أنا القدس أقولُ لكم

أنا القدس أقول لكم
ما لكم أيّها العرب كلما أشعلت قناديل دمي في ذاكرتكم الضّعيفة للغاية أطفأتموها بآهاتكم ونفخات تحسركم المثقلة بثاني أوكسيد الغفلة أو التغافل وخلدتم إلى نوم جديد؟!

أنسيتم من أنا ومن أكون في الأرض وفي عين السماء السابعة التي تدمع كلّما رأتني أعضُّ بأسناني أسواري على قيود الاحتلال التي ما زالت تضيق شيئا فشيئا على معصمَي، وكلما حاولت الوقوف تجرح لي قدمي؟!

أنسيتم إشارة نبيكم الكريم إلى مرابطة سيشهدها التاريخ في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس؟!

ألا يخفق لكم قلب موجوع وترتعش في مآقيكم الدموع عندما أذكّركم بقول الصادق الأمين صلى الله عليه وسلم "من أراد منكم أن ينظر إلى بقعة من بقع الجنة فلينظر إلى بيت المقدس"؟!

ألا يخفق لكم قلب موجوع وترتعش في مآقيكم الدموع عندما أذكّركم بقول الصادق الأمين صلى الله عليه وسلم "من أراد منكم أن ينظر إلى بقعة من بقع الجنة فلينظر إلى بيت المقدس"؟!

ماذا ستجيبون عندما ترفرف وتحوم روح فارس المسرى ورائد فضاء الإسراء والمعراج فتحط كحمامة مقدسة على صدر الصخرة المشرفة تسألكم عن صخرتي وأقصايَ وأبوابي المغلقة ليلا بأقفال الحرس الصهيوني، والمحاطة بعيون بنادق تقدح شررا، وتحدق في جراحي بحقد يفيض بلظى الحصار والتهويد؟

دعوني أيها العرب المشغولون عني بفتنتكم وحرب طوائفكم، أفاتحكم بما أعانيه من اضطهاد وفظاعة استلاب واستيطان وشراسة اعتداءات واقتحامات يومية لقلبي ولأقصاي الذي هو سويداء القلب ونافذة الروح إلى السماء.

دعوني أقضّ مضاجعكم.. لأقول لكم بأن خمسين عاما من الاحتلال والتهويد جعلت جراحي أعمق مما تتصورون وطعنات غزاتي في الظهر والصدر أكثر إيلاما مما تتوقعون، وأغزر نزفا مما في أحلامكم ترون لو تعونَ وتبصرون.

بعد ثلاث ليال رهيبات من اجتماع وزارة الكيان الصهيوني في ساحة البراق، جاءني الفاروق عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يسألني عن مفاتيح أبوابي التي تسلمها من حاكم إيلياء صفرونيوس، وعن عهدته العمرية التي أعطى من خلالها الأمان لنصارى إيلياء وحرم فيها وجود يهودي واحد على أرضي وداخل أسواري.. أربكني السؤال وأذهل مقدساتي وأيقظ الحزن في داخلي وعلى عتباتي وتحت قبابي، ولم أعرف بأي لسان عربي سأجيب وبأي لغة محتلة الحروف والأفعال سأردُّ على السؤال. هنا انتفض ابن الخطاب وقرأ في عيوني المغرورقة بالدمع والدم تفاصيل الجواب… حيث كان لسانُ حال صمتي يقول: المفاتيح يا أمير المؤمنين باتت في جيب نتنياهو وعهدتك العمرية مزقها حاخامهم الأكبر، وألقى بقصاصاتِها على أحذية وبساطير جنود الاحتلال المدججّين بالحقد والسلاح.

وأما تجريدك لبقاء يهودي واحد في إيلياء فقد تم إلغاؤه منذ إعلان القدس التي هي أنا عاصمة موحدة لدولة الاحتلال معا.

دعوني أقضّ مضاجعكم.. لأقول لكم بأن خمسين عاما من الاحتلال والتهويد جعلت جراحي أعمق مما تتصورون وطعنات غزاتي في الظهر والصدر أكثر إيلاما مما تتوقعون

هنا استشاط الفاروق غضبا، فهدد أبناء هذه الأمة الغافلة أو المتغافلة، وتوعد كل عربي متخاذل وبضعفه متماوت أن يخفقه بالدّرة وهو يقول له: لا تمت علينا ديننا وقدسنا أماتك الله.

