2003 عام السقوط في العراق

Baghdad 9/4/2003


عامر الكبيسي: بغداد

سقوط بغداد واعتقال صدام هما الحدثان الأبرزان في عام حافل بالمتغيرات التي لم يشهدها العراق من قبل مما جعل 2003 عاما تاريخيا ليس بالنسبة لحسابات العراق فحسب بل حتى في حسابات التاريخ العالمي.

فقد مر على الاحتلال 10 أشهر وفيها تغير الكثير من الولاءات القديمة وتباينت ردود الفعل بشأن ما آلت إليه الأمور من قبل العراقيين أفرادا وجماعات، ولكن الأغلبية ترى أن الوجود الأميركي هو احتلال للعراق ويجب مقاومته وإن كانت هذه المقاومة قد تختلف طريقتها من مكان لآخر.

فمع بداية عام 2003 كان رئيس الجمهورية العراقية صدام حسين يلتقي كل يوم بضباط ومراتب جيشه يتشاور معهم في أمر الحرب التي باتت وشيكة على ما يبدو فالكل في نفير عام من الوزارات إلى قاعدة هرم السلطة.

العائلات العراقية التي طالما كانت أغلبها الضحية لما تعتقد أنه جلاد أعجبه اللعب بالسياط والنار تتابع هي الأخرى المأساة عن كثب فليس لها أن تبقى مكانها حيث القصف الأميركي الذي خبرته على مدى عقد من الزمن، وليس لها حتى ما يسد اللقمة والمأوى إذا أرادت الهروب إلى مكان آمن تقي به أطفالها أزيز الطائرات وأصوات الصواريخ والموت.

دقات الساعة بدأت بالإنذار لاقتراب يوم الحرب وطبولها هي الأخرى بدأت تدق بعد خطاب الرئيس الأميركي جورج بوش الذي حذر فيه صدام إذا هو لم يخرج من العراق وولديه خلال 48 ساعة فإن الحل هو دخول الجيش الأميركي إلى البلاد بعد أن احتشدت القوات الأميركية بالخليج وتمت عمليات التهيئة لدخولها.

فجر 20 مارس/آذار 2003 كان الموعد مع الضربة الأولى وإعلان الحرب على العراق حيث انهالت القنابل والصواريخ الأميركية على بغداد والمدن العراقية ويستمر تقدم القوات الأميركية والبريطانية وصدام يتعهد بدحرهم على أسوار بغداد ووزير الإعلام محمد سعيد الصحاف ينفي جميع تأكيدات القوات الغازية باقتراب المعركة من العاصمة مؤكدا أنها خطة لاستدراج هذه القوات لفخ يقضي عليها.

وانتهى المشهد في 9 أبريل/نيسان 2003 بتمثال صدام في ساحة الفردوس يشنق بالعلمين الأميركي والعراقي ويهوى إلى قاع بغداد مع بقاء رجليه غائرتين في الوحل العراقي وسقطت بغداد ودخلت الدبابات الأميركية عاصمة الرشيد مبشرة بما يسمى الديمقراطية الجديدة.

فوضى
سق سيارتك عكس الاتجاه أو ضع أمام بيتك حاجزا تقطع به الطريق أو در ليلا مع سلاحك لمنع اللصوص، إذ نشط رجال العاصمة بحفظ أحيائهم من خطر يخشونه أو غريب عنهم يراقبونه حافظين ما بقي من غبار مقار الحكومة السابقة التي حولت في الغالب إلى مستوصفات للمرضى أو مقار للأحزاب الجديدة. أسدل الستار وانتهت اللعبة كما قال محمد الدوري سفير العراق في الأمم المتحدة.

وبدا المشهد الجديد من السلب والنهب لدوائر الدولة ومؤسساتها على مرأى ومسمع من الجنود الأميركيين وكاميرات وأقلام الصحفيين. القوات الأميركية لم تتمكن من حماية المتحف العراقي من السرقة لكنها وبحق تمكنت من حماية بناية وزارة النفط العراقية والتي لم يشملها السلب.

الحرائق التي ارتفعت سحائبها فوق دار السلام من على الوزارات والدوائر التابعة للدولة العراقية بدت مؤشرا على غضب عن الحكومة العراقية السابقة التي أطبقت الخناق على العراقيين.

وبعد أن زالت نشوة الفرح برحيل صدام توجهت مشاعر الغضب إلى قوات الاحتلال الأميركي والتظاهرات التي باتت شبه يومية كأنها تعوض عن سنوات الكبت التي عاشها العراقيون حيث يعتقدون أن هذه التظاهرات هي إحدى ثمرات الديمقراطية التي وعدوا بها.

ثم منح مجلس الأمن الدولي صفة الشرعية للاحتلال حيث اعترف بالقوات الأميركية البريطانية كقوة احتلال في العراق، ويبدو أن القرار أطلق شرارة مقاومة الاحتلال.

وانطلقت المقاومة في مدينة الفلوجة وامتدت بعدها إلى ما أطلقت عليه وكالات الأنباء المثلث السني ثم وصلت إلى معظم أراضي العراق.

ويمضي المشهد العراقي بين المثلث العراقي الذي يستند على أطراف ثلاثة الشيعة والسنة العرب والأكراد السنة يتكون منها على الغالب المجتمع العراقي بمرجعياته وأحزابه وتجمعاته مع زوايا أخرى كالتركمان والمسيحيين وغيرهم.

وإذا كان قادة العراق اليوم يمشون مبعثرين أحلامهم وأمنياتهم على الملأ حيث ما حلوا وارتحلوا، فإن الأمنيات لن تصنع تاريخا ولن تبني أمة، فعام العراق الأخير كان صفحة مؤلمة في تاريخ طالما حاول ساسة العراق تحسين صورتهم أمامه إلا إن الكفيل في التحسين هو ما تؤول إليه أيام العراق الجديد بين الاحتلال والمقاومة والسيادة المفقودة.

_________________________________

الجزيرة نت

المصدر : الجزيرة