وهو مدرك؟ ألا تؤذي الخمرة شاربها وهو مدرك ؟ ألا يعلم المدمن على القمار أنه في النتيجة مهلكة ومذلة تودي إلى رهن السيارة والباخرة والطائرة …والبيت و.. ؟

4. والسؤال الذي يليه : هل يحق لصاحب العرش أن يؤذيه بما لا يحق لأحد أن يتدخل فيه؟  فلو افترضنا جدلاً أن المدخن وشارب الخمر والمقامر يتصرفون في خصوصياتهم (مع أن الشرع الشريف يعتبر ذلك عدواناً على المجتمع)  فإن العرش ليسً شأناً خاصاً بالملك بل إنه لنا جميعاً لا من حيث الجلوس عليه طبعاً بل من حيث أهميته لاستقرار بلدنا وحياتنا. فالمحافظة على العرش ليست تملقاً لملك بل إنها واجب لضمان الاستقرار. وفي هذا فإننا كلنا مسؤولون عن هذه المهمة وعلى رأس المسؤولين عن المحافظة على العرش هو صاحب العرش نفسه.

وبالنتيجة المنطقية التي لا يستطيع أحد أن يفندها وبالاستناد إلى تراث معارض حميد مستمد من تراث وسيرة عطرة لوالد عروبي حتى النخاع، مخلص لبلده حتى الكبد الذي توفي بسرطان فيه، معارض لسياسات كان يراها مضرة بالبلد وعرشه ورثها لأبنائه غيث وليث وطلال الذين نصحهم بالابتعاد عن السياسة لأنها لا تطعم ، فابتلى الله سبحانه ليثاً من دونهم باقحام الملك الراحل رحمه الله له في المجلس الوطني الاستشاري؛ ذلك الابتلاء الذي فجر المخزون الصادق لهذا الميراث النبيل ،نعم! بالنتيجة لا يستطيع أحد أن يدعي أن أفضل مديري المخابرات الذين مروا على الأردن يتقدمون علينا في غيرتهم على المملكة و على عرشها بل إنني وبكل ثقة وبما سيرد لاحقاً في هذه الرسالة سأبرهن بأن لا أحد من المخلصين منهم يستطيع أن يخالفني في المواضيع التي أذكرها بل إنني أسجل على كل واحد منهم بأنني سابق لهم في التصريح لصاحب الأمر بما يجب أن يعرفه مما يعرفونه جيداً جيداً! واحداً واحداً! ولا يجرؤون على مصارحته به لأن الإخلاص عند بعضهم يتوقف عند عدم الإغضاب.( مات يوماً عزيز على الملك المؤسس فتدافعت الحاشية هرباً من مسؤولية نقل الخبر له ! فقال وجيه شركسي أنا أخبره فدخل عليه وقال : سيدي! قال له ماذا؟ قال له : فلان! فقال له : مالو؟ فقال له : شوي مات!)  أما الإخلاص عندي والذي أقسمت عليه قسماً شبيهاً بقسمهم وهو قسم ما زال ملزماً لي إنما يتمثل في قول الحق رغم أني لم أنافق الشعب برفض القسم إلا بإضافة "في طاعة الله ورسوله" عليه . فالقسم ليس قسماً بالعبودية وإنما بالإخلاص ! وبئس الإخلاص الذي لا طاعة فيه لله ولرسوله وهي طاعة ملزمة لنا ولمن أقسمنا على الإخلاص له. فأنا سابق لهم بدرجات مع تواضعي لكل من  سأءتمنه منهم على نسخة من هذه الرسالة المصنفة  "بالمكتوم" عسى أن يستشيرهم صاحب الأمر فيها .

ولا يكتمل الأمر والحال هذا إلا بسرد عن علاقة فرحان بالقصر حتى يعي الملك الشاب نوعية تلك العلاقة "فلا يطيع الوشاة فينا ولا يزدرينا" فإننا لا نهدد ولن" نملأ البحر سفينا" بل نصبر ونكابد! وحتى لا يسمح لنفسه ولا لأحد من متملقيه بأن " يتوعدنا وبأن يهددنا" فينفذ وعيده كما في بيتنا عام 2001 ، وكما في فرن صلاح الدين عام 2009 فنحن لا  نقبل أن "نكون لأحد مقتوينا". فلنا الصدر دون العالمين! أو القبر!

كان الملك المؤسس رحمه الله يحب فرحاناً ويقدر صدقه ورجولته ويتفهم مخالفته لبعض سياساته الرئيسية ورغم معرفته بتلك المخالفات اطمئن إلى أمانته وإلى أنه ليس من الذين يغدرون ويتآمرون. فقال يوماً لبعض من حوله:"أنا ملك  وفضلاً عن كوني ملكاً فأنا شيخ كبير السن وإنني أعلم بأن بعض أقربائي وحاشيتي يتجاوزون ولا يسمح لي مقامي ولا سني بالاستمرار في نهرهم ؛ أريد رجلاً عندي يشكمهم! هاتوا لي فرحان!" وكان فرحان سفيراً في الهند، فحضر خلال يومين أو ثلاثة فقال له الملك مازحاً :"ما هذه السرعة؟ غيرك تأخذه السفرة (في ذلك الوقت) بضعة أسابيع. أحباً فينا؟ أم كراهة في الهند؟" فقال له:"  يا سيدي إن غيري يطيل السفر ليستفيد من المياومات". فقال له :" باشا! أنت الآن رئيس ديواني!". ومع أن النصيحة كانت تغضبه في بعض الأحيان إلا أنه كان يعمل بها بعد أن يبرد غضبه.وكانت الرهانات في كل مرة تؤكد بأن فرحان زادها وأغضب الملك وهو بكل تأكيد "طاير" إلا أن العلاقة كانت تقوى حتى إنني أذكر بأن سائقنا كان يحدثنا بأنهم في الخارج كانوا ينتظرون أن يخرج فرحان من الباب مطروداً أو معتقلاً ليتفاجؤا بالملك عبد الله خارجاً متأبطاً ذراع فرحان يضاحكه ويداعبه. مرة وهو سفير في لبنان أملى الملك رسالة إلى الشيشكلي أو حسني الزعيم (أحدهما لا أذكر) وكان قد قام بانقلاب عسكري في سورية وفيها" عليك يا بني بالوحدة العربية" فدخل فرحان عند الطابع وطلب منه شطب كلمة يا بني , فخاف الكاتب خوفاً شديداً فقال له فرحان لا تخف أنا أتحمل المسؤولية. وعندما تليت الرسالة على الملك وكان فطناً بليغاً غضب قائلاً : " من الذي غير في كلامنا" فامتقع وجه الكاتب فقال فرحان:أنا يا سيدي ! فقال الملك غاضباً : كيف تسمح لنفسك بذلك؟" فأجابه:" أنا أدرك صدق نوايا جلالتكم ولكنكم تخاطبون ضابطاً شاباَ أصبح فجأة رئيساً لدولة وأنت قصدت التحبب له بقولك يا بني ولكنه سيفهمها تصغيراً وتحقيراً ! فهل هذا ما تريد؟" فسكتت غضب الملك وقال:" نصحتنا! نصحتنا!". ثم أوكل له توصيل الرسالة وهو في طريقه إلى مركز عمله في السفارة في بيروت. فلما قابل الوالد الرئيس السور ي الجديد وتبينت له عقليته قرر أن لا يسلمه الرسالة وأكمل سيره إلى بيروت ثم أرسل رسالة إلى الملك يسرد عليه ما جرى وكتب في آخرها " وبالنتيجة وجدت  أن الرجل غير جدير برسالتكم". فاستشاط الملك غضباً وهو يقول:" من هذا الذي يعلمنا لمن نرسل رسائلنا؟" فسارع منافقو الحاشية بالقول:" يا سيدي إن حلمك أطمعه حتى بات لا يعرف حده" فدخل الملك إلى مكتبه وغاب مدة ثم خرج وهو يكرر رحمه الله :" يرى الحاضر ما لا يراه الغائب! يرى الحاضر ما لا يراه الغائب" فرددت الحاشية مقولة الملك وراءه مثل الببغاوات.

