القدس تدخل السباق

القدس تدخل السباق
بعد افتضاح "صفقة القرن" يطيب للبعض تصوير القدس وكأنها سلعة قابلة للبيع في سوق المزاد التي يتردد أثرياء العرب والمسلمين في الدخول إليها، أو يحجمون بتحفظ شديد عن المشاركة فيها خشية إحراج صاحب السوق أو الدلال الذي سيعلن عن بدء المزاد.

ولكن الصورة غير ما يتصور البعض، والوضع أشد خطورة مما يمكن أن يتوقعه أحد.

فالقدس يا سادة تحوّلت إلى فرس سباق في ميدان مفتوح لفريقين من الفرسان.. فريق عربي إسلامي وفريق يهودي صهيوني. وكل فارس من الفريقين متاح له أن يمتطي "القدس-الفرس" ليظهر مهارته في سباق صفقة القرن، وهو في الحقيقة سباق العصر الشديد الحساسية والخطورة، فهو الذي سيحدد في النهاية مصير القدس وهويتها التاريخية.

على الجانب الأول من الميدان، يقف فرسان استيطان صهاينة بخوذ أميركية الصُّنع، وقد تلقوا تدريبا طويلا على كل وسائل الفروسية والجري السريع والوثب الخاطف على الحواجز.. يتقدمهم سائس خيل ذو عيون زرقاء وشعر أشقر سيراهن على نتيجة السباق.

لكن السباق المحموم قد بدأ الاستعداد له، والحكم الأجنبي غير النزيه يحمل في يده صفارة البدء، وينادي بمكبر صوت في يده: المشاركة في هذا السباق المعاصر متاحةٌ للجميع

وعلى الجانب الثاني يقف فرسان عرب أصلاء حماستهم تغلب مهارتهم في سباق الخيول، وعقيدتهم المستيقظة في الأعماق تؤهلهم ليكونوا فرسان سباق، ولكنهم وهم على أهبة الاستعداد يتساءلون عما تم وأنجز لهم من التدريب والإعداد.

ولكن السباق المحموم قد بدأ الاستعداد له، والحكم الأجنبي غير النزيه يحمل في يده صفارة البدء، وينادي بمكبر صوت في يده: المشاركة في هذا السباق المعاصر متاحةٌ للجميع، ومن هو جدير بالفوز حقه في الجائزة لا يضيع، وفي حفل عالمي بهيج سنقدم له كأس الفوز وستكون "القدس-الفرس" له.

والخوف كل الخوف أن لا يكون الفرسان العرب المُجبرون على الدخول في السباق قد تلقوا التدريب الكافي والتحفيز الوافي، وإن عطشوا أو عطشت فرسهم العربية الأصيلة لا يحظون بماء يكفيهم ويشفي صدورهم من نبع التشجيع الصافي، خاصة حين يحتد الهتاف ويعلو على الجانبين.

أما المتسابقون الصهاينة فنقطة ضعفهم تكمن في أنهم لا يمتطون فرسا تمت لهم بصلة من قريب أو بعيد، رغم مزاعمهم وادعاءات أسيادهم ومدربيهم ومشجعيهم المخادعين أو المخدوعين، في حين سيمتطي المتسابقون العرب فرسا هي لهم منذ الأزل تختزن ذاكرتها فتوحات وبطولات أجدادهم وعلى عنقها بقع حمراء لامعة من دم شهدائهم.

فلمن تكون الغلبة يا ترى إذا تقرر البدء بالسباق؟ ومن الفريق الذي سيحسم النتيجة في الميدان؟

في هذه الحالة فإن الدعم العربي الإسلامي لفرسان السباق الميداني مطلوب، وتشجيع الجماهير العربية الإسلامية المحتشدة على الجانبين مطلوبٌ أيضا.

علينا ألا ننسى ذاك القادم من أقصى الغرب بكل ما امتلكه من خبرة في مجال المراهنة على حلبة المصارعين، ليلقي بكل ثقل خبرته ودهاء مراهناته على حلبة المصارعين منحازا لفريق دون الآخر

توضيح طبيعة السباق لجهات العالم الأربع ضروري وواجب كبير يقتضيه الوضع الراهن، ويفرضه علينا التاريخ، ولا بد من عيون إعلامية تراقب وحكمة ودراية سياسية تتابع وتواكب وتدرس خطورة الحالة من مختلف الجوانب.

وعلينا ألا ننسى ذاك القادم من أقصى الغرب بكل ما امتلكه من خبرة في مجال المراهنة على حلبة المصارعين، ليلقي بكل ثقل خبرته ودهاء مراهناته على حلبة المصارعين منحازا لفريق دون الآخر، والآخر المعني بالطبع هو فريقنا المستهدف، حيث سيحشد دعاة الاحتلال ومؤيدوه وسماسرته حشودا غفيرة من المشجعين المشاغبين والمشاكسين، في حين يجلس بينهم في المقصورة العالية عددٌ من المراهنين المنحازين، وسيشترون دولا وشعوبا ترسل لهم أفواجا بعد أفواج من مشجعين انكشاريين مرتزقة خالية قلوبهم من أدنى رحمة أو شفقة، وقد أعدوا حناجرهم المبيعة في سوق الدعاية الصهيونية السوداء للهتاف والزعيق الذي لا يترفع عن الشتم والسباب للفريق الآخر وجمهوره العريض.

