الستاتيكو.. قانون عثماني يحفظ حقوق مسيحيي القدس

تصميم عن قانون الوضع الراهن في القدس والذي وضع في العهد العثماني
كنيسة القيامة في القدس إحدى أهم الكنائس في العالم، ويحج إليها مئات آلاف المسيحيين من كافة الطوائف سنويا، لذلك كان لا بد من قانون واضح وجلي ينظم حقوق الطوائف المسيحية فيها فكان "الستاتيكو".

ان ما يعرف بقانون الوضع الراهن "الستاتيكو" هو قانون صادر عن الدولة العثمانية التي كانت تحكم القدس والبلاد العربية بتاريخ 2 أغسطس/آب 1852 ويقوم على تثبيت حقوق كل طائفة وجماعة دينية كانت موجودة في القدس دون السماح بإحداث تغيير فيما كان عليه الوضع منذ ذلك التاريخ.

وبالتالي تم حفظ حقوق الطوائف والجماعات الدينية من مختلف الأديان، وعلى رأس ذلك الحقوق الطائفية في كنيسة القيامة، وما زال هذا القانون معمولا به الى حد كبير حتى اليوم.

يشار إلى أن هذا القانون حدد أديرة كل طائفة ومكاتبها في كنيسة القيامة حيث توزعت كالتالي:

يوجد في كنيسة القيامة دير للرهبان الفرنسيسكان (اللاتين) الذين يخدمون في الكنيسة ويقع شمالا، حيث كانت قديما الدار البطريركية، وكان الرهبان حتى سنة 1870 يعيشون في دير مظلم، فتوصل إمبراطور النمسا فرانسيس يوسف الأول إلى الحصول على إذن لهم ببناء دير صغير أضيفت إليه طبقة جديدة سنة 1967.

وينتسب الرهبان الفرنسيسكان إلى القديس فرانسيس الأسيزي (1182-1226) الذي نشأ وعاش في أمبريا من أعمال إيطاليا، وكان قد جاء إلى القدس سنة 1219.

وتحوي الكنيسة أيضا الدير الكاثوليكي الوحيد، وهناك إلى جانبه الأديار الأرثوذكسية، وأولها دير الروم الأرثوذكس، وبعد فتح الأتراك القسطنطينية (1453) أخذ الإكليروس البيزنطي يتردد إلى الأراضي المقدسة، وبعد امتداد السيطرة العثمانية على القدس سنة (1516) بقليل عين على القدس بطريرك يوناني يدعى (جرمانوس 1534-1579)، وهو الذي أسس (أخوية القبر المقدس) التي يعد أعضاؤها حراس الأراضي المقدسة باسم العالم الأرثوذكسي، كما ويوجد شرق ساحة القيامة دير القديس إبراهيم الذي اشتروه سنة 1660 من الأحباش، وعثروا تحته سنة 1690 على كنيسة قديمة تعرف بـ"كنيسة الرسل".

ما إجراءات الاحتلال إلا محاولة لتغيير هذا "الستاتيكو" الذي حافظ على الحقوق الدينية لمئات السنين وما زال معمولا به حتى اليوم

وبعد الروم الأرثوذكس يأتي الأرمن الأرثوذكس، ولهم بعض المساكن في كنيسة القيامة، ولكن ديرهم الرسمي يقع في حارة الأرمن حول كنيسة القديس يعقوب الكبير، وهو بناء صليبي يرتقي إلى القرن الـ12 الميلادي، وقد بني نصف ذلك الدير في القرن الـ17 الميلادي.

وللأرمن الحصة الثالثة في كنيسة القيامة، ومنها قسم الرواق الذي يشرف على القبر المقدس، وكنيسة القديسة هيلانة، أما الأقباط فلهم ديرهم وكنيستهم الكبرى المعروفان بكنيسة ودير القديس أنطونيوس، حيث يقومان خارج كنيسة القيامة، ولهم معبد صغير ملاصق للقبر المقدس بنوه سنة 1808 وفيه يصلون.

أما الأحباش فيقيمون في دير السلطان المجاور على سطح كنيسة القديسة هيلانة، والسريان الأرثوذكس يقيمون الصلاة كل أحد في معبد للأرمن يقوم في حنية القبر المقدس يدعى بدير القديس مرقس.

ومما تقدم تظهر بعد مئات السنين روعة "الستاتيكو" في التنظيم المتناسق والمتناغم لكافة الطوائف المسيحية وحفظ حقوقها وأماكنها الدينية في كنيسة القيامة، وحتى اليوم هذا القانون يسير بتناغم رائع بين جدران الكنيسة.

وعلى الرغم من هذا القانون وأهميته فإن حكومة الاحتلال الإسرائيلي انتهكته عشرات المرات من خلال تجميد أرصدة كنيسة القيامة في البنوك، واضطهاد المسيحيين بالتعدي على حرمة الكنيسة وقدسيتها بالاقتحام والحرق والتدمير والسرقة، وما إجراءات الاحتلال إلا محاولة لتغيير هذا "الستاتيكو" الذي حافظ على الحقوق الدينية لمئات السنين وما زال معمولا به حتى اليوم.

المصدر : الجزيرة