الفجر آتٍ لا محالة!

الفجر آت
وكأن السماء توشك أن تنهي الحكاية، فتتسارع تفاصيلها، ليطلّ الفجر بجرأة النور من كل الشرفات..

نزفت قدسنا ولا تزال تنزف! مسافات من الجوع والعري والتمزّق بين أبناء العروبة ومَن يحكم إرادة التقدّم فيهم.. أغلال من الخوف تطوّق أرواحهم لا أكفّهم!

حين يغادر الدمع الساخن دفء المقل، تدهشه برودة الكفّ وهي تهمّ بإخفائه! وحين تسير القدم في حقل الخوف حافية يدهشها صبر الحصى ويؤلمها.. لكنها لا تتوقف!

ترى أية دهشة أصابت الأيدي الممتدة لعدوّها بالاستسلام؟! أية دهشة وأي تيه؟! ها هم يتحدّثون عن أنفسهم أكثر مما يتحدّثون إلى أنفسهم! ويحترقون طلبا لكلمة إطراء واحدة!

ترى أية دهشة أصابت الأيدي الممتدة لعدوّها بالاستسلام؟! أية دهشة وأي تيه؟! ها هم يتحدّثون عن أنفسهم أكثر مما يتحدّثون إلى أنفسهم! ويحترقون طلبا لكلمة إطراء واحدة! حتى إن حملت جليد الأبجدية بين حروفها.. يرسمون خوفهم من الآخرين نقدا لاذعا، وألفاظا سليطة تكشف نقصهم، وتعرّي ضعفهم، وحين يلوّنون الرسم تمتلئ وجوههم بالضحكات الساخرة، فهم يرسمون -دون أن يدروا- أنفسهم!

ما أسهل أن يكتشفوا الحقائق الغائبة عن ضمائرهم، فصراخها يملأ الكون! ويمكنهم أن يسمعوها! قد لا يكلّفهم الأمر أكثر من الصمت، والتوقّف عن الثرثرة التي لا تجلب لهم سوى المزيد من العثرات، والأخطاء القاتلة.

ضعفاء! مذعورون! وتهيم في أذهانهم المتوتّرة بالتوقّع أشكال لا تحصى من المخاوف، وفي أفئدتهم حبّ صاخب للحياة يملأ أسماعهم، ويغلقها عن غيره!

قد لا يكون صعبا بالنسبة لهم اختلاق عشرات المعاذير ليُديروا ظهرهم للقدس ورايات عدوّها تنغرس سكاكينَ في أسوارها، الصعب حقا إقناع أصحاب الضمائر بذلّها!

ليتهم يتوقّفون عن تمزيق جلودهم، فلا أحد يرغب بخداع نفسه بالتصفيق لهم! فهم وهذا الغبار يرحلون.. حين تدثّر رحمة الله برد الأرض بدفء المطر..

ها هو التراب المعذّب بخطاهم يسألهم هيبة الاعتراف، فليفتحوا دفاترهم قبل أن تفتح الأرض فاهها وتبتلعهم! لا يغلق رجل على أمه ويهدي مفتاح بيتها لقاطع طريق! إلا مَن رقص على نغمات الذلّ بحجة الممكن وأقصر الطرق!

الكيان المغتصب يتمدد بمستوطناته كبذور غريبة تتطفّل على زرع الأرض، يتسارع القمع والقتل والأسر والهدم دون حساب، وتتعالى الوعود الأميركية بجعل قدسنا عاصمة لعدوّها ومغتصبها، بينما يبحث أدعياء الدين والعروبة عن موجبات للانتظار، وعن وسائل رفض آمنة.. أغلَقوا آذانهم عن الناصحين! ولم يسمعوا سوى أنفسهم، يكابرون ويصرّون على غيّهم، والفشل ينعق فوق تجاربهم الخاسرة!

يا أيها المسكونون بالجبن ولكم الخيل والسيف ورجال لا يخيفها النفير ولا يرهبها غبار المعركة.. قد لا تجود الحياة بمزيد من الفرص لإعادة حساباتكم وركل مخاوفكم.

يا أيها المسكونون بالجبن ولكم الخيل والسيف ورجال لا يخيفها النفير ولا يرهبها غبار المعركة.. قد لا تجود الحياة بمزيد من الفرص لإعادة حساباتكم وركل مخاوفكم

فها هي مدينة الصلاة تنادي من بعيد، تقرّب المسافة بين الواقع والحلم.. بين الكلمة والفعل.. ها هي تنادي بالتكبير والأجراس لتصحو بضجيج المقاومة المدائن: (أن يا قبّتي المذهّبة بالوعد لا تنتحبي إن لم يحفل بدمعك أحد، فلا ساعد إلا ساعدك، ولا سلاح غير حجارتك، فلا تنتظري خيل أحد واصهلي.. لعل صهيلك يرهب عدوّك وسمسار بيعك، والقابعين في عمق صمتهم، يغوصون في وحل التردد دون حد!).

ما كفاهم صراخ القدس ليعترفوا بأخطائهم التي توالدت على موائدهم، وتكاد تبتلعهم! غير أن هناك فسحة من زمن ليتهم لا يخنقونها! ليتهم يتوقّفون عن اللهاث خلف الأوصياء! ليتهم يتوقّفون عن استجداء أبوابهم الموصدة بكل آلهة الأساطير.. فأولئك لا يعبدون إلا أنفسهم!

الخائفون من التحليق ينتظرون من سيدة الحاضر "أميركا" الكثير! يرون فيها السيادة والعون، وهي خنجر مغروس في عمق القلب، يخشون إخراجه، فيقتلهم النزيف! هم سادة الحائرين.. ينسجون من غدر أكفّهم أكفانا لحصاد أعمارهم، وجهد ماضيهم.. هم رعشة الخائفين من شعاع الغد، فلا ليل عرف الخلود، ولا غيمة توقّفت عن السفر.. والفجر آت لا محالة! يبشّر بقربه خشوعُ السحر.. وسيسقط من عين أقصانا الشعاع! ليملأ (رغما عنهم) أعين السادة الرعاع.. الفجر قريب! وتلك الظلمة التي تخيّم على الضمائر ستنجلي، ولن يخطئ شعاع الحق قلبا وقد عادت تباشير الصباح..

ولنا في القدس لقاء

المصدر : الجزيرة