وكان الملك يعرف جيداً موقف فرحان من اليهود والانكليز فيقول له مداعباً متهكماً :"يا وطني! يا وطني! عدوك الانكليز قبل اليهود! ماذا نفعل وهم الذين يزودوننا بالفشك؟ ولانصاف الملك أروي ما سمعته من الوالد أنه حضر من بيروت مرة عندما كان فيها سفيراً  فسأله الملك:" ما هي أخبار بيروت يوبا؟ (وكان كثيراً ما يناديه ب"يوبا" تحبباً) فتجرأ وقال له :"ليلة أمس خرجت وأم غيث من سينما دنيا وإذا ببائع لـ "البيرق" وهي صحيفة مسائية لبنانية ينادي :"الأمير طلال يصفع سمير الرفاعي ويشتم غلوب". فأطرق الملك رأسه ثم رفعه وقال :" يا ريت! أما سمير فأسترضيه وأهديه علبة سجائر مذهبة , وأما غلوب فأقول له : ها! قدرتو عهالختيار! شو تقولوا بهالشباب؟"وكما ذكرت كان رحمه الله يقبل النصيحة فمرة دارت الحاشية برأس الملك عن ضرورة تغير الصينية التي يقدم فيها الشاي وشراء صينية ثمينة بـ 18 ديناراً (في ذلك الوقت) فوافق! ثم نظر إلى وجه فرحان المقطب وقال له :"ما عندك؟" فأجاب "لا شيء يا سيدي" فقال له "تكلم! في عيونك كلام!" فقال له" يا سيدي! أنا أعرف شوفير في عمان اسمه….. يستطيع أن يشتري صينية من الألماس! لكنه يبقى شوفيراً!" فقال الملك :" نصحتنا والله! خلونا على صينيتنا!" .واستشهد الملك وليس في خزنته التي كان فرحان أحد الذين فتحوها إلا دنانير لا تصل إلى المائة. أعطى يوماً ورقة لعلي بك مسمار قلعة العدالة الأردنية يوصيه بالاسم المكتوب فيها. فوضعها مسمار في جيبه ، ثم ركب هو وسليمان باشا سيارتهما مغادرين فما كان منه إلا أن أخرج الورقة من جيبه وألقاها من النافذة! فقال له سليمان : علي بك لماذا؟ فأجابه رحمهما الله " خفت أن أظلمه!" ولا أشك أن والدك الفاضل يذكر جيداً أن شقيقايا التوأم إنما تمت تسميتهما بطلال وزين بطلب من الأمير طلال والأميرة زين يومها. هذا بعض علاقة عائلتنا بالقصر, علاقة إخلاص تمنع الانحراف له أو عليه.

أما نظرة الملك المؤسس لعلاقة الأشراف بالأردنيين فتدل عليها الروايتان التاليتان . نادى رئيس البلدية هزاع المجالي وقال له غاضباً سمعت أنك عينت الشريف فواز في البلدية (وللانصاف كان الشريف فواز مبدعاً في العمارة والفن رغم أنه لم يكن مهندساً وهو الذي صمم الميضة في ساحة الجامع الحسيني الموجودة حتى اليوم. ولم يكن في الأردن أصلاً وقتها مهندسون يتجاوزون عدد أصابع اليد) فقال له أبو أمجد: يا سيدي نحن نستفيد منه فعلاً ولم أعينه تملقاً! فقال له مقولة تأسيسية خالدة :"إن الشعب الأردني فقير ولا يحتمل أكثر من شريف واحد، إعزله وليذهب عند أقربائه وأقربائنا في العراق".  ومما سمعته منه أن صديقهم الشريف حسين الذي أصبح لاحقاً بعد سنوات رئيساً للوزراء لم يكن عنده ما يعيله ، فقال هلكنا ونحن نرجو الملك أن يعينه في منصب يدر عليه دخلاً فقبل أخيراً وعلى مضض أن يعينه في منصب جانبي سفيراً في تركيا لأنه يتحدث التركية ، وأضاف الوالد قائلاً وهذا أقصى ما كان يطمح أن يصل إليه أحد الأشراف في الدولة الأردنية زمن الملك المؤسس. وعلى ذكر الأشراف ، عندما زار الملك حسين واشنطن بعد حرب حزيران التقى هو والوفد الأردني بالسفير الأردني  فرحان الشبيلات وكبار موظفي السفارة في منزل السفير وكان من ضمن الوفد  أحد أنبل الأشراف عبد الحميد شرف وكان وقتئذ وزيراً للإعلام، فانطلق فرحان كعادتهه ينصح الملك بلسانه المعهود؛ فانتحى الشريف عبد الحميد به جانباً وقال له:" أيوه يا باشا! أسمعه مثل هذا الكلام الذي لا يسمعه في عمان! فما كان منه إلا أن قال للشريف :" إخس عليكم ! ما فيكم زلام في عمان؟  كلما أردتم أن تنصحوه فحطوه في الطائرة وابعثوه لي !

حتى نجنب المملكة وعرشها ما جرى في تونس

قد يكون الشارع في غيبوبة تخديرية للأسف فيما يخص الأطماع الصهيونية العلنية الوقحة التي لا تواجهها حكوماتنا إلا  بأذل مما يمكن أن يتخيله الناس! وقد يكون غير متحرك كما يجب فيما يخص حصارنا على غزة للأسف  وقبل ذلك العراق وغزوه، وفي ما  يخص اختيارنا التعامل مع الجهة الفلسطينية التي يهدد مشروعها الأرض الأردنية والشعب الأردني واستقرار الأردن، مخاصمين الجهة الأخرى التي تنقذ شعاراتها الأردن من أي توسع صهيوني أو تراتنسفيري ، وقد.. وقد.. وقد…  أما في مسألة الجوع! أكرر! أما في مسألة الجوع! فإنه أكبر منبه للمخَدَّرين! الذين لن يخسروا في تحركهم سوى جوعهم والأغلال الأمنية السياسية التي تكبلهم. وإن الطريق المسدود التي يقودنا إليه فسق الحكومات التي ترتع في خيرات الشعب  لهو طريق الفقر والبطالة وظلم الناس في الأرزاق والحريات وغيره. فالجوع  كافر! وعندما ينفجر الشارع قافزاً فوق معارضة هلفوتة تافهة ، جسم هنا وعين على المناصب هناك،  فإنه سينتقل خلال أيام من شعارات اجتماعية اقتصادية إلى الشعارات السياسية ثم إلى النظام، ثم إلى رأس النظام! ومن حق الشارع عندها أن يدوس على أمثالي الشبعانين الذين لم يضحوا بما يكفي دفاعاً عن لقمة عيش أبنائه أولاً، قبل أن ينتقل إلى من هم أصل مصائبه.

