إنقاذ التعليم في القدس

فلسطين-القدس- مدرسة دار الفتاة اللاجئة - انطلاق العام الدراسي 2016-2017-
تعاني مدينة القدس من انهيار شبه كامل في كافة قطاعاتها التعليمية والصحية والإسكان، وهو هدف رئيسي تعمل حكومات الاحتلال المتعاقبة على تحقيقه من خلال إضعاف المدينة وخدماتها بالنسبة للمقدسيين، وبالتالي الهجرة خارج حدود المدينة وإفراغها من سكانها لتوطين قطعان المستوطنين بدلا منهم.
 
وقطاع التعليم له دور أساسي في تنشئة جيل واع لقضيته ولهذا كان التعليم بالقدس المحتلة هدفا للاحتلال الذي يعمل لتدميره وإضعافه، حيث أصبح يعاني في مدينة القدس من سياسات الاحتلال كغيره من القطاعات، فبات الآلاف من الطلاب بلا مقاعد دراسية، والعديد من المدارس تفتقر لأدنى المقومات والأساسيات من معلمين وقرطاسية وخدمات، ناهيك عن تهويد المناهج الدراسية وتحريفها، إضافة لوضع معيقات أمام عملية بناء المدارس وترميمها.
 
تعد القدس بتاريخها القديم والمعاصر مركزا تعليميا لفلسطين ضم أفضل المؤسسات التعليمية التي تماثلت مع الأهمية السياسية والاقتصادية والخدماتية للمدينة، وتعاظمت محاولات سلطات الاحتلال الإسرائيلي لعزل القدس عن محيطها المباشر وبقية الأراضي الفلسطينية.
نتيجة لنكبة 1948، انقسمت مدينة القدس إلى شطرين، وقع الجزء الغربي منها تحت السيطرة الإسرائيلية، في حين دمج الجزء الشرقي منها وباقي الضفة الغربية مع المملكة الأردنية الهاشمية
انعكاس الاحتلال
وقد انعكست إجراءات الاحتلال على الوضع التعليمي في المدينة، فتضاءل عدد الطلاب الذين قدموا من قرى القدس المحيطة ومناطق أريحا وبيت لحم ورام الله مع تشديد سياسة الإغلاق والحصار، فبحلول عام 1996 أصبح عدد هؤلاء لا يتجاوز العشرات مقابل الآلاف قبل سياسة الإغلاق.
 
بالإضافة إلى الطلاب فإن قرابة 60% من المعلمين في مدارس القدس الخاصة والحكومية (تحت إشراف وزارة التعليم الفلسطينية) هم من غير المقدسيين، وأصبح التحاقهم بصفوفهم مخالفة قانونية تعرضهم للملاحقة والاعتقال، كما أن إقامة الجدار الذي شارف على الانتهاء سيضع المدينة أمام تحد جديد يهدد بانهيار المسيرة التعليمية.
 
نتيجة لنكبة 1948، انقسمت مدينة القدس إلى شطرين، وقع الجزء الغربي منها تحت السيطرة الإسرائيلية، في حين دمج الجزء الشرقي منها وباقي الضفة الغربية مع المملكة الأردنية الهاشمية، وبذلك أتبعا للنظام التعليمي الأردني.
 
وفي عام 1949م أنشئت وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، التي وفرت في البداية تعليما مدته 9 أعوام للأطفال المقدسيين، وفي 28 أغسطس/آب 1994 أنشئت وزارة التربية والتعليم العالي الفلسطينية، فتسلمت هذه الوزارة مسؤولية التعليم بجميع جوانبه في الضفة الغربية وقطاع غزة، باستثناء القدس، حيث استلمت فقط مدارس الأوقاف، أما اليوم فتتوزع الهيئات المشرفة على التعليم في القدس على أربع جهات رئيسية؛ هي الأوقاف الإسلامية (وتتبع للسلطة الوطنية الفلسطينية)، ووزارة المعارف وبلدية القدس التابعتان للاحتلال، والقطاع الخاص، ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا).

