القدس.. خنق الاقتصاد خدمة لخطط التهويد

جدار الاحتلال يفصل أهم مدينتين سياحيتين بفلسطين: القدس شمالا وبيت لحم جنوبا
جدار الاحتلال يفصل أهم مدينتين سياحيتين بفلسطين: القدس شمالا وبيت لحم جنوبا (الجزيرة)

في العقدين الأخيرين، تسارعت الإجراءات الإسرائيلية لخنق المقدسيين اقتصاديا بشتى أنواع الضرائب، ومنع إصدار تراخيص البناء، وتحويل الأراضي فيها إلى مناطق خضراء ولاستخدامات عامة تمهيدا لإحالتها إلى المستوطنين، إضافة إلى عزلها عن محيطها من الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، والنتيجة: أسواق راكدة، بطالة تزيد عن 15% ونسبة فقر تتجاوز 80%.

"القدس عماد التناغم الاقتصادي والسياسي والاجتماعي والثقافي والتاريخي لكل مفاصل دولة فلسطين وامتداداتها"، حسبما يقول رئيس المجلس الاقتصادي الفلسطيني للتنمية والإعمار (بكدار) محمد اشتية في حديثه لوكالة الأنباء الفلسطينية (وفا) ضمن تقرير موسع عن اقتصاد القدس.

ويضيف أن "القدس كانت تشكل مجموعة روافد للاقتصاد الفلسطيني، الأول هو السياحة، وهي ليست سياحة دينية فقط، بل تاريخية وتعليمية وترفيهية، خاصة أن للقدس بنية تحتية للفنادق والمناخ المناسب، وتشكل البيت الصيفي إلى جانب رام الله، والقيمة الاقتصادية أيضا تتمثل في القطاع التجاري والقطاع الثقافي".

ويتابع اشتية أن القدس على مدار التاريخ كانت أيضا عاصمة التعليم، بوجود عدد كبير من المدارس ومؤسسات التعليم على مستوى رفيع، سواء أكانت حكومية أم خاصة أم تلك التابعة لجمعيات غير ربحية. ومن المدارس القديمة الموجودة في المدينة: تراسنطا منذ العام 1846 وهي امتداد لفرع بيت لحم، ومدرسة شميدت للبنات، والفرير، والمدارس التي أقيمت أيام الدولة العثمانية.

قيمة اقتصادية
منذ احتلال المدينة عام 1967، أدرك الكيان الصهيوني القيمة الاقتصادية للقدس بالنسبة للفلسطينيين، فبدأ منذ اليوم الأول تنفيذ خطط لعزل المدينة عن باقي الأراضي الفلسطينية، لكن الهجمة أصبحت أكثر وحشية وشراسة في السنوات الخمس الأخيرة.

القطاع السياحي الذي يشكل 40% من الناتج المحلي المقدسي هو الأكثر تعرضا لإجراءات الاحتلال من خلال التحكم بالحركة السياحية، وهذا ما أوضحه المدير العام للغرفة التجارية الصناعية العربية في القدس فادي الهدمي بقوله "كانت القدس تحوي 40 فندقا قبل العام 1967، والآن فيها 20 فندقا فقط، ولم يتم إنشاء سوى فندقين بعد العام 1967 بسعة 130 غرفة".

خطة إسرائيلية
في المقابل -يضيف الهدمي- أنشأت الخطة الإسرائيلية وآلتها الاقتصادية أنشأت فنادق على مقربة من الفنادق الفلسطينية، وفي قلب القدس الشرقية والبلدة القديمة وقرب المقدسات، لضرب تنافسية الفنادق الفلسطينية.

وتابع الهدمي "جزء من سياسة الهيمنة على السياحة بمنظومتها الكاملة، عمل المرشد السياحي الإسرائيلي ومكاتب السياحة التي تهيمن بشكل كامل على المفاصل السياحية في المدينة، فتمنع السياح الأجانب من الوصول للمناطق العربية أو أسواقها".

وتطرق اشتية للتحريض الإسرائيلي الكبير على المنشآت السياحية في القدس الشرقية، وقال: يأتي السائح يزور القدس العربية والبلدة القديمة لكنه ينام في القدس الغربية، ضمن برنامج تحريض الأدلاء السياحيين الإسرائيليين وتخويفهم للسياح من المقدسيين، ودفعهم للمبيت في الفنادق الإسرائيلية، وبالتالي فإن المردود المالي للسياحة يكون لصالح إسرائيل، بدءا بتذاكر السفر، مرورا بالمبيت والمطاعم وكل المتعلقات.

يواجه التجار المقدسيون في أسواق البلدة القديمة عددا لا حصر له من المصاعب، تتمثل في ضعف القوة الشرائية لدى البائع والمشتري المثقل كاهلهما بالضرائب والمخالفات، إذ إن 250 محلا تجاريا مغلقا من أصل 1300 في أسواق البلدة القديمة.