ولما كنت مطلعاً على أوضاعنا الاقتصادية التي لا تبشر بخير والتي لا يستطيع أحد أن يرينا كيف سنستطيع أن نمنع انفجار الجوعى وتدفئة العريانين فيها، فإن الاجراءات الانفعالية المؤقتة لن تنفع حتى كمسكن  إذ هي على حساب الموازنة التي تغرق في العجز. نحن  لم نتعلم من انتفاضة معان المباركة عام 1989 ووعدنا الشعب بمحاسبة المفسدين وكان الشعب يرفع أسماء المفسدين الذين يشكو منهم عالياً. فإذا وبقدرة قادر تسببت السياسات "الحكيمة" التي أصرت ضمناً وجهراً أن الحراك إنما كانت بسبب خارجي وبسبب "مندسين" إذا بتلك السياسات التي جاءت بديموقراطية تافهة مزعومة، كنت أحد التافهين الذين شاركوا فيها، تعلن للشعب "الجاهل" أن المنقذين ليسوا إلا أولئك الذين شكا منهم. وإذا  بالديموقراطية الكاذبة تأتي على رأس ممثلي الشعب في النواب والأعيان برمزين من الرموز  التي كانت المظاهرات تطالب بمحاسبتهم بالاسم زيد الرفاعي وعبد الهادي "آودي" كما كانوا يسمونه. وإذا بالذي ترأس لجنة التحقيق النيابية هو وصديقه الفاضل "المتآمران" اللذان حكما بالإعدام، مُنّ عليهما بعدها بعفو عام شمل بعموميته كل المجرمين الذين عاثوا فساداً من قبل. وإذا بالمرة تلو الأخرى أحاكم إما بإطالة لسان أو على أنني "مندس" يتآمر على هذا الشعب وكأن الحكومات أبقت في زحمة تآمرها عليه  مكاناً لنا لننضم إلى المتآمرين. وقد كشفت الداء منذ أول خطاب سياسي ألقيته في موازنة 1983 حيث ركزت على خطورة المديونية (رغم تفاهتها يومئذ) ثم التحذير من ثورة اجتماعية لا تبقي ولا تذر في خطاب حجب الثقة عن زيد الرفاعي وخطاب موازنة 1986 ، ثم كشفي ورياض النوايسة أن المديونية ليست مليارين كما اعترف وزير المالية تحت بداءة ضغوطنا بل ثمانية ملايين دولار عندما أجبرناه (ومعظم الآخرون نيام) في  نهاية الأمرنفسه على الإقرار.   ومنذ 1987 بدأتً بمطالبات إزالة التشوهات الدستورية وبتسمية أمور كثيرة بمسمياتها وأملت من كل قلبي أن ينضم لجهودي زملاء عديدون غير الفاضل الدكتور رياض النوايسة وبعد ذلك الفاضلة توجان وبعض نظرائنا الآخرين  إلا أن جهودي باءت بالفشل للأسف فانسحبت محتجاً على المعارضة العيية غير مبرئ بالطبع الحكومات التافهة التي تتابعت. وكانت نظريتي لمن خذلوني : عيب علينا ! لا نريد للشعب أن يضطر للتظاهر والتكسير والتضحية بأبنائه بينما نجلس في فنادق النجوم الخمسة ننتظر دورنا كـ"منقذين" مزعومين، نعيد انتاج الظلم بتغيير الطواقي وتغيير المنتفعين الناهبين للخيرات.وجلست في البيت لا حول ولا قوة لي منتظراً بخوف وبغير شوق ما كان يجب أن يراه كل من يدعي أنه زعيم : أن الشعب عندما ييأس سوف يكفر بي وبزملائي التافهين أولاً ثم يكمل غضبته على جذور الظلم التي كنا ديكوراً ديموقراطياً له.

عام 1990 قلت للملك الراحل رحمه الله : يا سيدي! لقد انتهى منذ أكثر من عقد من الزمان الذي تطالب فيه المعارضات بتغييرك وتغيير نظام الحكم ، ولقد تأخرنا كثيراً في مأسسة هذا الوضع! يجب أن نمأسس من أجل أبنائنا وأبنائك! فقال لي :لا ! لم نتأخر! وعام 1992 بعد "النفير" " قلت له: يجب أن تبقى أنت فوق الجميع وللجميع  رمزاً للسيادة وللعلم وللدستور لا تقحم في مواقف مواجهة لأية فئة من المواطنين لصالح أخرى. البلاد تحتمل وبشكل صحي جداً أن يسقط رؤساء وزارات بعد أن يعطوا ما عندهم ثم يولوا إلى غير رجعة ولكنها لا تحتمل تغييرالملوك. نحن فداك وفدا الوطن فليسقط منا واحد  تلو الآخر دونك ! ولتبق أنت رمزاً لتماسك الوطن ورمزا للدستور والقوات المسلحة التي تقوم بواجب الدفاع عن الوطن. وفي حديث السيارة من سواقة إلى عمان قلت له: "إن الرؤساء الذين تأتي بهم ثم تطردهم يشتمونك بمدح في معرض الذم: يكتبون في خطابات استقالاتهم:" وما كنت يا سيدي إلا عبداً من عبيدك! سهماً من سهامك تضعني حيث تريد! إلخ إلخ.. ! إنهم إنما يقولون لك : " الحق عليك!" "وأنت المسؤول الحقيقي!" "إن أماثلنا يا سيدي يرفضون مثل هذه الدناءة ونتحمل فشل أية مرحلة دونك ! وإن صدورنا دونك ودون شعبنا" فكيف ترضى أن يرموا بالحمل عليك ؟" فقال لي رحمه الله:" هذا قدري!"

