بين الإجهاض وحمل السلاح وزواج المثليين.. كيف غيرت قرارات المحكمة العليا حياة الأميركيين؟

WASHINGTON, DC -19 FEBRUARY 2015- Crowds of mourners and media in front of the Supreme Court building waiting to pay their respects to the late Justice Antonin Scalia who lays in repose.
قرارات المحكمة العليا تتغير بتغير توجهات القضاة التسعة المعينين فيها (شترستوك)

كاليفورنيا – هل أنت مع حق الحياة أم مع حق الاختيار؟ مع المساواة أم مع حماية الأسرة التقليدية؟ مع الدفاع عن النفس أم حماية العزّل؟.. أسئلة تتصدر الجدال في الولايات المتحدة حيث اتفقت الموضوعات السياسية والاجتماعية والدينية على أن تجتمع ولا تتفق، ولم يكن قرار المحكمة الدستورية الأخير عن الإجهاض إلا استمرارا لهذه الزيجة الزائفة.

قرارات للمحكمة غيرت حياة الأميركيين

حق الإجهاض

بعد نحو 50 عاما من الاستقرار على حق المرأة الدستوري في الإجهاض تحت المادة 14 التي تقضي بحق الخصوصية والمساواة في الحماية، جاء قرار المحكمة العليا الحالية لإعادة تفسير المادة وسلبها هذا الحق، وترك لكل ولاية حرية الضبط في ضوء قوانينها الخاصة، فلماذا التغيير المفاجئ؟

كانت المحكمة العليا تنظر في دستورية قانون ولاية مسيسيبي الذي يحظر معظم عمليات الإجهاض بعد 15 أسبوعا من الحمل والذي قضت كل المحاكم الدنيا أنه غير دستوري في ظل الحكم السابق في قضية "رو ضد ويد".

وفيها سمح بالإجهاض حتى النقطة التي يمكن فيها للجنين البقاء خارج رحم المرأة، التي قدرها البعض بـ23 أسبوعا. وما حدث أخيرا هو أن المحكمة ألغت حكم قضية "رو ضد ويد" 1973 كسابقة دستورية للفصل في القضايا المستقبلية، وأبقت على قانون مسيسيبي المحدد.

Protests Break Out Across The U.S. As Supreme Court Overturns Roe v. Wade
مظاهرات أمام المحكمة العليا احتجاجا على قرارها بإلغاء حكم قضية "رو ضد ويد" وذلك ينهي حق الإجهاض (غيتي/الفرنسية)

من هي رو؟

حسب موقع "هيستوري دوت كوم" (History.com)، ففي عام 1969 سعت امرأة في أوائل العشرينيات من ولاية تكساس تدعى نورما ماكورفي -المعروفة بالاسم المستعار القانوني العام جين رو- إلى إنهاء حمل غير مرغوب فيه، إذ كانت فقيرة وفي ظروف صعبة، وقد أنجبت مرتين وتنازلت عن كلا الطفلين للتبنّي.

في 1969 كان الإجهاض قانونيًّا في تكساس، ولكن فقط بغرض إنقاذ حياة المرأة أو لحالات خاصة جدا كالاغتصاب، وكان على القادرات إن احتجن إلى الإجهاض أن يسافرن إلى بلدان أخرى حيث كان الإجراء آمنًا وقانونيًّا، أو يدفعن مبلغا كبيرا لطبيب أميركي يقبل إجراء عملية إجهاض سرية.

أما غير القادرات، فكنّ يلجأن إلى عمليات إجهاض غير قانونية وخطرة إما ذاتية أو "في الأزقة الخلفية"، وقدّرت مثل تلك العمليات بنحو 200 ألف إلى 1.2 مليون عملية سنويًّا، وذلك في خمسينيات القرن الماضي وستينياته، حسب إحصائيات معهد "غاتماشر".

ولم يصدر الحكم إلا في عام 1973، وكانت نورما قد ولدت ووضعت الطفل للتبني أيضا، لكن قضيتها أسست لجعل الإجهاض حقا دستوريا ليس متروكا للولايات.

Protests Break Out Across The U.S. As Supreme Court Overturns Roe v. Wade
مظاهرات أخرى خرجت يوم 24 يونيو/حزيران احتجاجا على قرار المحكمة العليا الذي حظر عمليات الإجهاض (غيتي)

حق حمل السلاح المخفي في الأماكن العامة

كان قانون نيويورك يطالب سكان الولاية بتقديم ما يبرر حملهم مسدسا مخفيا للدفاع عن النفس وهم في الأماكن العامة، لكن القاضي كلارنس توماس، قاضي المحكمة العليا، قال "في رأي الأغلبية، إن (هذا) القانون يمنع المواطنين الملتزمين بالقوانين وذوي الاحتياجات العادية من الدفاع عن النفس، ومن ممارسة حقهم في الاحتفاظ بالأسلحة وحملها في الأماكن العامة".