من أبرز معيقات التعليم وتطوره في القدس المحتلة افتقار المدينة لمرجعية موحدة لإدارة العملية التربوية

بعد الهزيمة
وبعد هزيمة العرب في حرب 1967 واحتلال الإسرائيليين شرقي القدس، ألغت سلطات الاحتلال العمل بقانون التعليم الأردني ووضعت التعليم الابتدائي تحت رقابة وزارة المعارف الإسرائيلية، والتعليم الثانوي تحت رقابة بلدية القدس الإسرائيلية.

كما أغلقت سلطات الاحتلال مكتب التعليم في محافظة القدس واعتقلت العديد من مسؤولي التربية والمعلمين بمن فيهم مدير التربية، أما المدارس الخاصة المحلية والأجنبية فسمح لها بإدارة شؤونها، وإن ظلت تخضع لضغوط مباشرة وغير مباشرة لمحاباة سياسات الاحتلال، خاصة في المناهج.

ومن أبرز معيقات التعليم وتطوره في القدس المحتلة افتقار المدينة لمرجعية موحدة لإدارة العملية التربوية، فمن جهة تفرض سلطات الاحتلال نفسها من خلال مدارس المعارف والبلدية ومن خلال التضييقات المختلفة التي تمارسها على المدارس الأخرى، ومن خلال ضمها شرقي القدس إداريا إلى دولة الاحتلال، ومن جهة ثانية، تعتبر السلطة الفلسطينية شرقي القدس جزءا إداريا من الضفة الغربية، ولكن وزارة التربية والتعليم الفلسطينية لا تدير فعليا إلا مدارس الأوقاف، وتتعاون مدارس وكالة الغوث مع توجهات هذه الوزارة.

أما المدارس الأهلية والخاصة فإنها مختلفة الانتماءات والتوجهات، فمنها ما يتعاون مع الوزارة الفلسطينية، ومنها ما يتمتع بدعم سلطات الاحتلال وبالتالي يحابيها، ومنها ما هو مستقل أو يتبع لهيئات عربية أو دولية أو دينية مختلفة، لذلك بات التعليم في القدس يعاني من سياسات مختلفة وتوجهات متناقضة ليكون الطالب هو الضحية.

ويعد عدم وجود مصادر تمويلية وميزانيات كافية ومستمرة للقطاع التعليمي من مشاكل التعليم الأساسية بالقدس المحتلة، ومن أبرز نتائج هذه المشكلة النقص في عدد المدارس وعدم كفايتها لأعداد الطلاب المتزايدة، وعدم صيانة أو توسيع القائم فيها، مما أدى إلى استئجار مبان غير مؤهلة، وحاويات وأبنية متنقلة وملاجئ ومخازن وممرات، واستخدامها أماكن للدراسة تفتقر للحد الأدنى من الظروف الصحية والتصميمية والمرافق التعليمية المناسبة، مما أدى إلى ازدحام واكتظاظ الصفوف الدراسية لضيقها ولعدم إمكانية التوسع ببناء مدارس جديدة أو ترميم بعضها الآيل للسقوط.

المنهاج الدراسي بين يدي الطلبة المقدسيين يتعرض للتعديل والتشويه وحذف أجزاء من الكتب الدراسية وطمس مادة العقيدة الإسلامية

مشاكل بنيوية
وبلغت نسبة حوالي 30 طالبا بالصف الواحد، ناهيك عن ازدياد المشاكل في البنى التحتية للمدارس وتردي حالة الكثير منها لافتقارها للمرافق والساحات وتجهيزات المختبر والطواقم الإدارية التعليمية والخدمات الأساسية اللازمة للعملية التعليمية والملائمة للبيئة المدرسية ورياض الأطفال، ونقص البرامج لذوي الاحتياجات الخاصة وعدم توفر الأماكن التي تخصص للأنشطة اللامنهجية كالمكتبات والقاعات والصالات وملاعب الرياضة وخلافه

.

