21 عاما على هبة النفق الفلسطينية

القدس - صورة للشهيد أيمن ادكيدك في جريدة الأيام وبجوار الصورة بطاقة الدعوة لزفافه الذي كان مقررا بعد تاريخ استشهاده بأسبوع (الجزيرة نت)
أيمن ادكيدك زفّ شهيدا من المسجد الأقصى قبل أن يزف شهيدا إلى عروسه في الأسبوع التالي لاستشهاده (الجزيرة)
أسيل جندي–القدس

كانت الرصاصات التي أطلقها جنود الاحتلال على المقدسي أيمن ادكيدك داخل باحات المسجد الأقصى فيما تعرف بهبة النفق كفيلةً بإنهاء حياته وحرمانه من إتمام حفل زفافه الذي كان مقررا بعد أسبوع من استشهاده بالضبط.

ففي 25 سبتمبر/أيلول 1996 خرج الفلسطينيون في هبّة شعبية بعد فتح باب النفق الغربي أسفل الأقصى المبارك، وذلك في فترة حكم بنيامين نتنياهو الذي كلّف رئيس بلدية الاحتلال في القدس آنذاك إيهود أولمرت بافتتاحه، ويبلغ طوله ما يقارب 330 مترا.

وانطلقت المواجهات مع افتتاح النفق، وامتدت من شمال فلسطين إلى جنوبها، وارتقى خلال المواجهات التي أطلق عليها "هبة النفق" 63 شهيدا وأصيب 1600 آخرون بجروح متفاوتة.

بعد يومين من افتتاح النفق، توجّه المصلون يوم الجمعة 27 سبتمبر/أيلول للمسجد الأقصى لأداء صلاة الجمعة وكان من بينهم الشهيد أيمن ادكيدك الذي روى شقيقه نضال للجزيرة نت تفاصيل يوم استشهاد أخيه.

يقول نضال "في طريقنا للأقصى فتّشنا جنود الاحتلال المسلحون ثماني مرات، ومع دخولنا لباحاته لم أجد متسعا على إحدى المصاطب لأصلي بجانب شقيقي، فصليتُ في مكان قريب منه، وقلت له نلتقي بعد الصلاة عند الكأس، فردّ نلتقي في الجنة إن شاء الله، وكانت هذه العبارة آخر ما تفوه به".

نضال ادكيدك شقيق الشهيد أيمن ادكيدك يقلب صورا للحظة إصابته في المسجد الأقصى (الجزيرة)
نضال ادكيدك شقيق الشهيد أيمن ادكيدك يقلب صورا للحظة إصابته في المسجد الأقصى (الجزيرة)

زفاف في الجنة
وبعد انقضاء الصلاة بدأ المصلون بأداء صلاة السنّة فباغتهم الجنود بوابل من الرصاص الحي والمطاطي والقنابل الصوتية والغاز المدمع لدرجة أن الرؤية باتت ضبابية لانبعاث الغبار وتساقط أغصان أشجار السرو من ارتطام القنابل والرصاص بها، حسب ادكيدك.

التفت نضال للخلف فوجد شقيقه أيمن مضرجا بدمائه وقد خرج دماغه من رأسه، وعن ارتباكه في تلك اللحظات قال "خشيتُ أن أحمله فيتضرر أكثر.. سحبته لمسافة عشرة أمتار، حمله الشبان بعدها، ووجدت نفسي داخل المصلى القبلي مصابا بثلاث رصاصات مطاطية في رجلي اليسرى ورابعة أسفل عيني اليسرى".

بعد هدوء المواجهات، توجّه ادكيدك لمستشفى المقاصد ببلدة الطور، وأخبروه هناك أن شقيقه استشهد، وهرّب الشبان جثمانه إلى مقبرة الطور، وفي اليوم التالي نقلت العائلة الجثمان إلى مقبرة باب الرحمة بناء على وصية الشهيد بدفنه بجوار صديقه الشهيد حسن النتشة الذي ارتقى قبله.

بعد ساعات من دفن جثمان أيمن طرق ملثمون باب منزل العائلة وسلموهم قطعة قماش بداخلها دماغ ابنهم الشهيد وقطعا من جمجمته فعادوا مجددا لحفر القبر ودفن بقايا رأسه المهشم مع الجثمان.

حارس المسجد الأقصى خالد السيوري كان شاهدا على حادثة استشهاد أيمن ادكيدك الذي زُفّ شهيدا قبل أن تُزفّ عروسه له بعد أيام من ارتقائه.

وقال السيوري للجزيرة نت إن جنود الاحتلال أطلقوا النار على الشهيد من مسافة الصفر، ووضع الشبان دماغه على قطعة قماش بيضاء وهرولوا بها خلفه.

وشهد السيوري خلال 35 عاما من عمله حارسا في الأقصى تصدع أبنية المنطقة الغربية من المسجد والانهيارات التي حدثت وما زالت تحدث في محيطه بسبب الحفريات أسفله.

بدوره قال الصحفي المختص في شؤون القدس والمسجد الأقصى محمود أبو عطا إن الاحتلال الإسرائيلي تعامل مع هبة النفق بيد من حديد بدليل استعمال قواته للمركبات العسكرية والرشاشات الأوتوماتيكية، محاولا إيصال رسالة للفلسطينيين بأن أي خيار غير خيار المفاوضات واتفاقية أوسلو التي وقعت قبل الهبة بثلاث سنوات سيواجه بالقوة الإسرائيلية.

السيوري شاهد منذ 35 عاما على تصدع أبنية المنطقة الغربية من المسجد والانهيارات المتتالية (الجزيرة)
السيوري شاهد منذ 35 عاما على تصدع أبنية المنطقة الغربية من المسجد والانهيارات المتتالية (الجزيرة)

حفريات إستراتيجية
وأكد أبو عطا أن سلطات الاحتلال اتبعت -بعد ردة فعل الفلسطينيين الغاضبة على افتتاح النفق- سياسة الحفريات السرية لمدة 15 عاما، مما دفع بعض المؤسسات والشخصيات الفلسطينية للكشف عن هذه الأنفاق وعلى رأسهم رئيس الحركة الإسلامية داخل الخط الأخضر الشيخ رائد صلاح
.

وبعد الكشف عن الحفريات بالصور والأفلام الوثائقية، عاد الاحتلال للإعلان عن بعضها بهدف التمويه بالادعاء أنها حفريات مفتوحة.

وأشار أبو عطا إلى أن الحفريات الإسرائيلية بالقدس إستراتيجية وتهدف للسيطرة على باطن الأرض جغرافيا ودينيا وسياسيا، لتكون المنفذ للسيطرة على الأقصى والصعود منها مباشرة للسيطرة على سطح الأرض، إذ عادة ما يتبع الحفريات مشاريع تهويدية فوق الأرض ترتبط ارتباطا وثيقا بأسفلها.

ووفقا لتقرير صادر عن مؤسسة القدس الدولية، فإن عدد الحفريات الإسرائيلية أسفل المسجد الأقصى بلغ 64 حفرية ونفقا تتوزع على جهات الأقصى الأربع.

المصدر : الجزيرة