كيف تواجه السلطة تفرد الاحتلال بالقدس بعد إعلان ترامب؟

صور لاعتداء جنود الاحتلال على سيدات مقدسيات خلال جمعة الغضب رفضا لاعتراف ترمب بالقدس عاصمة لإسرئيل
الاحتلال تصدى لكل مظاهر رفض قرار ترامب ومنع الفلسطينيين من تنظيم الفعاليات بالقدس (الجزيرة)

الجزيرة نت-القدس

قبل عام على التمام، أوفى الرئيس الأميركي دونالد ترامب بما وعد به ناخبيه وأعلن رسميا مساء الأربعاء السادس من ديسمبر/كانون الأول 2017 اعتراف إدارته بالقدس المحتلة عاصمة لإسرائيل، وقرر نقل السفارة الأميركية إليها.

ورغم الرفض الدولي للإعلان، والمتمثل في قرار الجمعية العامة للأمم المتّحدة في 21 ديسمبر/كانون الأول 2017، فإن الولايات المتحدة نفذت قرارها بالفعل في 14 مايو/أيار 2018، وهو اليوم الذي يحيي فيه الفلسطينيون ذكرى نكبتهم عام 1948.

كان نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس بمثابة ضوء أخضر للاحتلال، الذي بدأ حربا ضد كل ما هو فلسطيني؛ بدءا بمحاربة العلم الفلسطيني، وانتهاء بإغلاق وملاحقة مؤسسات المجتمع المدني والعاملين في السلطة الفلسطينية؛ لفرض سيادة واحدة على المدينة، هي سيادة الاحتلال.

موازنة ضخمة
كان من أول قرارات الاحتلال بعد إعلان ترامب هو إضافة نحو ملياري دولار لموازنة وزارة القدس في حكومة الاحتلال، والمقدرة بنحو ثمانية مليارات دولار، مقابل أقل من ثمانية ملايين دولار تخصصها الحكومة الفلسطينية لوزارة شؤون القدس.

وخلال العام الأخير، أطلق الاحتلال يده ووظف أجهزته القضائية والجمعيات الاستيطانية للاستيلاء على المنازل الفلسطينية، وسرعان ما قررت المحكمة العليا تحويل مناطق فلسطينية للجمعيات الاستيطانية.

كما حارب الاحتلال الهوية الفلسطينية، ومنع رفع العلم الفلسطيني، واعتقل العشرات ممن رفعوه، ومنع إدخال مناهج دراسية عليها علم فلسطين إلى مدارس المسجد الأقصى.

الحرب الأكثر ضراوة كانت على المؤسسات الفلسطينية؛ فمنعت عشرات الفعاليات التي دعت إليها تكتلات وجمعيات فلسطينية، بما في ذلك وقفات سلمية تم تفريقها من قبل أعداد كبيرة من جنود الاحتلال.

وطوال العام الأخير، لاحق الاحتلال كل مظاهر السيادة الفلسطينية بالمدينة، وكان آخرها اعتقال محافظ المدينة عدنان غيث عدة مرات في الأسابيع الأخيرة، واعتقال عناصر وقيادات بحركة فتح والأجهزة الأمنية الفلسطينية.

نكث بالرسالة
وفي الإجراءات الإسرائيلية نكث واضح برسالة بعث بها شمعون بيريز وزير الخارجية الإسرائيلي إلى وزير الخارجية النرويجي هولست في أكتوبر/تشرين الأول 1993، ونصت على "اعتراف إسرائيل بالمصالح الوظيفية لمنظمة التحرير في مدينة القدس".

وتعهدت الرسالة بعدم عرقلة نشاط جميع المؤسسات الفلسطينية في القدس الشرقية، بما فيها المؤسسات الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية والثقافية، بالإضافة إلى بيت الشرق والأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية، ونقل هذا التعهد إلى منظمة التحرير.

ورغم إغلاقه بيت الشرق وجمعية الدراسات العربية عام 2001، تغاضى الاحتلال طوال العقدين الأخيرين عن أنشطة أخرى، لكنه بدأ العام الأخير تتبع كل الأنشطة وحظرها.