وإضافة للمشاكل التي تعاني منها المباني والمستلزمات التعليمية في القدس المحتلة، فإن المنهاج الدراسي بين يدي الطلبة المقدسيين يتعرض للتعديل والتشويه وحذف أجزاء من الكتب الدراسية وطمس مادة العقيدة الإسلامية، وغياب بعض السور القرآنية، وتجزئة مادة التاريخ، وتحريف أسماء المدن الفلسطينية بدواع تحريضية وبهدف تهويد وأسرلة منهاج التعليم في القدس، بخطوات مدروسة وممنهجة لتجهيل ونشر ثقافة التخلف.

ومن المشاكل والمصاعب التي تواجه التعليم في القدس المحتلة تنامي نسبة التسرب والتسريب خاصة المراحل العليا التي تجاوزت أكثر من 50% بين أبناء المدينة، جراء جذب سوق العمل الإسرائيلي لهم بسبب ارتفاع الأجور، ومشاكل النظام التربوي كالنقص في عدد المدارس، والغرف الصفية الضيقة التي تفتقر للشروط الصحية والسلامة التربوية، وتوتر علاقات المعلمين مع الطلبة والتي لعبت دورا كبيرا في التسرب حتى أصبحت ظاهرة مقلقة للغاية، خصوصا أن ذروتها بالمرحلة الثانوية.

كما تتعمد وزارة التعليم الإسرائيلية المساس باللغة العربية ومحاولة طمسها من خلال احتواء المناهج على أخطاء لغوية وإحلال العامية محل اللغة الفصحى، أما بخصوص الجامعات الإسرائيلية التي يدرس فيها الطلاب العرب فقد لوحظ أن التدريس يتم بالعبرية وموضوعات النحو والصرف مهمشة في المناهج، كما أنها تفتقر لكل ما يتعلق بجماليات العربية التي تحبب اللغة إلى المتلقين خاصة الأطفال منهم، في محاولة واضحة لقيام العبرية محل العربية وتشويه الهوية الإنسانية الوطنية والقومية للطالب المقدسي.

إنشاء صندوق لدعم التعليم في القدس يهتم بدعم رواتب المعلمين والمدارس بما فيها المدارس الخاصة للاستغناء عن الدعم المقدم من البلدية

سبل المواجهة
ولمواجهة الواقع التعليمي الصعب في مدينة القدس المحتلة لا بد من
:

تطوير وتفعيل واقع التعليم في المدينة بالقدر الذي يعزز الصمود ويحافظ على الهوية الوطنية الفلسطينية.

ضرورة تعامل المجتمع الدولي مع القدس كأراض محتلة، وبالتالي تفعيل دور مديرية تربية القدس الشريف كمرجعية لقطاع التعليم في المدينة.

العمل على تخصيص موازنة مستقلة لمواجهة التحديات الخاصة بقطاع التعليم في القدس.

تعزيز وعي المواطنين في القدس بأهمية دور التعليم في العملية التنموية، وفضح الممارسات الإسرائيلية في قطاع التعليم التابع للبلدية والمعارف الإسرائيلية وفلسفتها المدمرة على المدى البعيد

– ممارسة ضغوط محلية ودولية على سلطات الاحتلال لوقف تقييد حرية الحركة للطلبة والمعلمين وتجنيد مؤسسات حقوق الإنسان للمساهمة في ذلك.

– توفير منح دراسية لخريجي الثانوية العامة بدلا من التوجه لسوق العمل الإسرائيلية.

لا بد من التذكير الدائم بأن جذر المشكلة هو الاحتلال.

ضرورة إيجاد مرجعية موحدة لقطاع التعليم في القدس.

تأمين الدعم المادي للطلاب والمدارس على حد سواء. فسيحد هذا الدعم من نسب التسرب العائدة إلى ضيق الظروف الاقتصادية. كما سيمكن هذا الدعم المدارس من دفع رواتب مغرية تجذب أصحاب الكفاءات.

الاهتمام بتأهيل الكوادر التعليمية من خلال تنظيم برامج التدريب المختلفة بشكل دوري، والتركيز على احتياجاتهم، خاصة في بيئة الاحتلال.

– إنشاء صندوق لدعم التعليم في القدس يهتم بدعم رواتب المعلمين والمدارس بما فيها المدارس الخاصة للاستغناء عن الدعم المقدم من البلدية.

المصدر : الجزيرة