لقد أصرت السلطة السياسية أن تهدم الزعامات الأردنية الصلبة التي  هي له وليست عليه  فتلاعبت بالركن الأول والأصيل من النظام:  النيابة الحقيقية التي تمثل الشعب المبايِع على حساب تضخيم الركن الثاني الذي لا يمكنه تحت أي ظرف من الظروف أن يحمل البلاد لوحده. علماً بأنه ليس مختصاً بحمل البلاد بل بحمايتها وحماية دستورها وحدودها ،يراقب بالقَسم الذي أقسمه زعماء يصنعهم الشعب يتداولون على خدمته . فبلد مثل بلدنا ما زال طور التأسيس منتقلاً من تجمعات عشائرية إلى دولة مركزية ، بلد محاط بالأعداء الذين يعلنون نيتهم ابتلاعه وطرد مليكه يحتاج إلى زعامات وطنية صلبة بعضلات قوية تحمله، لا إلى مخاتير أحياء يحتلون مواقع الركن الأول من النظام، مع كامل الاحترام لإخواني المخاتير ومهماتهم في مواقعهم وأحيائهم. ولا يكون ذلك إلا بإعطاء كل جهات الوطن حقاً في مقاعد نيابية على أن تشارك الأمة كلها في اختيارهم وليس فقط أحياؤهم أو عائلاتهم، وعلى أقل تقدير تشارك محافظاتهم بالكامل في اختيارهم كما كان الأمر عليه حتى1989 ، ذلك ليكونوا زعماء وطن يعملون على بنائه وحمايته ويحملون فوق رؤوسهم الركن الثاني للنظام الذي هو رمز الدستور والعلم والعزة والذي هو أمين على مصالح الشعب يراقبها ويحرسها ممن ينحرف من هؤلاء أوممن ينبثق عنهم! ويعيد التوازن لأجهزة التنفيذ والقضاء وغيره كلما مالت . إنه الربان الذي يقود السفينة ببوصلة الشعب. وحتى القضاء تم التلاعب فيه فبعد أن كان قضاء يتعجب الغرب من وجود مثله في بلد فقير صغير (الخمسينيات) أصبح وضعه مرعباً. سألني عنه الملك الراحل في رحلة الإفراج ووافقني حول توصيفه وسؤ وضعه. دون جدوى. قلت له على باب سجن سواقة عام 1996: السجن مدرسة يا سيدي : لقد ذهلت من المظالم التي تعرفت عليها! هل تعلم  بأن الذي يرسل زوجته أو ابنته إلى قاض يحكم ببضعة شهور أو سنوات بينما يؤبد من لا يفعل ذلك في نفس القضية ! فلم يتعجب رحمه الله وسألني : " ألا تعتقد يا سيدي ( وكان بأدبه الرفيع يسِّيد كل من يحدثه، شرطياً بسيطاً كان أم زعيماً) أن الحصانة  سبب في فساد القضاء؟ فقلت له : إن الحصانة على أي شخص يتصدر للعمل العام مفسدة.   فعلى من يتصدرللعمل العام أن يعلم بأن من  حق المواطنين أن يتكلموا في كل خصوصياته  باستثناء الطعن في أعراض الزوجات والبنات فقط !  ومن لا يحتمل ذلك فليتنح وليريح وليستريح" فأصدر بعد أسبوع الرسالة الملكية لإصلاح القضاء التي أجهضتها الحكومات فلم نر لها أي أثر إيجابي للأسف  . سألني في السجن قبل الخروج. فقلت له عن ماذا نتكلم يا سيدي؟ : عن السياسة الخارجية ؟ سنختلف! أم عن الوضع الداخلي؟ إن الوضع الداخلي سيئ سيئ سيئ وكررتها عدة مرات أخرى فقال لي: لا يا أخي! لا يا أخي!  نريد أن نصلح فقلت: يا سيدي! أخشى أن الأمور قد تخطت نقطة اللاعودة . اليوم يوجد طبقتان فقط في الأردن :غنى فاحش فاجر وفقر مدقع كافر! لم نكن هكذا يا سيدي في الخمسيتيات والستينيات . كان الوزير وغيره يجلسون على كراسي القش على الرصيف أمام دكان أغنى الأغنياء يشربون الشاي مع السائقين والعاملين في المحل. لا "يكسر أحدهم عين" آخر بالمظاهر الفاجرة لثراء جنوني. كان حسين أبو الراغب الغني وكذلك صبري الطباع مثلاً يلبسون القمباز مثلهم مثل من حولهم لا فرق بينهم سوى أن قماش قمبازهم من ال"هيلد". أما اليوم فانظر يا سيدي إلى القصور من عمان إلى العقبة إلى الغور في الوقت الذي يثور فيه الجنوب على الخبز."  قال لي سنصلح بكل تأكيد وأريد أن نلتقي عدة مرات! فلم يحدث!  كان هذا هذا عام 1996! فماذا نقول عام 2011 وقد امتلأت البلد بأثرياء لا أصول  لثرواتهم الفاحشة، جمعوها  بالنهب والسلب والتلاعب بأقوات الشعب ومصالحه.

أنا لا أقترح اقتراحات تمنع هبوب العاصفة الاقتصادية الاجتماعية فإنها قادمة لا محالة! وكل من لا يرى ذلك فاقد للبصر وللبصيرة ! وإنما سأنصح، وربما في الوقت الضائع ، آخر نصائحي كمخلص يرفض أن يرى شعبه في الشوارع بسبب من تقصيره وجبنه في التصدي للظلمة الغاشين لشعبهم ولقائدهم والذي لا  نتمنى أن نسمعه يوماً ما يخاطب شعبه بـ "لقد فهمتكم اليوم"!  من أجل ذلك كانت ضرورة أن تكون هذه الرسالة مكتومة، آثم  من يعممها أو ينشرها في غير أوانها ودون إذني إلا في حالة  تصعيد الاعتداءات علي سجناً أو ضرباً أو اغتيالاً إذ تتحمل السلطة الحاكمة وحدها تبعات حماقتها.  ففي الوقت الذي لا أقبل فيه أن أكون شيطاناً أخرساً بالسكوت عن الحق، إلا أنني وأنا " الحاقد العميل المندس الناكر للجميل" أرفض أن  أكون شيطاناً أكبر يشمت فيمن دأبوا على مخاصمته فيفجر البلد بتعميم هذه الرسالة  بسبب من "أحقاد شخصية" إن هي وجدت عنده أصلاً ، وتعلمون أنه لو قررتعميم هذه الرسالة بالنشر فإن ذلك أسهل عليه من شربة ماء لا يرف له  فيها جفن ! ولكنها المسؤولية أمام الله وليس أمام محكمة أمن للدولة التي يترأسها من أثبتت الوثائق المسجلة في النظام القضائي الألماني عام  1992 بأنه أدار مع شاهد الزور تمرينا حيا للتزوير قبل يوم من الجلسة!   نعم!  ليس هنالك موضوع سأذكره لاحقاً لم أصرح به  فيما سبق على الفضائيات دون فائدة. فليس هنالك من جديد عندي، وإنما ،وفي هذا التوقيت المتفجر، فإن الهمس بهذه النصيحة إنما يدل على نبل  وحس عال  بالمسؤولية وعلى ترفع فوق ما يعتبر صغائر أمام مصير بلد بكامله.
إني خائف بل ومرتعب! ماذا سيحل بهذا الوطن أو مما تبقى منه. هل في هذا أي كلام انقلابي ؟ أم إنه يجب أن يكون كلام دائرة الذكاء، الفاقدة للذكاء، الملتهية بتوجيه القبضات إلى أبناء الشعب ، في الوقت الذي لم تفلح فيه، وإن شئت فقل لم تنو فيه، أن تكشف شبكة جاسوسية صهيونية واحدة في أهم ساحة مستهدفة في برامج الاحتلال الزاحف يومياً ، الساحة الأردنية . في الوقت الذي يؤلف "ذكاؤها" قصصاً ساذجة عن خلايا إرهابية مزعومة لا يطمئن إلى كشفها سوى الأمريكي والصهيوني الذي انتهك سيادتنا بوجود حتى الFBI  على أرضنا، ناهيك عن الCIA  والموساد. ولكن دعنا نؤجل هذا الكلام إلى وقته إن كتب الله لي العمر! ولنعد إلى المسألة الداخلية.
إذا أصر جلالته على الاستمرارفي نهج اختيار الحكومات ورؤسائها  بحيث لا يشاور فيها أحداً ولا يدري المواطن متى ومن سيكون رئيساً قادماً للحكومة  في جو من إشاعات أشباه رجال منتظرين حظهم السعيد قرب الهاتف عسى أن يستدعوا إلى الديوان! بدلاً من أن ترتعد فرائصهم من عظم المسؤولية ، فإن الشعب ليس غبياً ليعلم من المسؤول عن مصائبه إن تفجر الأمر لا سمح الله. وهنا تكمن المصيبة العظمى التي أثبتت الأيام أنني ومن قبلي والدي وكثير من زعماء جيله شاركوه في النصيحة (انقلب معظم أبنائهم للأسف على خطى أبائهم العطرة) هم أحرص على النظام من كل من ادعى الحرص وسكت عن الحفر تحت عرشه. ومرة أخرى واحياء لسيرة والد لا يعرف الجيل الجديد عنه شيئاً بل يعرفون عن "أبطال" برامج شاشات اللهو أكثر مما يعرفون عن رجالات الأردن العظماء من أمثال حسين الطراونة وزملائه ومن تبع مدرستهم أذكر مقولة للوالد عند تأخر تشكيل إحدى الحكومات:" الله يطول عمر سيدنا! لا يمكن أن نغلبه! نتشارط حول من يكون صاحب أتفه شخصية في الأردن ! فإذا به أطال الله عمره يختار أتفه ممن رست عليه رهاناتنا ليكلفه"!  ولما تأخرتشكيل الحكومة أياماً قال: "طبعاً ستتأخر! إن المكلف يبحث عن بضعة عشرة شخصية أتفه منه ليسميهم ويجد صعوبة بالغة في ذلك!" وقال مرة للملك الراحل: لقد كلفت فلاناً بتشكيل الحكومة يا سيدي، وقد كان هذا بمثابة الصبي الذي يخدمنا، نقول له يا فلان روح هات لنا صحن حمص! وهات لنا صحن فول! ولا بأس في أن يكون الإنسان عصامياً فيرتقي من خادم إلى رئيس وزراء. لكنك يا سيدي فشلت في رفع نفسيته من نفسية خادم إلى نفسية رئيس وزراء فأتيتنا برئيس للوزراء بنفسية خادم!"