ويبقى الأمل معقودا على ناصية الفرس الأصيلة التي نرجو أن نكون قد أحسنّا اختيار فرسانها العرب الشجعان، وأن نكون قد حسبنا ألف حساب لحملات التضليل وادعاءات الزور والبهتان بتقدم الفريق الصهيوني على الفريق العربي، وذلك بقلب الحقائق وتزوير الواقع المنظور على أرض السباق.

الميدان واسع وكبير، والسباق الذي تم الإعلان عنه مقلق للغاية وخطير، والتصميم على حسم النتيجة فيه لصالح فرساننا العرب محتاج لبذل ودعم وتحفيز

وفي هذه الحالة الغريبة المستفزة لا يكفي أن نواصل الهتاف "القدس عربية إسلامية وعاصمة أبدية لفلسطين"، إذ لا بد من مبادرات وردود فعل حازمة وحاسمة تنتصر للقدس وفارسها العربي الأصيل، وتحسم النتيجة لصالحها وصالح فلسطين من نهرها إلى بحرها، والمبادرات هُنا وردود الأفعال المفتوحة على أفعال خلاقة ومجدية لا تكون بالتمنيات وبالوقوف عند صناعة الحلم بالفوز، وإنما بتوفير كل الضمانات الكفيلة بحسم قصب السبق وتحقيق الحلم المشروع، من قبل الإيذان ببدء السباق.. سباق العصر المعلن على الملأ.

الميدان واسع وكبير، والسباق الذي تم الإعلان عنه مقلقٌ للغاية وخطير، والتصميم على حسم النتيجة فيه لصالح فرساننا العرب محتاج لبذل ودعم وتحفيز بشكل وفير، لا سيما أنه سباق تقرير المصير إن تم.

والحذر كل الحذر من أن يكون حكَم السباق غير نزيه، وفي نفسه انحياز بغيض وكريه. فلنفتح عيوننا وأسماعنا عليه منذ البداية، ومن أول انحياز أو محاباة لدولة الاحتلال، والأفضل هنا أن نطالب بوقف السباق إن جرى، وأن نرفع للاحتجاج في الميدان أكثر من راية، آملين في أن يقف معنا مليار ونصف مليار مشجع من أمة الإسلام، يُساندهم الملايين من أحرار العالم ومن محبي العدل والسلام، وعندها سنجد حكَما دوليا حازما بصافرةٍ نزيهة يوقف السباق الظالم، ويطالب بإخراج "القدس-الفرس" من الميدان المحاط بكل دعاة الاحتلال والاستيطان، ويقرر وفق شرائع وقوانين دولية إعادتها إلى أصحابها الشرعيين ليتم تتويجها عاصمةً لدولةِ فلسطين.

إخراج القدس وفارسها العربي الأصيل من مهرجان السباق الجائر هو المطلوب، وتعطيل الرهان وأطماع المراهنين يكون هو الفوز الذي نريده

ولكن.. ماذا نحن فاعلون إذا كان معدو السباق صهاينة متطرفون والمشجعون والمراهنون أميركيون مُتَصهينون، هل ندخل السباق والنتيجة محسومة سلفا؟!

ليكن معلوما لدينا في هذه الحالة أن قرار إدخال القدس في هذا السباق الظالم فرضه الاحتلال الذي زاد على خمسين عاما، معززا بقرار الرئيس الأميركي ترمب اعتبار القدس عاصمة للكيان الصهيوني.

وليكن معلوما لدينا أيضا والقدس تساق كفرس عربية محكومة بلجام صهيوني إلى ميدان سباق حكمه منحاز وغير نزيه البته، أن النتيجة مهيأة ومرسومة سلفا لصالح الفريق المحتل، وفي حالة تفوق الفرسان العرب سيدخل إلى الميدان المحاط بالكمائن قطّاع الطرق الصهاينة بقبعاتهم اليهودية السوداء، ينصبون للفارس العربي الأفخاخ ويجرونه إلى حفر خداع معدةٍ كشباك صيد، وفي هذه الحالة المريبة لا يكون الدخول في سباق مع الاحتلال هو المطلوب، وإنما إخراج القدس وفارسها العربي الأصيل من مهرجان السباق الجائر هو المطلوب، وتعطيل الرهان وأطماع المراهنين يكون هو الفوز الذي نريده وتريده منا القدس، على الأقل ليكن مطلبنا إن فرض علينا وعلى القدس السباق إخراج الحكم غير النزيه والمتصهين حتى العظم من الميدان، فهل نحن قادرون وفاعلون؟

الإجابة بـ"نعم" مرهونة بالإرادة العربية الإسلامية التي يُراد لها أن تكون صلبة وقوية وعلى مستوى التحدي التاريخي الكبير.

المصدر : الجزيرة