وعلى صعيد الأوقاف، عزز الاحتلال إجراءاته في المسجد الأقصى ومحيطه، ومنع دائرة الأوقاف من ممارسة صلاحياتها في أكثر من مناسبة، بما في ذلك أعمال الترميم، واعتقال وملاحقة الموظفين والحراس؛ وهو ما يعني المس بالسيادة الأردنية على المكان.

الرد الممكن
في ظل كل هذه الإجراءات، يطرح التساؤل المهم: ماذا بإمكان السلطة الفلسطينية أن تفعل؛ أتستسلم للواقع أم تسعى لتغييره؟

تؤكد ورقة بحثية لمؤسسة القدس الدولية أنه لا يمكن تخفيف خطورة الإعلان الأميركي، لكن في الوقت ذاته لا يمكن الركون إليه كقدر محتوم وأمر واقع لا يمكن التصدّي له.

وأوضحت الدراسة أن إعادة الباراغواي سفارتها لدى الاحتلال إلى "تل أبيب" بعد نقلها إلى القدس تعزّز إمكانيّة عكس قرارات الدول التي نقلت سفاراتها بالفعل.

وشددت الدراسة على ضرورة عدم التعاطي مع إعلان ترامب وقرار نقل السفارة كأمر واقع، بل كخطوة سياسية يمكن عكسها، فضلًا عن أهمية استمرار فعاليات المقاومة الشعبية في فلسطين المحتلة الرافضة لهذا القرار.

تشكيك في الإرادة
من جهته، لا يبدو القيادي المقدسي حاتم عبد القادر مقتنعا بوجود إرادة سياسية حقيقية فلسطينية للتعامل مع القدس، مؤكدا أن "هناك وزارة ومحافظا ولديهم ميزانية معلنة وهي ميزانية تقديرية وعلى الورق، وما يصرف بالقدس لا يتجاوز عشرة ملايين شيكل".

كما يبدو المسؤول بحركة فتح غير مقتنع برد فعل السلطة الفلسطينية على ما يجري ضد المحافظ وغيره من ممارسات قمعية، معتبرا أن الشجب والاستنكار من خلال البيانات لا يكفي، ولا بد من اتخاذ موقف واضح إزاء ما يحصل.

ويطالب برؤية وإستراتيجية، وألا يترك المواطنون بالقدس وحدهم، مشيرا إلى اقتراح إعادة تفعيل أمانة القدس وتكليف الأعضاء المنتخبين بمهام للعمل بدل تعطيلهم.

ويؤكد المسؤول الفلسطيني أن إسرائيل تريد سيادة غير منقوصة بالقدس، وعلى السلطة مقابل ذلك أن تفرض أمرا واقعا وتعمل بالقدس، بغض النظر عن القمع والاعتقالات، "وهذا يحتاج إلى أوامر وتوجيهات نابعة من إرادة سياسية حقيقية".

وأشار إلى وقف الاحتلال التنسيق الأمني بمنطقة غلاف القدس، مؤكدا أنه كان على السلطة وقفه بالكامل في المناطق "أ"، فإما تنسيق كامل أو لا للتنسيق. 

رفض البدائل
بدوره، يؤكد الباحث بمركز يبوس للاستشارات والدراسات سليمان بشارات أن ما يجري هو منع أي رمز سيادي فلسطيني مهما كان صغيرا في القدس، داعيا السلطة للتحرك ووضع قدم لها في المدينة مهما كلف ذلك من ثمن.

لكنه شكك في وجود إرادة للسلطة للعمل في القدس ومواجهة قرارات الاحتلال، رافضا أن يكون بديل الملاحقة داخل القدس فتح مؤسسات بديلة في محيطها.

وشدد على ضرورة تلويح السلطة الفلسطينية بورقة التنسيق الأمني؛ "فإما أن تواصل دورها تجاه القدس وسكانها، أو توقف التنسيق في محيط القدس".

ودعا بشارات السلطة إلى عدم الاستسلام للأمر الواقع، وأن تواصل العمل وإيجاد البدائل للمؤسسات المغلقة، والوصول للسكان بكل السبل مهما كلف ذلك من أثمان.

المصدر : الجزيرة