إن اختار الشعب رؤساء وزاراته تحمل هو المسؤولية وبقي الملك حفظه الله فوق المسؤولية يبدل الرؤساء حسب رغبة الشعب الذي هو سيدهم وليس عبدهم الذليل. وإن انفرد الملك بتكليفهم دون شورى حقيقية راسخة فلا يوجد إلا مختل عقلياً لا يعرف أين تقع المسؤولية عندما يعجز الرؤساء عن إطعام الشعب ويستمرؤون إهانته واضطهاده . هل هذا كلام "مغرض مندس عميل مدفوع من الخارج" ام إنه كلام وطني يغارعلى عرش بلاده "مدفوع من الداخل" ، من مصلحة شعبه ويناضل من أجل سعادة شعبه ، شعب كل مسؤوليه محصنون من الشرطي إلى الوزير إلى القاضي إلى الملك فيما عداه هو.

وأخيراً قد يعتقد بعض من لا يفهم إلا المصلحة الدنيئة أن كاتب هذه السطور يطمح في القفز إلى المسؤولية التنفيذية، فوالله لو كان لأحد الصالحين شهوة في تذوق لحم الخنزير لكانت لي شهوة في ترؤس مثل هذه الحكومات التافهة الظالمة الحارسة للناهبين.

1.في عام 1994  قلت لنائب الملك الأمير الحسن  في لقاء مبثوث على التلفاز الرسمي إن الفساد يا سمو الأمير يجري تحت الرعاية. (ارجع إلى التلفزيون الأردني لقاء نائب الملك بالفعاليات الشعبية 1994 وان شئت أرسلت لك النص كتابة). فماذا نقول عام 2011 . هل تعتقدون أن الشعب لا يعرف؟

2. عندما علمت باللغم الذي وضعه علي أبو الراغب ونائبه فارس النابلسي تحت العرش بتسجيل  أراضي الخزينة بالاسم الشخصي للملك خرجت مؤقتاً عن اعتزالي في شهر خريف 2001  بعد أن انفجرت مواطنتي الصالحة فلم تحتمل سكوت مدعيي الإصلاح إذ لم أسمع أحداً يتذمر من الأحزاب أو النقابات أو الشخصيات العامة القيادية فيما عدا  نفر قليل غير منتم لأي حزب ، منهم توجان التي حوكمت على جرأتها بينما ما عادت المحاكمات تجدي معي نفعاً فأرسل لي من هددني سابقاً  زمرة من ال thugs  قاموا بتكسير سيارتي. واتهم الأمن العام ابني بفعل ذلك وهددني "طيب الذكر" العميد بشير المجالي مدير شرطة العاصمة بتكسير رأسي في المرة القادمة إن أنا تكلمت على سيدنا!! فقلت له هذا اعتراف واضح بأنكم أنتم وراء المرة الأولى هذه! فقال لي الفصيح : لا تضع كلاماً على لساني! فهل تعتقدون أن الشعب إذا صعد تحركه يوماً سينسى أمر الأراضي هذه تسجيلاً وبيعاً؟  يخطئ من يدعي بأن نصيحتي تأتي على شكل علني غوغائي: ألم تقرأ رسالتي لوزير الداخلية بعد الاعتداء علي حيث ذكرت بأنني ذهبت لزيارة رئيس مجلس الأعيان زيد الرفاعي طالباً منه أن يغار على العرش وأن ينصح الملك بشأن خطيئة تسجيل أراضي الخزينة باسمه شخصياً وأن علي أبو الراغب قد غشه متأملاً أن يؤبد في رياسة الحكومة ، فخرجت من عنده كما كتبت في الرسالة وأنا أرثي لحال الشعب الأردني على مثل هذه القيادات. لقد تأخر التجاوب مع نصيحتي ولذا قبل أن يصل الشعار يوماً إلى الشارع حيث اللاعودة فإن على الديوان الملكي العامر أن يصدر بياناً يعلن فيه إعادة أملاك الخزينة إلى الخزينة وكذلك الأموال التي جنيت من بيع بعضها. فهل هذه نصيحة غوغائي أم إنها نصيحة مخلص لاستقرار العرش إخلاصاً لا يرقى لجزء بسيط منه حامي الأمن الوطني مدير المخابرات العامة، ولا أي أردني علم وسكت!

