كيف تقضي نساء الخان الأحمر يومهن؟

المطبخ داخل خيمة عائلة أم سيف في الخان الأحمر
مقومات بدائية لحياة سكان تجمع الخان الأحمر يستكثرها عليهم الاحتلال (الجزيرة)

 

هبة أصلان-الخان الأحمر

تعيش النسوة في التجمعات البدوية ضمن منظومة معقدة، تفرضها العادات والتقاليد والظروف الاجتماعية السائدة، وتطيب طقوس هذه المنظومة لهن، ويدعمن توجهات المجتمع الذي يرسم حدود الحياة وشكلها بيد الرجل.

تتمحور حياة النساء في تجمع الخان الأحمر البدوي، شرق القدس المحتلة، حول أعمال المنزل، أو الرعي، وتبادل الزيارات العائلية ومشاركة الأفراح والأتراح، التي تتم بمرافقة أحد الرجال.

تجلس أم سيف في خيمتها داخل تجمع مدرسة الخان الأحمر، تحت إنارة خافتة، تمد يدها في قدر من الألومنيوم، حول لهب النار لونه الفضي إلى أسود، بداخله كرات من لبن الجميد وبعض الماء، تحركهما بشكل دائري في محاولة لتذويب اللبن كمقدمة لتحضير طبق "المشوّطة".

تقول أم سيف التي تمتنع وبناتها الخمس عن التقاط الصور بأي شكل من الأشكال، أن طبق "المشوّطة" أحد الأطباق البدوية التقليدية، يحضر من اللبن البلدي المجفف والطماطم والخبز الجاف والبصل. فهو على حد وصفها، كطبق "المنسف"، يؤكل باليد لكن بدون لحم أو أرز.

أم سيف تعد طبق المشوطة التقليدي في المجتمع البدوي (الجزيرة)
أم سيف تعد طبق المشوطة التقليدي في المجتمع البدوي (الجزيرة)

ستجتمع عائلة أم سيف حول طبق "المشوّطة" على العشاء، ولن يزيد منه أي شيء فلا يوجد لدى العائلة وغالبية عائلات التجمع ثلاجات يحفظوا فيها بقايا الطعام، بعدما صادرت قوات الاحتلال ألواح الطاقة الشمسية التي كان يستخدمها أهالي التجمع لتشغيل الكهرباء.

ويقتصر استخدام الكهرباء داخل التجمع على الإنارة فقط، بينما تشغل أجهزة التلفاز محدودة العدد، التي تلتقط ترددات بعض القنوات العربية، من خلال مولدات كهربائية تعمل بالبطارية.

وتشتكي ربة المنزل البدوي ضيق الحال "أحيانا لا يتوفر لدينا حبة طحين، نستلف ما ينقصنا من بعضنا البعض، فأهالي التجمع يمثلون أسرة واحدة كبيرة، ونعتمد غالبا على البقوليات في طعامنا، أما اللحوم فنادرا ما نتناولها".

"غ" الابنة الكبرى لأم سيف تبلغ من العمر 22 عاما، تساعد والدتها في أعمال المنزل، كانت قد انتهت لتوها من غسل الثياب، تركت أحواض الغسيل البلاستيكية، بداخلها ماء صُبغ لونه بصبغة الملابس السوداء، لترحب بنا.

تقول "غ" أنها استراحت لفترة من الغسل اليدوي، فقد امتلكت العائلة غسالة لسنوات عدة، كانت تعمل بألواح الطاقة الشمسية المصادرة.

حرمان أهالي الخان الأحمر من الكهرباء يدفعهم لتجفيف مونتهم الأساسية مثل اللبن (الجزيرة)
حرمان أهالي الخان الأحمر من الكهرباء يدفعهم لتجفيف مونتهم الأساسية مثل اللبن (الجزيرة)

وصلت "غ" في تعليمها للصف الثالث الإعدادي، قبل أن تتركه لأسباب خارجة عن إرادتها، أهمها الازدحام الذي يجعلها تذهب إلى المدرسة مكرهة "كنا 40 طالبة ندرس في صف لا تزيد مساحته عن عشرين مترا مربعا، هذا سبب جعلني أكره الدراسة".

أما بُعد المسافة فكان سببا آخر جعل "غ" تفضل الجلوس في المنزل ومساعدة والدتها، فمدرستها كانت في مدينة أريحا، وكثيرا ما اضطرت وزميلاتها لقطع مسافة عشرة كيلو مترات مشيا على الأقدام، ليصلن إلى خيامهن مع مغيب الشمس.

ولأن مظاهر الأنوثة بدأت تظهر عليها، فقد فضل والدها وأعمامها حمايتها من الشارع، بإلزامها الجلوس بالمنزل والاكتفاء بما وصلت إليه من تعليم.

كره "غ" للدراسة أمر تندم عليه اليوم، خاصة في ظل ما يتعرض له مجتمعها البدوي الذي تنتمي إليه من ظلم يمارسه الاحتلال، فأصبحت أمنيتها الوحيدة لو أنها أكملت تعليمها ودرست الصحافة، لترى ما لا يراه ولا ينقله الآخرون.

تقول "غ" إن ما ينشره الإعلام عن انتهاكات الاحتلال بحق أهالي التجمع لا يمثل سوى جزء بسيط، فتردد عناصر الإدارة المدنية ودوريات الجيش الإسرائيلي على التجمعات البدوية تكاد تكون على مدار الساعة.

عادت نساء الخان الأحمر لغسل الملابس في الأواني البلاستيكية بعد حرمانهن من الكهرباء (الجزيرة)
عادت نساء الخان الأحمر لغسل الملابس في الأواني البلاستيكية بعد حرمانهن من الكهرباء (الجزيرة)

وتنضم ابنة أم سيف "ت" لمجلسنا لتشاركنا الحديث عندما لم تجد ما يسليها على شاشة التلفاز المنصوب عند عتبة الخيمة.

سألت الشقيقات إذا ما كن يمتلكن هاتفا ذكيا، فجاء الجواب حازم وقاطع وسريع "لا.. عيب"، فيسبوك والإنترنت لن يجلبا لنا إلا المشاكل، إذا أردنا بعض التسلية نستخدم هاتف أمنا أو أبينا أو شقيقنا.

وتتدخل الأم لتقول "ماذا لو أرسل أحدهم رسالة لابنتي على فيسبوك وعلم أخوها بالموضوع؟ هذه القصة فيها دم".

وتعترف "ت" بالقيود التي تمارسها منظومة المجتمع البدوي بحق الإناث، وخاصة غير المتزوجات، لكن هذا أمر لا يزعجها، بل على العكس هن سعيدات بحماية التقاليد لهن، وتفضل "غ" أن تتزوج شخصا من داخل الخان، وإن كان من خارجه فعليه الانتقال للعيش فيه.

المصدر : الجزيرة