ويمتد تأثير هذا الحكم إلى ما وراء نيويورك، فهناك 5 ولايات أخرى بالإضافة إلى مقاطعة كولومبيا لديها قوانين مماثلة يتوقع الطعن بها، وذلك يمس حياة أكثر من 80 مليون مواطن يسكنون في تلك الولايات.

زواج المثليين

في 2013 قضت المحكمة العليا برفض نتيجة انتخابات ولاية كاليفورنيا التي رفض سكانها زواج المثليين على الرغم من ليبرالية التوجهات العامة للولاية، لكن المحكمة العليا قضت بعدم دستورية الرفض، بل أعطت المثليين الحقوق نفسها التي تعطيها لمؤسسة الزواج بين الرجل والمرأة في تقسيم الممتلكات والحصص الضريبية.

ومعروف أن قرارات المحكمة العليا تتغير بتغير توجهات القضاة التسعة المعينين فيها، وذلك لأن تعيينهم يأتي من رئيس الجمهورية الذي من الطبيعي أن يختار من يضمن الهيمنة لتوجهات حزبه. لذا فإنه بعد رحيل جورج بوش الأب ما زال قاضيه كلارنس مؤثرا في السياسة اليوم.

ولمجلس الشيوخ حق رفض هذا التعيين، لكن المجلس أيضًا يتكون من الحزبين الجمهوري والديمقراطي فأيهما فاز بالأغلبية حظي بالتأثير على المحكمة من خلال اختيار أعضائها.

أبرز الرؤساء الأميركيين الذين ساهموا بتغيير توجهات المجتمع الأميركي عبر المحكمة العليا

ويتعقد الأمر في القضايا التي تختلط فيها السياسة بالدين من دون ذكر الدين كمرجع، فهذه القضايا هي الأصعب في الفصل على الإطلاق، وأهمها: الإجهاض وزواج المثليين.

وتشاركهما في الصعوبة قضية الفصل في المسموح به من سلاح وإلى أي مدى يجب أن تتدخل الحكومات. ففي قضية السلاح لا يريد الحزب الجمهوري تدخل الحكومة في حق الفرد، أما في حالة الإجهاض وزواج المثليين فالحزب الديمقراطي هو الذي لا يتوافق مع تدخل الحكومة في اختيار الأفراد.

هل تتوجه أميركا إلى ناحية اليمين؟

يقول جون هايمان، مساهم في شركة "ويكينز هيرزر بانزا" للمحاماة بولاية أوهايو، "لقد حدد القاضي توماس إلى أين تأخذ المحكمة العليا أميركا، وتقرر أنه في اتجاه محافظ؛ فقد تحدى الناس ليرفعوا قضايا تمسّ الحق في موانع الحمل، وخصوصية غرف النوم، وحق المثليين في الزواج".

كل من هذه الحقوق يتبع منطق قضية "رو ضد ويد"، إذن فأي حقوق مماثلة ليست في مأمن من هذا التحدي؛ "وكلها سارية فقط حتى يحين عرض قضية مناسبة للطعن بكل منها أمام المحكمة".

وأضاف "هذه المحكمة لا تأخذ أميركا إلى اليمين فحسب، بل إلى اليمين المسيحي الإنجيلي".

ترقبات

تقول ثمينة عثمان، منسقة العلاقات الحكومية في مجلس العلاقات الإسلامية الأميركية بسان فرانسيسكو (CAIR)، للجزيرة نت، "أعتقد أن قرارات المحكمة العليا الأسبوع الماضي عن الأسلحة والإجهاض أيقظت الأميركيين على العواقب الحقيقية لتصويتهم (أو امتناعهم عن التصويت) ولترشيحات اللجنة العليا المستمدة بعد ذلك".

أمّا عن كون قرار المحكمة سيؤثر على المسلمين في أميركا، فتقول ثمينة "حسب فهمي، فإن أكثر من 50% من المسلمين يؤيدون شكلًا من أشكال حقوق الإجهاض، وإن معظم المذاهب الفكرية لديها بعض السماح في أمر الإجهاض".

ثمينة عثمان ترى أن قرارات المحكمة العليا أيقظت الأميركيين على العواقب الحقيقية لتصويتهم أو امتناعهم عن التصويت (الجزيرة)

لقد حظي قرار المحكمة الأخير باهتمام دولي لكن من المهم ألا تكون قراءته بعيدا عن المجتمع الأميركي، ففي الوقت الذي أشار فيه القاضي توماس إلى مراجعة قرار زواج المثليين أشار إلى مراجعة موانع الحمل؛ فالحصول على أقراص منع الحمل كان ممنوعا حتى على المتزوجين حتى قضت المحكمة بالسماح بها في 1960.

المصدر : الجزيرة