3.  الشعب يرزخ تحت الجوع والملك يمضي ما يقارب النصف السنة في السفر خارج المملكة بتكاليف مذهلة (نقل لي رئيس حكومة سابق رقم المياومات الملكية الذي لا يصدق)  وكذلك سفرات الملكة  غير نفقات تشغيل وإدامة وثمن أكثر من طائرة كبيرة خاصة ونفقات أفخم الأجنحة الفندقية إلخ إلخ…!   ويح أمهاتنا! ألا يوجد مخلص للعرش أكثر من "المعارض الأول المغرض المندس" ينصح صاحب العرش بعدم التصرف بما يهز العرش! فإلى متى سيقبل  الناس هذا وهم لا يجدون الخبز؟

4.  لا يوجد رئيس دولة في العالم يغيب خارج بلده كما يحدث عندنا . وفي الحكم الدستوري، كما كنا نتصرف حتىى نهاية  السيتينيات، لا يسافر الملك إلا بقرار من مجلس الوزراء وبتنسيبب من وزير الخارجية، على أن يصحبه وفد من الوزراء المختصين بموضوع الزيارة وتقدم تقارير خطية عن نتائج الزيارات التي تحدد لها أهداف حكومية ومياومات بسيطة تقدم فيها حسابات نظامية. ولا يجوز أن يسافر الملك متى شاء ودون أن يعلن الجهة التي يتوجه إليها  كما لا يجوز أن يبحث جلالته في أي موضوع من شؤون الدولة دون حضور الوزير المختص لأن الوزير هو المسؤول أمام الركن الأول للنظام والملك لا يُسأل!! وحتى حضور مدير المخابرات في اجتماعات سفره غير دستوري لأن المسؤول الدستوري عن الأمن هو وزير الداخلية.

5. إن تعيين عشرات المستشارين في الديوان الملكي تكرار غير دستوري مكلف جداً unconstitutional costly redundancy ومربك لعمل الحكومة الدستورية. فالملك يمارس صلاحياته من خلال الوزراء ولا يجوز أن يكون هنالك أي مستشار في القصر تتعلق مهمته بشأن من الشؤون المناطة بالوزراء الدستوريين (طبعاً إن كان هناك وزراء! إذ الحال في المملكة قد أعادها بالممارسة إلى حكم مجلس نظار وليس مجلس وزراء).  يتحدث البعض عن رجعية العثمانيين : انظر كيف تصرف الوزراء "الرجعيون"  قبل مائة عام فعندما أرادت تركيا إعلان الحرب على الحلفاء عارض وزيران ذلك وقال أحدهما وهو وزير الاتصالات : أنا لا أستطيع تحمل مسؤولية هذا القرار كوزير ولكن إن أصريتم فإنني مستعد لأن أخدم  بلدي والسلطان مديراً للاتصالات وليس وزيراً يشارك في المسؤولية العامة لإعلان الحرب.

6.  كل الشخصيات التي اتهمت رسمياً بالفساد كانت تحظى بالثقة الملكية فقط دون أية ثقة أخرى. ومن هؤلاء مديران للمخابرات ومسؤول "موارد"  والكازينو  ومصفاة البترول و..و.. . هل يقنع وجدان الشعب بأن الملك غير مسؤول عن كل هؤلاء ؟ وإذا استمر هذا النهج، فهل الحكم قادر على تطيب خاطر الناس الذين لا تخفى عليهم معظم الخفايا وعلى سد جوعهم . والله إني لأعتبر نفسي مسؤولاً عن جوع الناس لأني لم أرتفع إلى مستوى المسؤولية!  فالمجالس النيابية التي رضيت لنفسي المشاركة فيها شريك في المسؤولية ؟ إذا سالت دماء أبناء شعبنا نتيجة تذمر من جوع وقهر قبل أن يسيل دمي أو تحجز حريتي قبله دفاعاً عن حقه،  فإنني لا أدري بأي وجه أقابل فيه ربي يوم القيامة.

7.إن سكوت القصر والحكومة المريب على تصريحات الصهاينة المستهدفة العرش الأردني والأرض الأردنية إلا ببيانات تافهة خجولة من الناطق الرسمي توحي للشعب بأن النظام قد استسلم لـ"القدر الصهيوني الأمريكي" وأن الملك لا سمح الله يحضر نفسه لهذا القدر بدلاً من أن يحشد أبناء الوطن بغضب ضد المتآمرين على مصير الأردن وعرشه. هل التصويت  الحاصل على أغلبية في الكنيست على مشروع "إلداد" على أن الأردن هو فلسطين والذي أحيل إلى اللجان التي لا تستطيع إيقاف مناقشته في قراءات في الهيئة العامة "رأي شخصي" لا يمثل "إسرائيل" كما قال الناطق الرسمي الأردني "فض فوه وحنكه" المتطوع للتحدث باسم الصهاينة الذين لم يكلفوا الخاطر لا بالنفي ولا بالاعتذار. وهل الدعوة قبل أسابيع إلى مؤتمر دولي في تل أبيب تحت عنوان الأردن هو فلسطين تحرك شاذ لدى الصهاينة في ظل سكوت حكومي وإعلامي مريب بدلاً من حشد المانشيتات الصحفية لاستنفار الأردنيين؟ إن فصاحة وزير الخارجية، " فض فوه" ، مذهلة إذ يقول بأننا سنواجه  هذا! بماذا؟ بالحشود العسكرية؟ لا وألف لا ! سيواجهه رأس الديبلوماسية الأردنية الذبيحة بالتوجه نحو المجتمع المدني "الإسرائيلي". لله دره! من أين أتى بكل هذه العبقرية "حماه الله ذخراً" لأردن  ساكت هن هؤلاء الذين لا يؤتمنون على أن يسرحوا بعنزتين. ألا يدري الفصيح التافه أن المعارضين لمشروع "إلداد" في الكنيست الذين يمثلون بقية المجتمع "المدني" المزعوم عند العدو هم أشرس من إلداد نفسه. هاجموه قائلين له كيف تجرؤ على أن تقول الأردن هو فلسطين؟ "الأردن هو إسرائيل". في عام 1996 وفي أول إفطار ملكي دعا الملك رئيس الكنيست فسئل الصهيوني عن شعوره قبل صعوده للطائرة فقال: " أنا سعيد لزيارة الضفة الشرقية لإسرائيل!

8.  نحن الأردنيين لسنا عبيداً أقنان يباعون مع الأرض الاقطاعية التي يعملون فوقها. وليست أرضنا  إقطاعاً لأحد. فإذا كان الملك لا سمح الله غير مستنفر للدفاع عن عرشه من تهديدات الصهاينة العلنية كما نرى ونشعر بل تشغل وقته "الأجهزة المخلصة" في دفاعها عن عرشه من أمثالي، من تهديدات مزعومة غير موجودة لا عندي ولا عند المعارضة ، إنما هي مختلقة في خيال الكاذبين المتآمرين فعلاً على البلد وعرشه الفاتحين أوتوسترادات التنسيق والتعاون مع أجهزة الاستخبارات الصهيونية والأمريكية، فإننا لا نقبل ولن نسكت عن الدفاع عن بلدنا الذي تُحرس فيه مصالح الأعداء دون مصالح الشعب.

