طلبات "لمّ الشمل" للمقدسيين

طلبات توحيد العائلة "لم الشمل" للمقدسيين

في الوقت الذي ينشغل فيه أزواج وزوجات حول العالم يحملون جوازات سفر مختلفة بالتفكير والتخطيط لحياتهم وحياة أطفالهم، تنشغل العائلات الفلسطينية التي يحمل أحد الأبوين فيها هوية فلسطينية ويكون الآخر من القدس الشرقية أو من فلسطينيي الداخل بالتفكير في أمر واحد، وهو استمرار العيش مع بعضهم البعض تحت سقف واحد، بسبب السياسات والقوانين الإسرائيلية.

فللعام الخامس عشر على التوالي، جددت الحكومة الإسرائيلية -في مايو/أيار الماضي- القانون المعروف بقانون المواطنة والدخول إلى إسرائيل (أوامر الساعة) للعام 2003، والذي يحظر ويمنع على الفلسطينيين -فقط بسبب حملهم الهوية الفلسطينية وسكنهم بالضفة الغربية– الحصول على مكانة قانونية في إسرائيل بناء على ارتباطهم وزواجهم من فلسطيني آخر يقيم بالقدس الشرقية أو في إسرائيل ويحمل الهوية الإسرائيلية.

جددت الحكومة الإسرائيلية في شهر مايو/أيار الماضي حظر الفلسطينيين ومنعهم من الحصول على مكانة قانونية بإسرائيل، بناء على ارتباطهم وزواجهم من فلسطيني آخر يقيم في القدس الشرقية أو في إسرائيل

هذا القانون الذي كان من المفترض به أن يكون مؤقتا ولسنة واحدة للتعامل مع ادعاء التهديد الأمني القادم من مشاركة بعض أبناء العائلات التي يحمل أحد الوالدين فيها الهوية الفلسطينية، تحول إلى سيف مسلط على رقاب قرابة12,500 عائلة فلسطينية يجدد كل عام أو كل بضعة أشهر، علما بأن تقارير جهاز الأمن العام الإسرائيلي (الشاباك) تؤكد أن مشاركة أبناء تلك العائلات بأنشطة تهدد الأمن الإسرائيلي لا تتعدى الـ0.1%.

أوامر الساعة أعلاه جمدت بشكل شبه كامل معاملات توحيد العائلات -المعروفة بـ"لمّ الشمل"- التي كانت تقدم لوزارة الداخلية الإسرائيلية، لإعطاء الأب أو الأم الذي لا يحمل صفة قانونية بإسرائيل مكانة "مقيم". مما يعني أن الأب أو الأم الفلسطينيين لم يعد بإمكانهما السكن مع عائلتهما إلا بشكل غير قانوني أو بعد الحصول على تصريح خاص من السلطات الإسرائيلية يجدد سنويا أو شهريا ويمكن إلغاؤه بسهولة وبذرائع واهية.

1967-2002
عندما احتلت إسرائيل القدس الشرقية والضفة الغربية عام 1967، قامت بمنح سكان القدس مكانة قانونية خاصة تدعى "المقيم الدائم"، تسمح لحاملها بالعيش والعمل بالقدس الشرقية وبمناطق أخرى في إسرائيل، لكنها لا تنتقل بشكل تلقائي للأبناء أو للزوج أو الزوجة.

فسكان شرقي القدس يجب عليهم أن يثبتوا بشكل دائم أنهم يعيشون بالقدس وأنها هي "مركز حياتهم". علاوة على ذلك، فأي شخص منهم يعيش خارج القدس الشرقية لمدة تزيد على 7 سنوات، أو يحصل على إقامة دائمة في بلد أجنبي، أو يحصل على جواز سفر أجنبي؛ فإنه سيخسر مباشرة مكانته كمقيم دائم في القدس ولن يتمكن من زيارتها إلا سائحا!

وفيما يخص توحيد العائلات أو "لمّ الشمل"، فإنه حتى عام 1991 لم تكن هناك قيود مفروضة على تحرك الفلسطينيين من الضفة الغربية إلى القدس الشرقية أو بالعكس، ولم تكن العائلات الفلسطينية التي أحد أبويها من سكان الضفة الغربية بحاجة لأية تجهيزات أو تصاريح أو طلبات خاصة. لذلك لم تجد تلك العائلات أهمية في ذلك الوقت لتقديم طلبات لمّ شمل في وزارة الداخلية الإسرائيلية.

