هبّة البوابات.. أيام فاصلة في تاريخ الأقصى

فلسطينيو 48 يعتصمون بشوارع القدس المحتلة بعد أن منعتهم شرطة الاحتلال الإسرائيلي من الصلاة بالأقصى بعد إزالة البوابات الإلكترونية التي نصبتها سلطات الاحتلال قبالة أبواب الأقصى.
هبّة البوابات جعلت صوت الأقصى وهو مغلق أعلى من صوته وهو مفتوح (الجزيرة)

أسيل جندي-القدس

مع حلول ذكراها السنوية الأولى، سجلت هبّة رفض البوابات الإلكترونية على أبواب المسجد الأقصى لحظات فارقة في تاريخ مدينة المحتلة، وشكل اعتصام باب الأسباط -وما زال- مادة دسمة لتحليلها ودراستها بعمق على يد الباحثين والمؤرخين والمراقبين.

وفي معرض الحديث عن الهبة لا بد من التطرق لأبرز ما حققته من نجاحات على المستويين الميداني والسياسي، والإخفاقات أو الشوائب التي شابت الحراك الجماهيري آنذاك.

ولعل أبرز ما أنجزته هبة الفلسطينيين ضد البوابات أنها شكلت نموذجا متكاملا من ثلاثة عناصر أساسية كانت سببا في النصر، وهي: المقاومة الفردية والاعتصام الشعبي والتفاعل الخارجي، والتي كانت كافية لتراجع إسرائيل عن كل إجراءاتها والرضوخ لمطالب المعتصمين، وفق الباحث في شؤون القدس زياد ابحيص.

أبعاد ثلاثة
ويوضح ابحيص أن العمل الفردي -دون بعد فصائلي- جاء بالعملية الثلاثية التي نفذها الشبان الثلاثة من عائلة جبارين على أبواب المسجد الأقصى،  فيما تمثل الاعتصام الشعبي بوجود نقطة ارتكاز في باب الأسباط توافد إليها آلاف المعتصمين يوميا، أما التفاعل الخارجي فوصل حد وقوع عملية فردية في السفارة الإسرائيلية بالعاصمة الأردنية، وهذه الأحداث جعلت صوت المسجد الأقصى وهو مغلق دون صلوات أعلى من صوته وهو مفتوح وتؤدى فيه كل الفرائض.

وأضاف في حديثه للجزيرة نت أنه قبل نموذج باب الأسباط لم يكن هناك إجابة على سؤال: كيف يمكن حماية الأقصى في ظل غياب الفعل المنظم وفقدان فكرة الفصيل الفلسطيني المقاتل القادر على تنظيم الخلايا؟ وبعد اجتماع العناصر الثلاثة في الهبة الأخيرة وُجد نموذج ناجح يمكن البناء عليه لاحقا.

وبحسب الباحث، فإن من الإنجازات المركزية الأخرى أن ما حصل في باب الأسباط أكد مسارا قديما بأن الأقصى هو مركز المواجهة الشعبية في فلسطين على مدى العقود الأخيرة، وهذا درس لا بد من تعلمه، فـ"مجزرة الأقصى وهبة النفق والانتفاضة الثانية عام 2000 ومحاولة فرض التقسيم الزماني عام 2015 وهبة باب الأسباط عام 2017، انطلقت من أجل هذا المقدس، ولا بد من الانتقال للإدراك أن الأقصى هو محل إجماع وطني فلسطيني وينطلق الصراع لأجله في كل مرة، ورغم ذلك هناك إصرار إسرائيلي على مواصلة الصراع على هذا الرمز".

النصر ودخول آلاف المصلين إلى المسجد الأقصى بعد إزالة البوابات وفتح باب حطة، نجاح سُجل للهبة بتحوّل هذا المشهد من خانة الأحلام المستحيلة إلى الممكنة.

ويضيف ابحيص "أدركت الجماهير أن فتح المسجد الأقصى مستقبلا بشكل نهائي ودون وجود إسرائيلي شيء ليس بالمستحيل، لذلك اهتمت إسرائيل بمحو آثار هذا الإنجاز بشكل سريع، وهذا أدخلهم في عملية مواجهة لتقزيم صورة هذا النصر وإفراغه من مضمونه لأن بقاءه خطير".

ومقارنة بغيرها من المواجهات مع الاحتلال، قال الباحث في شؤون القدس إنه في حالة حروب غزة الثلاث السابقة حضر دائما سؤال عن جدوى ما تحقق مقارنة بالخسائر الكبرى، أما في حالة باب الأسباط فكان هناك مطالب محددة وملموسة تبناها الحراك الشعبي واضطر الاحتلال للرضوخ إليها والاستجابة لها كاملة دون قيد أو شرط ودون أي عملية تفاوضية، بالإضافة لكشف الهبة ضعف المحتل في مواجهة الجماهير التي أثبتت أن إرادتها وإصرارها وعددها الكبير قادر على إيصال إسرائيل للحظة التراجع التام غير المشروط.

التفاف النخبة
ولا يرى ابحيص إخفاقات بارزة في هبة البوابات الإلكترونية، لكنه أشار إلى نواقص يجب تلافيها، أولها أن المواجهة لا تنطلق مع الاحتلال إلا بعد وقوع الخطر الفيزيائي المحسوس تجاه الأقصى رغم وجود مؤشرات قبل وقوعه تمتد على مدار سنوات، وهذا يقود للنقص الثاني وهو غياب النخبة القادرة على القيادة في القدس والذي ساهمت إسرائيل في حصوله.

وشدد على ضرورة الانتباه إلى خطورة الميول التصالحي العالي عند النخبة في القدس والذي كان سيؤدي في هبة باب الأسباط لتنازلات أفشلها الفعل الشبابي، وهنا تبرز أهمية البحث عن حل لكيفية تعويض غياب النخبة في تحديد الأهداف والتعبير عن التطلعات الشعبية.

أما عضو هيئة العمل الوطني عبد اللطيف غيث، فتحدث عن محاولة بعض الجهات استثمار إنجاز الشارع لصالح دول وجهات سياسية معينة، لكنه ركز على أهمية الانتصار الشعبي ووحدة قرار المقدسيين وإيمانهم بأن المعارك لا تتجزأ وكذلك مواجهتها.

وتطرق غيث لتداخل المعركتين السياسية والدينية في هبّة البوابات الإلكترونية، فرغم نزول المقدسيين إلى الشارع لحماية المقدس الديني، فإنهم استغلوا الفرصة بوقف مخططات إسرائيلية سياسية ضده ولو إلى حين.

المصدر : الجزيرة