القدس.. محمد شرف ينال شهادتين في أسبوع واحد

الشهيد محمد شرف-القدس-جمعة الغضب 21 يوليو 2017
ميلاد محمد شرف واستشهاده وحصوله على شهادة الثانوية العامة تمت في الأسبوع نفسه (الجزيرة)
هنادي قواسمي-القدس

في الجمعة الأولى لإغلاق المسجد الأقصى، أي في 14 يوليو/تموز الجاري، استقبل الشهيد محمد شرف أصدقاءه وأقاربه للاحتفال بمناسبتين متزامنتين: عيد ميلاده، ونجاحه في امتحان الثانوية العامة، التي أعلنت نتائجها قبل ذلك بيومين.

المظلة التي نصبها محمد لاستقبال ضيوفه المحتفلين به في ساحة بيت العائلة، هي المظلة نفسها التي استقبلت المعزّين باستشهاده في الجمعة التالية، تشير إليه إحدى قريبات الشهيد -في بيت العزاء- بعيون دامعة: "هذه العريشة هو اللي ركّبها".

في الجمعة التي تليها، صباح 21 يوليو/تموز، استعد الشاب محمد محمود شرف (18 عاما) من سلوان (جنوبي القدس) للانضمام إلى جموع المقدسيين الذين أدّوا صلاة الجمعة في الشوارع، احتجاجا على الإجراءات الإسرائيلية على أبواب المسجد الأقصى المبارك، وعلى رأسها بوابات التفتيش الإلكترونية.

برصاص المستوطنين
كانت أقرب نقطة للمسجد الأقصى سمحت شرطة الاحتلال لأهالي سلوان بالوصول إليها، هي منطقة راس العامود بالقرب من مسجد الفاتح، وهناك أدّى محمد صلاته، وما إن انتهت الصلاة حتى اعتدت شرطة الاحتلال الإسرائيلي على المصلين وفرّقتهم بقنابل الصوت والرصاص المطاطي
.

ذوو الشهيد محمد شرف استقبلوا المعزين باستشهاده في المكان الذي استقبل فيه المهنئين بنجاحه في الثانوية قبل أسبوع (الجزيرة)
ذوو الشهيد محمد شرف استقبلوا المعزين باستشهاده في المكان الذي استقبل فيه المهنئين بنجاحه في الثانوية قبل أسبوع (الجزيرة)

عند تفرق المصلين، فرّ محمد في أحد الشوارع القريبة المؤدية إلى حي سويح (أحد أحياء راس العامود) حيث تقع مستوطنة "معاليه هزيتيم". وفي جريمة جديدة أعادت للمقدسيين ذكرى الشهيد ميلاد عياش، ابن راس العامود، الذي استشهد برصاص المستوطنين عام 2013، خرج أحد مستوطني "معاليه هزيتيم" وأطلق رصاصة واحدة باتجاه محمد الفارّ من قنابل الصوت، فارتقى شهيداً.

نعمة الغزاوي، والدة الشهيد، لم تكد تفرح بنجاحه في امتحان الثانوية، وهي الفرحة لا تعادلها -عند كثيرين في فلسطين– سوى فرحة الزواج، حتى جاءها خبر استشهاده. وعند سؤالها عنه بالكاد استجمعت قوّتها للتفوّه بكلمة، اكتفت بالقول وهي تحبس دموعها "محمد جدع".

وتروي حنان شرف، عمّة محمد، اللحظات الأخيرة من حياته فتقول إنه تأخر وأولاد عمّه في الخروج للصلاة، فقالت له أمّه مشجعةً: "يلا (هيا).. الختيارية (كبار السن) طلعوا وانتو قاعدين". وتقول عمته حنان إنه كان منشغلا في الأسبوع الأخير في سؤال أبناء عمومته وعماته ممن يكبرونه عمراً عن خيارات الدراسة، ويطلب نصحهم في ما يتعلق بالتسجيل بالجامعات.

وفي هذا الموضوع، تحكي معلمته في الثانوية العامة، مروة السيوري، عن حديث محمد المتكرر عن مستقبله الأكاديمي، وتقول "كان عنده حلم وإصرار كبير أن يدخل الجامعة". وتصف السيوري محمد بما وصفته به أمه قائلة "محمد جدع". وتضيف أنه كان جزءاً من مجموعة أصدقاء كانوا في المدرسة بمثابة "المخاتير" الذين يحلّون مشاكل الطلاب، "كان يعتبر نفسه رجلا، ويتصرف بمسؤولية". 

وما بين الخوف من الاحتجاز وبين وجع الوداع والدفن السريع، تتأرجح مشاعر أهالي الشهداء، ومثله مثل الشهيد محمد أبو غنام الذي استشهد في اليوم نفسه، اضطرت عائلة الشهيد محمد شرف إلى دفنه بشكل مستعجل، بعد وداع سريع، خوفا من احتجاز جثمانه من قبل سلطات الاحتلال.

لا وداع
عن ذلك تقول العمة حنان، التي لم تحظ بفرصة وداعه، "من حقنا أن نودع ابننا، ولكن عندما نرى أهالي الشهداء الآخرين ووجعهم على احتجاز أبنائهم في الثلاجات، وما معنى العذاب الذي ينتج عن ذلك، نفضل أن ندفنه بأسرع وقت ممكن".

وروت إحدى النساء في بيت العزاء أن قريبها أصيب برصاصة مطاطية خلال قمع المصلين، وكان الشهيد محمد هو من نقله إلى إحدى السيارات لتلقي الإسعاف، قبل أن يصاب هو برصاص المستوطنين.

وعند إصابته ركض الشهيد، حسب شهود العيان، مبتعدا عن مدخل المستوطنة إلى أن سقط أرضاً على مدخل حي سويح، وهناك نقله الشباب لتلقي الإسعاف في أحد المراكز الطبية القريبة.

وفي حديث مع طاقم الإسعاف الذي أسعف الشهيد في لحظاته الأخيرة، قالت إحدى المسعفات "وصلنا الشهيد محمد في حالة صعبة جداً، كان دمه قد تصفى، فشلت كل محاولاتنا في إنعاشه على مدار أكثر من أربعين دقيقة"، الأمر الذي اضطر المسعفين والأطباء لإعلان استشهاده في نهاية الأمر.

المصدر : الجزيرة