وخارج أسوار البلدة القديمة، هناك 550 محلا تجاريا تتوزع في شوارع صلاح الدين، والزهراء، والمسعودي، والأصفهاني، والرشيد، وابن سينا، وأبو عبيدة، وهي ليست بحال أفضل.

وقال اشتية إن شارع صلاح الدين الذي كان يسمى "شانزليزيه القدس"، والقلب النابض لسوق المدينة، يتحول إلى شارع فارغ من الناس وحركة البيع والشراء بحدود السادسة مساء.

حصار متدحرج
حتى أواخر ثمانينيات القرن الماضي، كانت أسواق القدس تعج بالمتسوقين من باقي أنحاء الضفة الغربية وقطاع غزة. ومع بداية التسعينيات، بدأت إسرائيل بحصار متدحرج للمدينة، حتى باتت معزولة ومحاصرة بالكامل بالحواجز والبوابات وجدار الفصل.

واليوم لم يعد بمقدور الفلسطينيين من باقي أنحاء الأراضي الفلسطينية دخولها إلا بتصاريح، وهي قليلة جدا ومحصورة بأنشطة معينة كالعلاج، فتعثرت الحركة التجارية في المدينة وضاقت على سكانها، مما دفع 112 ألف مقدسي إلى العيش والعمل خارج المدينة.

في أواخر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بدأت دوائر القرار في إسرائيل مناقشة ما يسمى "قانون القدس الكبرى"، وهو إطار قانوني لخطط إسرائيل المتواصلة بشأن القدس، تحت مسميات مختلفة مثل "القدس 2020" و"وجه القدس"، واستخدامها لفصل جنوب الضفة الغربية عن وسطها وشمالها، إضافة إلى دفع أكبر عدد من الفلسطينيين إلى خارج المدينة، وفي جميعها استخدمت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة التضييق الاقتصادي سلاحا.

في التفاصيل، تسعى هذه الخطط لتخفيض نسبة الفلسطينيين إلى إجمالي سكان المدينة إلى 10-12%، وتهجير المواطنين المسلمين والمسيحيين، وتوسيع مساحة القدس إلى أكثر من 10% من مساحة الضفة الغربية المحتلة، أو ما يعادل 600 كلم2، لتمتد من اللطرون غربا حتى البحر الميت شرقا.

وتمضي الخطة قدما من خلال مضاعفة البناء الاستيطاني في القدس وما حولها، وإنشاء الطرق الالتفافية والجسور لربط المستوطنات بالمدينة، والسعي لإسكان مليون يهودي فيها مع مرور الوقت، إضافة إلى عزل الأحياء العربية وحصرها في نحو 9.5 كلم2 فقط.

وقال الهدمي إن "خطة القدس 2020 تعمل على تحويل المدينة العربية إلى غيتو داخل القدس الغربية، التي تحولت ملامحها وتفاصيلها إلى مركز مدينة يشبه مراكز المدن العالمية في لندن ونيويورك وغيرهما، لتصبح قلب العاصمة بدلا من القدس العربية التي يقيد معمارها بعدم الارتفاع لأعلى من أربعة طوابق، مع إهمال متعمد لبنيتها التحتية".

خطط بلا تمويل
بدوره، قال اشتية إن هناك خططا وبرامج لدعم وتعزيز صمود المقدسيين بتوفير مشاريع إنشاء مساكن ومدارس وفنادق تعوض النقص لدى أهل المدينة، وتوفر الدعم للمدارس والمستشفيات، لكن الإمكانيات متواضعة.

وأضاف "طالبنا الدول العربية والأوروبية بتخصيص جزء من موازناتها لدعم القدس، وقدمنا الخطط وتقديرات المشاريع المطلوبة، لكن دون تجاوب أو أقل من المطلوب.. بتقديري إذا استطعنا توفير 100 مليون دولار سنويا -وهو أقل تقدير- سيكون مناسبا لدعم صمود المقدسيين".

عربيا، أقرت قمة بيروت عام 2002 تقديم دعم سنوي للقدس بقيمة 150 مليون دولار، وفي 2010 أسست الجامعة العربية صندوقا لدعم القدس بـ500 مليون دولار، تبعه صندوق آخر في 2013 بمليار دولار، لكن واقع الحال يقول إن ما وصل القدس من هذه المبالغ لا يتجاوز 30%.

ويقدر الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني عدد المقدسيين داخل المدينة المقدسة وفي ضواحيها اليوم بنحو 427 ألف فلسطيني، ويشمل حملة هوية القدس والسلطة الفلسطينية معا.

المصدر : الجزيرة + وكالات