9.  إن إزالة جميع أوجه الشبه بين آل الطرابلسي وشركاتهم ومدارسهم ال super elite وبين أي شبيه لهم قد يكون عندنا أصبح لا يحتاج اليوم إلى فصيح ينصح به. كما إن ما قلته منذ سنوات بضرورة الفصل بين الأمارة والتجارة أمر ما عاد يحتمل الانتظار. فمزاحمة الأردنيين على أرزاقهم ورُخص تشغيل مؤسساتهم أمر لا يقبل به أي مواطن شريف حر. كما وأنه وبعد تخريب وإهانة نظام التربية والتعليم العام الذي يخدم كل الشعب بالاندلاق نحو المدارس الخاصة وأنظمة التعليم المختلفة، وبتخصيص الرعاية الملكية  لمدارس النخبة الأثرياء المدرة للأرباح (شبيهة بمدارس ليلى الطرابلسي وسهى عرفات)، تهان جامعتنا العسكرية، مؤتة،  الموصول تاريخها بخالد بن الوليد رضي الله عنه  وكلية الأركان الموصول تاريخها بمعارك القدس وفلسطين والكرامة  بمشروع "ساندهيرست عجلون" الذي سيقطع 2500 شجرة حراج من أراضي كانت للخزينة ولا معلومات لدى شعبنا عن ملكيتها الحالية ولا  عمن باعها أو سيبيعها. ما هذا التدمير وكأن جيشنا يعمل على تقويته كما نطالب جميعاً بدلاً من تقليصه ونقل ثقل القوات المسلحة إلى الدرك (في تونس إن عدد قوات الدرك والشرطة يفوق بدرجات عدد الجيش بل ويفوق حتى عدد قوات الأمن في فرنسا التي هي أضعاف حجم تونس مساحة وسكاناً). لماذا ساندهيرست في الأردن؟ فهل سيدرس فيها إلا العقيدة القتالية الانكليزية والغربية وما يسمى بحفظ السلام؟ أليس الإنكليز أعداؤنا وهم حلفاء العدو الصهيوني؟ إن الجيش العربي بامتياز المسمىى من قبل الملك الراحل بالجيش المصطفوي لايحتمل أن يسحب من خندق العروبة والإسلام ومن عقيدته  القتالية التي أنشئ عليها ! لذلك نقول لماذا ساندهيرست في بلادنا؟ وفي أي زمان يحدث؟  في الوقت الذي نقلص ونقزم فيه جيشنا بلا داعي على حساب تضخيم الدرك والأمن على خطى تونس غير المباركة. وكأن جيشنا يدرب بكل جدية هذه الأيام على مواجهة العدوان الصهيوني الأكيد، بدلاً من توريطه في حروب ليست حربنا  في أفغانستان وغيرها  خدمة لأهداف الحلف الأطلسي. فمنذ متى كانت أهداف الحلف الأطلسي أهدافاً للشعب الأردني؟

الحديث طويل وقد مللت الكتابة!  وأملي ضعيف في الاستجابة لولا الأمل في أن الأحداث الإجتماعية الإقليمية الحالية قد تكون  واعظاً لمتعظ ! أما "نواطير المتنبي" النائمة فلا يوقظها إلا الجوع. وإن في ما كتبت وحذفت ثم كتبت وحذفت في الساعات الستين الماضية ما يكفي لتوجيه بوصلة الإصلاح الذي كاد يفوت وقته  فهل من مستمع؟ وهل من مجيب؟ أم  أنني قد أسمعت لو ناديت حياً ! ولكن لا حياة لمن تنادي!

اللهم قد بلغت! اللهم فاشهد! وأرجو أن تقبل مني ما اجتهد بي إخلاصي لوطني ولشعبي ولعترة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم وآل بيته، وألهمهم يا رب أن يفهموا قول جدهم حبيبك الأعظم صلى الله عليه وسلم ( يا عباس! لا أغني عنك من الله شيئاً! يا صفية! لا  أغني عنك من الله شيئاً ! لا يأتيني الناس يوم القيامة بأعمالهم وتأتوني بأنسابكم!)  وقوله (والله لو سرقت فاطمة ابنة محمد لقطعت يدها)  وقوله(أنا جد كل تقي) أو كما قال صلى الله عليه وسلم

أخي ناصر:
فليتدارك الديوان الملكي حرسه الله الأمر بأقصى سرعة فإني أُعلمت من شخصيات أردنية هامة لم تكن يوماً في المعارضة منهم نواب سابقون ووجهاء عشائر هامة لم يسبق أن شاركوا في معارضات زارتني بأن الدعوة جارية لمسيرة مليونية اعتذرت لهم عن تصدرها، رغم مباركتي لأي جهد خير يقومون به هم أو غيرهم ، عسى أن ينجح مسعاي هذاالذي لم أطلعهم ولا أحد غيرهم عليه فيتدارك الملك المنفرد بالسلطات الأمر بإصلاحات جادة حقيقية قبل بدء هذه التحركات.

وأخيراً! وفي حال عدم إرسالي إلى القبر شهيداً أو إلى السجن مظلوماً أو إلى فرن صلاح الدين معجوناً ، فإنه ليشرفني أن استقبل في بيتي المتواضع طالب النصيحة كما كان منزل فرحان الشبيلات يرحب بالملك حسين رحمه الله في أزمات الخمسينيات، فعلاوة على حاجته للنصيحة الواجبة علينا فإن ما أصابنا من اعتداءات باسمه قد أوجب الزيارة التي تطيب الخواطر، فعسى أن  يجعل الله التوفيق حليفنا لقطع هذه المرحلة القاتمة الخطيرة بأقل الخسائر للشعب ولكل واحد فينا دون أي طمع في أي تكليف شخصي، بل أكتفي بتسخير جاهي المعروف من المحيط إلى الخليج في إصلاح ذات البين فالسير في إصلاح ذات البين خير لي من عبادة ستين عاماً كما قال الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم.

إن ابتعادي عن السلطة السياسية ثم بعد ذلك ابتعادي عن "معارضة" لا احترم جديتها ؛ والتزامي بيتي طاعة لأمر الرسول صلى الله عليه وسلم لمن يحضره  زمان الفتن (عليك بخويصة نفسك) أورثاني مصداقية عصية على المنازعة لدى الشعب الأردني مما جعل مني أحد أمتن الجسور التي يمكنها وصل ضفة الشعب بضفة حكم يبتغي الرشاد  (مرة أخرى أؤكد بأن هذا لا يغريني بأي منصب سوى الاستشارة المجانية الواجبة  شرعاً ) فلا يُـقصفن هذا الجسر فيُدخل الحكم نفسه في موقع من يطلق الرصاصةعلى قدمه. لذلك ومن  أجل حماية الجسر من القصف  شملت في نسخ رسالتي الأخ حسين هزاع المجالي مدير الأمن العام الذي لا يمكن أن يسمح لنفسه ولا لأية جهة رسمية أومنفلتة باستهدافي؛ تكلفه في ذلك وظيفته والقسم الذي أقسمه فضلاً عن وفاء لعلاقة فرحان بهزاع التي لم يشهدها هو بسبب من عمره الشاب بل يكفي أن يعرف عنها من أمجد وأيمن وتغريد.