ولكن أيها العرب الكرام لم يهن عليّ أن يخفقكم الفاروق بالدّرّة الواحد منكم تلو الآخر، فأمسكت بيديه ورجوته الصفح عن أمّته، وذكرته وأنا أناشده بنبوءة نبينا الكريم بأن الخير في الأمة المسلمة سيبقى إلى يوم القيامة.

ترى ما أقول لمحرّري الفاتح صلاح الدين الأيوبي إذا ما أتاني في منام جراحي يسألني عن راياته وأعلام نصره التي رفرفت ذات يوم مجيد على قبابي وأسواري ما بين تكبيرات مآذن وقرع أجراس كنائس ظلت تنعم بالأمان؟!

هل أقول له يا معشر القوم الحقيقة المرة أم أخفيها عنه حرجا أو خجلا منه ومن هيبته؟.. هل أقول له بأن رايات انتصاره قد باتت أكفانا لشهداء انتفاضة الأقصى وانتفاضة القدس وما بقي منها احتفظت به ليكون أكفانا مهيأة لانتفاضة باسمي قادمة أو أربطة لجرحاي المدافعين عن قداسة عتباتي وطهارة ساحاتي وتكبيرات صلواتي؟!

بالله عليكم يا عرب الصمت والسكتة المزمنة ماذا أقول لنبيكم محمد عليه الصلاة والسلام وقد جاء يسألني عن أرض الإسراء والمعراج وعن أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، وعن المرابطين في أرض الرّباط، وعن مليار ونصف المليار مسلم، وعن مدى يقظتهم وموعد هبّتهم من أجل تحريري وإنقاذي وتطهير عتباتي ومداخلي ومحاريب صلواتي من احتلال طال واستيطانٍ يُنذر بالأهوال؟

بالله عليكم ماذا أقول للسيد المسيح عليه السلام إذا ما جاءني في المنام يسأل عن درب الآلام وعن مهد أمه العذراء مريم عليها السلام وعن كنيسة القيامة المتنهدة كحمامة جريحة تهدل مفزوعةً على كتفي وحشرجات أجراسها تحزن طيور فضائي؟!

إن كنتم في غمرة تدابركم وتصادمكم وحربكم لأنفسكم قد نسيتموني أو تناسيتموني، فلا بأس من أن أذكرُكم بي وبفداحة مصابي وطول همّي وعذابي… أنا أمكم القدس العربيّة الإسلامية ذات الملامح الكنعانية

إن كنتم في غمرة تدابركم وتصادمكم وحربكم لأنفسكم قد نسيتموني أو تناسيتموني فلا بأس من أن أذكرُكم بي وبفداحة مصابي وطول همّي وعذابي… أنا أمكم القدس العربيّة الإسلامية ذات الملامح الكنعانية الأصيلة وصاحبة الروابي الخضر الجميلة.. زهرة المدائن.. حبيبة الأنبياء وقاهرة الغزاة على مدى العصور والأيام وأميرة الفرسان الفاتحين والأبطال الميامين، التي خذلها الدهر، وجار عليها التاريخ، وفجعت بتقاعس أمة باتت منقطعة عن أمجادها وانتصاراتها وأصبحت مغلوبة على أمرها لا تصحو فيها ذاكرة ولا يستيقظ فيها وجدان ولا ينخضُّ لها دمٌ يغضب من أجلي، ولكني رغم ما أقاسيه وأعانيه ما فقدت الأمل في أهلي ولم يخب للآن لي رجاء في أن يسمعوا قولي.

ولذا أنا مصرّةٌ على أن أوقظكم لتسمعوني، وأقضّ مضاجعكم لتبصروني، وأطلق عصفا ذهنيا يستهدف عقولكم علكم تفهموني.

يكفيكم فهما أن تدركوا بأنكم إن عشتم حياة الحرمان من دوني ستظلون يتامى هذا العصر لأراكم بعين الإشفاق.. واحزناه! تجلسون أغرابا كالأيتام على مآدب اللئام، فلا تحظون بأدنى احترام.

فكيف يحترم العالم أبناء أمّة تركوا أمهم في سوق نخاسة الاحتلال تُباع وهي تنظر إليهم بحرقة وأملها فيهم يكاد يضيع.. لا بل ضاع…!

المصدر : الجزيرة