الصادق المهدي.. غني أفقرته السياسة

الطاهر المرضي

كاد يكون اسمه "إبراهيم المهدي" لأن جده عبد الرحمن الصادق لما بلغه خبر ميلاده يوم 25 ديسمبر/كانون الثاني 1935 كان يقرأ سورة إبراهيم، لكنه بعد أخذ ورد قرر أن يمنحه اسمه الثاني (الصادق) أملا في أن يملأ مكانه بعد موته، حسب ما ينقل الصادق المهدي عن أمه.

يقول في برنامج "زيارة خاصة" الذي بثته الجزيرة في مايو/أيار 2005 إن أمه احتفلت مرة بعيد ميلاده -الذي يوافق يوم ميلاد المسيح عليه السلام- فقط لأنه وافق عيد الفطر، واستبشرت كثيرا بهذا التوافق بين مناسبتين دينيتين إحداهما مسيحية والأخرى إسلامية، غير أنه يؤكد أن ذلك بالنسبة إليه لا يترتب عنه "أي معنى غيبي".


ملعقة من ذهب
كثيرون يرون أن الرجل ولد وفي فمه ملعقة من ذهب الزعامة السياسية والدينية، فقد ورث عن أسرته المهدية حزبا سياسيا -هو حزب الأمة- تولى زعامته وتولى رئاسة الوزراء مرتين باسمه. كما ورث طائفة تسمى "الأنصار" جعلت منه أيضا زعيما دينيا للحركة المهدية، نسبة إلى جده الأكبر محمد أحمد المهدي القائد السوداني الذي فجر الدعوة والثورة المهدية في السودان.

يؤمن إيمانا راسخا بما يعرف "بالرؤيا الصادقة"، ومعناها أن يرى الإنسان شيئا في المنام فيحدث في الواقع كما رآه أو قريبا منه، ويقول إن له نحو عشرين رؤيا صادقة ذكر منها أنه رأى في المنام في سجنه وفاة الرئيس المصري جمال عبد الناصر.

غير أن الصادق المهدي يقول إنه لم ير من ملعقة الذهب هذه شيئا، ويكرر دائما أنه الزعيم السياسي الوحيد في بلاده الذي لم تزده السياسة شيئا، بل أفقرته، حيث أكد في البرنامج المذكور أنه لم يتسلم راتبا من مال الدولة طيلة سنوات توليه رئاسة الوزراء، في المرة الأولى من 1966 إلى 1967، وفي الثانية من 1986 إلى 1989.

ويضيف أنه لم يسكن قط في بيت حكومي، وأنه الوحيد من المسؤولين الذي كان كلما رجع من رحلة إلى الخارج يعيد إلى خزينة الدولة الميزانية التي خصصتها لسفره.

في الفترتين اللتين تولى فيهما رئاسة الوزراء تمت الإطاحة به، في الأولى بائتلاف سياسي بين جناح منشق من حزب الأمة وبين الحزب الوطني الاتحادي وحزب الشعب الديمقراطي، وفي الثانية بانقلاب عسكري قاده عام 1989 الرئيس الحالي عمر حسن البشير وهندسه الزعيم الحالي لحزب المؤتمر الشعبي حسن الترابي، المتزوج من السيدة وصال المهدي شقيقة الصادق المهدي.

وهي تجربة أوصلت زعيم حزب الأمة إلى أنه لا بد أن يحرم الوصول إلى السلطة عن طريق الانقلابات العسكرية ولو باسم الإسلام، بالنظر إلى أن انقلاب 1989 -المعروف بثورة الإنقاذ- بني على قاعدة حركة إسلامية هي "الجبهة الإسلامية القومية" بزعامة الترابي.


الرئيس عمر حسن البشير أطاح بالصادق المهدي في انقلاب عام 1989 (الفرنسية)
الرئيس عمر حسن البشير أطاح بالصادق المهدي في انقلاب عام 1989 (الفرنسية)

شيعة عاطفيون
مثلما توزعت رحلة التحصيل العلمي للصادق المهدي بين مسقط رأسه والعاصمة الخرطوم وكلية فيكتوريا بالإسكندرية بمصر وجامعة أكسفورد ببريطانيا، حيث درس الاقتصاد والسياسة والفلسفة، توزعت سنوات عمره التي فاقت السبعين بين كراسي السلطة وزنازين السجون ومنافي الغربة.

فقد دخل السجن عدة مرات سنوات 1969 و1973 و1983 و1989، كما نفي إلى مصر والسعودية وهاجر سرا عام 1996 إلى إريتريا المجاورة للسودان والتحق بالمعارضة السودانية هناك، ولم يعد إلا أواخر عام 2000 بعد توقيع اتفاق مصالحة مع النظام أواخر عام 1999 سمي "نداء الوطن" تحت رعاية رئيس جيبوتي إسماعيل عمر قيله.

اتهمه كثيرون بنشر التشيع في السودان وبالعلاقة مع إيران، معتبرين أن العائلة المهدية تعود أصولها إلى المذهب الشيعي، لكنه يرفض هذه التهمة ويعتبر أن السودانيين "شيعة عاطفيون" ويحبون آل البيت، مؤكدا أنه ليس في السودان شيعة بالمعنى المذهبي، مضيفا أن السودان نموذج مصغر للقارة الأفريقية بإثنياتها وثقافاتها.

زعيم حزب الأمة قارئ نهم للشعر والأدب، وله عدة مؤلفات كتب أكثرها في السجن أو في الغربة، حتى إنه ممن ينطبق عليهم القول إنهم رجال حَرَمت منهم السياسةُ مجالَ الفكر والأدب.

منذ نحو ثلاث سنوات قال الصادق المهدي إن الناس سيحتاجون إلى الكثير كي يقنعوه بالترشح للانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في أبريل/نيسان 2010، واعتبر ما هو فيه كافيا، مضيفا أنه يريد أن ينشغل بأشياء أخرى مثل تفسير القرآن والتأليف عن السيرة النبوية.

وفي مقابلة صحفية أواخر سبتمبر/أيلول 2009 أكد مجددا أن لديه مشروعات أخرى كثيرة، وأن ترشيحه للرئاسة سيكون صعبا جدا، وأنه لن يترشح إلا إذا كانت هناك ضرورة قصوى ولا يوجد بديل.

ويبدو أن الضرورة وانعدام البديل اجتمعتا عند حزب الأمة بداية هذا الأسبوع، وتوارت وراءهما صعوبة الترشح للرئاسة لأن الصادق المهدي سينافس رسميا على الرئاسة الرجل الذي أطاح به منذ عقدين من الزمن.

المصدر : الجزيرة + وكالات