والسلام مع وافر المحبة والاحترام

المهندس ليث فرحان الشبيلات

 نسخ مكتومة لكل من:

الأخ مضر بدران المحترم مع التحية والاحترام بالاشارة إلى واجباته الوطنية /مكتوم
الأخ أحمد عبيدات المحترم مع التحية والاحترام بالاشارة إلى واجباته الوطنية/ مكتوم
الأخ طارق علاء الدين المحترم مع التحية والاحترام بالإشارة إلى واجباته الوطنية/ مكتوم
 السيد مصطفى القيسي المحترم بالاشارة إلى خبرته في المحافظة على النظام والعرش/ مكتوم
السيد سميح البطيخي المحترم بالاشارة إلى خبرته في المحافظة على النظام والعرش / مكتوم
السيد سميح عصفورة المحترم بالاشارة إلى خبرته في المحافظة على النظام والعرش / مكتوم
 السيد محمد الذهبي المحترم بالاشارة إلى خبرته في المحافظة على العرش
السيد محمد الرقاد مدير المخابرات  بالاشارة إلى واجبه في حماية النظام والعرش / مكتوم
 الأخ حسين المجالي مدير الأمن العام بالأشارة إلى واجبه في حمايتي كمواطن مستهدف/ مكتوم

وفي حال الاعتداء علي  فإنني أخاطب من خلال نشرها الواجب أبنائي وبناتي العشر و أحفادي التسعة عشر أو العشرين!  بوصيتي:

أدفن في المكان الذي عينته لكم في مقبرة العائلة في أم حيران. ولا يستقبل في العزاء مفسدين من السلطة ولا "معارضين" تخلوا عن الشعب وعني إلا بلقلقة اللسان. ولا يسمحن الشعب لتلك "لمعارضات" التي يصنفها مخلصون غيري على أنها ليست سوى ماكينات إعادة انتاج الظلم أن تستغل دمي كـ"قميص عثمان" .

وأهلاً بالشعب الأردني العزيز فالبيت بيته. رغم غضبي الشديد منه بتسليط كيده العشائري بعضه نحو البعض بدلاً من أن يطلب العزة بالوحدة الوطنية في مقارعة مستبيحي حرماته وفي وجه الصهيونية اليهودية منها والعربية.

ولا أذكر إن كان لأحد عندي دين فإن كان فسددوا ديني قبل دفني. ولا شك أن لساني قد أصاب الكثيرين لذا فإنني أطلب بكل صدق من كل من أصابه مني أذى أو أهانة أن يهديني مسامحته أو أن يقبل العوض من أبنائي.

وأوصيكم بما أوصاني به فرحان رحمه الله كونوا مع الشعب دائماً وإياكم ثم إياكم والسلطة فإنها مَفسدة مَهلكة.

الحلال ! الحلال ! وإياكم والحرام (فما نبت من سحت النار أولى به). لقد أطعمتكم حلالا كما أعتقد! ولم تمتد يدي إلى مال الشعب  فلا تنزلقوا إلى الحرام.

الرحم! الرحم! فلا خير في من لا يصل رحمه ! والرحم لا تعرف فقيراً وغنياً ولا مشهوراً ومغموراً  فقد تعلقت بعرش السماء تستعيذ بالله من القطيعة فاستجيب لها بـ: ( ألا يرضيك أن أصل من وصلك وأن أقطع من قطعك؟) وقد شغلت عن رحمي رغم كل ما حاولت وصله فليسامحوني.

احرصوا على أن تكثروا من الاخوة في الله ، فقد فتح الله أمامي كل أنواع العلاقات والصداقات من ملوك ورؤساء ووزراء وتجار وشعب فلم أجد أجمل وأصدق من تلك العلاقة مع أرحام إيمانية تعرفت عليها ومنهم أبسط الناس. ففيهم العامل والقصيًر والنجار والفران وسائق الشاحنة وهم  أعز على قلبي من كل من عرفت، فهؤلاء أطمع في شفاعتهم يوم القيامة. ذلك اليوم الذي يتدلل فيه  من يقف على باب الجنة متسائلاً: أين أخي فلان؟ فيقال له : قد تأخر به عمله. فيتدلل هذا على ربه متمرداً هازاً كتفيه قائلاً :لا أدخل من دونه! فينادي الكريم الأكرم سبحانه : أحضروا له أخاه. وقد تعاهدنا على أن الناجي منا يأخذ بيد أخيه.

وكونوا يداً واحدة ولاتختلفوا ولا تتركوا عادة الاجتماع في دار العائلة. الدين! الدين !    التقوى ! التقوى ! ومخافة الله ! اقبلوا على حفظ كتاب الله وليلتحق أولادي بابنتاي الحافظتين المأذونتين والأحفاد بحفيدي وحفيدتي اللذين أوشكا على الختم.

وأوصيكم بالعزيزة زوجتي الشيشانية خيراً فلا خير فيكم إن لم تكرموا لي عزيزاً.

 وإلى أهلي الأعزاء في الطفيلة المتفضلين علي دائماً بمحبتهم ونصرتهم والذين  تسببت نصرتهم لي في مزيد من الحرمان بعد حرمانهم الأصيل، شتان بين كرمكم علي وكرمي على نفر قليل منكم، فبحر جودكم علي على فقركم قد عجزت دوماً عن مجاراته : سامحوني واعذروني على تسببي لكم بجفاء دولة غبية قصاصاً لكم على وقوفكم معي في الدفاع عن حقوق كل مواطن أردني شرقياً كان أم غربياً جنوبياً كان أم شمالياً مسيحياً كان أم مسلما! ، إن جوعاً مع فخار بابنكم وأخيكم خير لكم من شبع بدناءة الاستسلام للطغيان، والانجرار نحو عصبية منتنة،   فالدنيا لا تغني عن الآخرة.

وإنا لله وإنا إليه راجعون                                   
 
 انتهى النص

—————-
رواية استدعائي غير صحيحة وإن كانت قد ملأت وتملأ من وقت إلى آخر الشارع.  وأول من بلغني بها الفاضلة توجان عام 1991 إذ اتصلت تريد لقائي عاجلاً وقالت لي لقد أنكرت فوراً ما نقل لي وهو خبر مسرب من مكتب فايز الطراونة رئيس الديوان وتنشره المخابرات ومفاده أن الملك استدعانك و"رقعنك" عدة ساعات منتظراً ثم دخل ولم يجلس وخاطبك بكلمتين " أنا مش مثل أبوي! أنا لا أسجن !أنا أقتل!" وأخبرتني بأنها قالت لا يمكن لليث أن يقبل "رقعه" بالانتظار وأن يقبل مثل هذه المخاطبة. لكن الرسالة وصلت عبر طرق عديدة ! ولم يبق أحد طوال السنوات الماضية إلا وسألني أو استحى حتى أن أبو رسول  مؤسس دائرة  المخابرات رحمه الله  رآني قبل وفاته بأشهر في الشارع وكان لا يستطيع النطق فأخرج دفتره وبدأ يكتب :هل صحيح.. فأمسكت بيده قائلاً : "لا تكمل أنت تعلم بأنني لا أسمح لأحد بأن يعاملني بهذه الطريقة لكن الرسالة وصلت بطرق غير مباشرة عديدة". وإن تصعيد الاعتداءات علي بعد ذلك لهي الدليل على أن التهديد صحيح وجدي وأنه ما زال قائماً حتى اليوم.

المصدر : الجزيرة