في شهر شباط عام 1991 بدأت إسرائيل تطلب من السكان الفلسطينيين في الضفة الغربية الحصول على تصاريح خاصة للدخول إلى القدس

في شهر شباط عام 1991، بدأت إسرائيل تطلب من السكان الفلسطينيين في الضفة الغربية الحصول على تصاريح خاصة للدخول إلى القدس الشرقية وإلى إسرائيل، لكن هذه التصاريح كانت تمنح للجميع تقريبا.

في عام 1993 تم فرض إغلاق تام على الضفة الغربية وبناء حواجز ونقاط تفتيش ليست فقط بين الضفة وإسرائيل، ولكن بين الضفة الغربية والقدس الشرقية أيضا، وأصبح أمر الحصول على تصريح دخول معقدا وصعب المنال ومعاييره صارمة.

هذا التغير أثر بشكل كبير ومباشر على العائلات الفلسطينية التي أحد أبويها من الضفة الغربية، وبدأت تلك العائلات تقديم طلبات لمّ شمل للداخلية الإسرائيلية. ومما زاد من صعوبة موقف تلك العائلات، أن وزارة الداخلية -وحتى منتصف عام 1994- كانت تقبل طلبات لمّ الشمل فقط من العائلات التي يحمل فيها الزوج الهوية المقدسية، وكانت ترفض بشكل كامل الطلبات إذا كانت الزوجة هي التي تحمل الهوية المقدسية، لكن هذا الإجراء تغير بعد التوجه إلى القضاء.

بأي حال، فإن الحياة الأسرية للعائلات الفلسطينية التي يحمل أحد أبويها الهوية الفلسطينية كانت اعتبارا من سبتمبر/أيلول 1996 وحتى منتصف 2002 خاضعة للتحقيقات الأمنية وإثبات "مركز الحياة".

كان هذا الإجراء طويلا ومرهقا، ويتم فيه إرسال الزوجين ذهابا وإيابا إلى مكتب وزارة الداخلية لتقديم مختلف الوثائق، وأحيانا كانت هناك حاجة للتوجه إلى المحاكم من أجل الموافقة على طلبات لمّ الشمل. ولكن على الرغم من الصعوبات، كانت هناك استجابة مقبولة لطلبات لمّ الشمل، وكانت العائلات الفلسطينية قادرة بشكل أو بآخر على الاستمرار في حياتها شبه العادية.

أرقام وزارة الداخلية الإسرائيلية تشير إلى أن ما يقارب 140 ألف فلسطيني من الضفة الغربية وصلوا إسرائيل من خلال طلبات لمّ الشمل

مارس/آذار 2002
في شهر مارس/آذار 2002، قرر وزير الداخلية الإسرائيلي في ذلك الوقت إيلي يشاي تجميد كل طلبات لمّ الشمل للعائلات الفلسطينية، بادعاء قيام شاب من فلسطينيي الداخل يحمل الجنسية الإسرائيلية لكن والده فلسطيني من الضفة الغربية بتفجير نفسه في مدينة حيفا، وذلك على الرغم من أن لا علاقة بين طلبات لمّ الشمل والشاب، فالشاب حصل على الجنسية الإسرائيلية من أمه مباشرة دون أي علاقة بوالده وبطلب لمّ الشمل.

بأي حال، كان واضحا أن وزارة الداخلية الإسرائيلية تعمل على تغيير سياستها للمّ الشمل من نهاية عام 2001، دون علاقة بالتفجير أعلاه، لكن التفجير كان مبررا لإسرائيل لتغير تلك السياسة.

فأرقام وزارة الداخلية الإسرائيلية تشير إلى أن ما يقارب 140 ألف فلسطيني من الضفة الغربية وصلوا إسرائيل من خلال طلبات لمّ الشمل، وبالتالي أرادت إسرائيل إيقاف هذه الطلبات ووجدت في التفجير مبررا أمنيا و "قانونيا" لذلك.

خلال المداولات الحكومية الإسرائيلية وقبل إقرار قانون المواطنة والدخول إلى إسرائيل (أوامر الساعة) للعام 2003، وفي خضم عرض توصياتها للكابينت الإسرائيلي، أوضحت وزارة الداخلية أن الوضع الديمغرافي والحفاظ على أغلبية يهودية كان أحد أسباب تجميد طلبات لمّ الشمل من قبل الوزارة، وأن هناك حاجة ملحة لإقرار القانون أعلاه بأقرب وقت، وأنها من ناحيتها ستجمد كل طلبات لمّ الشمل إلى حين إصدار القانون.

القانون أعلاه أقر بالضبط سياسة وزارة الداخلية، وقرر تجميد كل طلبات لمّ الشمل، بحيث إنه من بعد إقرار القانون أصبح لا يمكن للأب أو الأم من حاملي الهوية الفلسطينية إلا الحصول -في أحسن الأحوال- على تصريح للإقامة ضمن شروط محددة، أهمها أن يكون عمر حامل الهوية الفلسطينية أكثر من 25 عاما للزوجة و35 للزوج. وكذلك فإن الفحص الأمني أصبح أمرا أكثر صعوبة، فيكفي أن يكون أحد أقارب الزوج أو الزوجة البعيدين متهما أو متورطا بـ"أعمال عدائية" ضد إسرائيل لرفض طلب لمّ الشمل.

مؤخرا، وبعد جهد قانوني كبير، وافقت وزارة الداخلية على منح ما يقارب 1573 شخصا تقدموا بطلبات لمّ شمل قبل عام 2003، مكانة "مقيم مؤقت" بدل التصريح الذي كان يحصلون عليه سنويا.

فكرة زواج فلسطيني مقدسي أو فلسطينية مقدسية من فلسطيني أو فلسطينية من سكان الضفة أصبحت قليلة الحدوث مؤخرا

ما ذكر أعلاه صحيح بالنسبة للفلسطينيين من سكان الضفة الغربية، أما بالنسبة لسكان قطاع غزة، فإن الحكومة الإسرائيلية قررت عام 2008 أنه لن يكون هناك أي موافقة على طلبات لمّ الشمل إذا كان عنوان الزوج أو الزوجة حامل الهوية الفلسطينية في قطاع غزة، حتى لو لم يكن الزوج/ة يسكن فعليا بالقطاع.

هنا نلفت الانتباه إلى أن إسرائيل جمدت منذ فترة تغيير عناوين سكان قطاع غزة الذين انتقلوا للعيش بالضفة الغربية، مما يعني أن هؤلاء لن يكون بإمكانهم حتى تقديم طلب لمّ شمل.

معطيات
طلبات لمّ الشمل ليست فقط للأزواج والزوجات، فأولاد العائلة التي أحدا أبويها  يحمل هوية فلسطينية يعانون أيضا للحصول على الهوية المقدسية، وفي بعض الأحيان وبسبب الإجراءات المعقدة والطويلة يضطرون للتخلي عن الهوية المقدسية ويحصلون على هوية فلسطينية.

فمثلا إذا بلغ الطفل عمر 14 سنة وهو لم يسجل بعد كساكن في القدس ولم يحصل على رقم هوية مقدسية (وهذا يحدث أحيانا بسبب تعنت وزارة الداخلية واستمرارها بالادعاء أن العائلة لا تسكن بالقدس)، فإنه سيحصل فقط على تصريح دخول في أحسن الأحوال.

أغلبية مقدمي طلب لمّ الشمل هم من المقدسيين الرجال لزوجاتهم، إذ تبلغ نسبة الطلبات التي تقدم بها مقدسيون لزوجاتهم وأبنائهم من الضفة الغربية قرابة 75%

إن أحد أسوأ وأخطر تأثيرات قانون المواطنة والدخول إلى إسرائيل (أوامر الساعة) للعام 2003 -بالإضافة للصعوبات الكبيرة التي عانت وتعاني منها العائلات العديدة- هي أن فكرة زواج فلسطيني مقدسي أو فلسطينية مقدسية من فلسطيني أو فلسطينية من سكان الضفة أصبحت قليلة الحدوث مؤخرا، بسبب التخوفات من عواقب هذا القانون على الحياة الأسرية لهؤلاء الأزواج والزوجات، مما قد يؤدي مستقبلا إلى عواقب مجتمعية ليست بالبسيطة على المجتمع الفلسطيني كله.

عدد الفلسطينيين الذين يعيشون بالقدس مع أزواجهم بناء على طلبات لمّ شمل هو تقريبا 12,300، منهم ما يقارب 9900 يحملون تصاريح إقامة تجدد سنويا، فيما الباقون لديهم وضع "مقيم مؤقت".

الأغلبية من مقدمي طلب لمّ الشمل هم من المقدسيين الرجال لزوجاتهم، إذ تبلغ نسبة الطلبات التي تقدم بها مقدسيون لزوجاتهم وأبنائهم من الضفة الغربية قرابة 75% من الطلبات، فيما تقدمت المقدسيات تقريبا بـ25% لأزواجهن أو أولادهن من الضفة.

كذلك، منذ عام 2012 وحتى أبريل/نسيان 2016، تقدم الفلسطينيون بـ2632 طلب لمّ شمل، ووافقت وزارة الداخلية الإسرائيلية على 1248 طلبا منها، ورفضت الباقي. 

المصدر : الجزيرة