التوراة لم تذكر اسم الفلسطينيين ولا تعرف فلسطين

"التوراة لم تذكر اسم الفلسطينيين ولا تعرف فلسطين" ويؤكد على أن أهل فلسطين هم الفلسطينيون؟.

لا وجود قط لاسم فلسطين أو فلسطينيين في التوراة. وكل ما يقال ويزعم في الدراسات والبحوث التاريخية "المعاصرة" عن وجود الاسم منذ عام 500 قبل الميلاد، هو تسويق مجاني لفكرة زائفة لا أساس ولا سند لها، لا في التاريخ ولا في النصوص الدينية.

لقد كانت هذه خدعة استشراقية مصممّة لأغراض تبرير اغتصاب فلسطين، وذلك من خلال الترويج لأسطورة العلاقة بينها وبين التوراة، وبزعم أن الاسم قديم وأنه ورد كتوصيف لأرض الميعاد.

في الواقع شاعت أسطورة تسجيل التوراة لاسم فلسطين والفلسطينيين في الدراسات والأبحاث التاريخية، منذ وقت مبكر من أعمال التنقيب والحفريات في جنوب سوريا.

ويبدو من فحص وتحليل نتائج هذه الدراسات التي وضعها علماء الآثار من التيار التوراتي أن الذين "هندسوا" الأسطورة اعتمدوا فقط على وجود اسم "فلستيم-فلشتيم" كاسم لجماعة وثنية اصطدم بها بنو إسرائيل، ثم جرى تحويل اسم هذه الجماعة إلى اسم دّال على فلسطين وفلسطينيين في الآن نفسه، وذلك بهدف الربط بينهم وبين قصص التوراة.

لقد كانت هذه خدعة استشراقية مصممّة لأغراض تبرير اغتصاب فلسطين، وذلك من خلال الترويج لأسطورة العلاقة بينها وبين التوراة

وفي وقت تالٍ، طوّر اللاهوتيون المشتغلون في التنقيب أسطورة "الفلسطينيين" هذه، لتصبح مرادفة لاسم كنعان، وبحيث بات أمرا شائعا القول إن الفلسطينيين هم "كنعانيون" ثم بلغ الخداع ذروته، حين جرى الترويج لأسطورة مكملة تقول إن هجرة كبرى حدثت في وقت ما من التاريخ، نقلتهم من جزيرة كريت اليونانية، وإن هؤلاء تمكنوا من التسلل إلى أرض كنعان، ثم إنهم زاحموا بني إسرائيل في فلسطين. وبذلك، جرى تجريد الفلسطينيين المعاصرين لا من أرضهم وحسب؛ بل ومن هويتهم التاريخية كقبائل عربية قديمة، وتحويلهم لجماعة مهاجرة، متسللة.

هناك نمطان من التلاعب في هذه القصة:

الأول: تلاعب لغوي مفضوح، ذلك أن اسم "فلستيم-فلشتيم" في التوراة اسم دّال على جماعة وثنية صغيرة تدعى "الفلس" وليس على الفلسطينيين.

واسم الفلس يكتب في العبرية بإضافة التاء اللاصقة: فلست/فلشت. أما الياء والميم في العبرية فهما أداة التثنية والجمع (فلشتيون). وهذه قاعدة لغوية صارمة. ولو كان محرر النصوص العبرية قصد الفلسطينيين، لرسم الاسم بحرف (الطاء) وهو حرف تعرفه العبرية وترسم به أسماء عشرات الأماكن والأشخاص، فلماذا رسم الاسم بحرف التاء (فلست-فلشت)؟ هذا يعني أن التوراة قصدت جماعة دينية صغيرة (وثنية) تعبد إلها يدعى الفلس.

حتى إن التوراة تذكر في سفر الملوك الأول أن أم الملك الإسرائيلي آسا/آسه -وفي حقبة عودة الوثنية في بني إسرائيل في نحو 300 قبل الميلاد صنعت تمثالا يدعى الفلست. (والاسم يرسم بالأسلوب اليمني أو ما يعرف بالعبرية السبئية: فلست-مفلست. والميم هنا هي الميم الحميرية، مثل ءم رجل: الرجل، ءم بعير: البعير). فكيف يكون الاسم دّالا على شعب فلسطيني، وهو في التوراة صنم كانت تتعبد له أم الملك اليهودي، وبحيث قام الملك بنفسه بحرقه مع بقية الأوثان؟

يقول سفر الملوك الأول: 15: 9: 14، ما يلي: (وفي السنة العشرين ليربعام ملك إسرائيل، ملك آسا على يهوذا. ملك إحدى وأربعين سنة في أورشليم. واسم أمه معكة ابنة إبشالوم. حتى إن معكة أمه، خلعها من أن تكون ملكة، لأنها عملت تمثالا لمفلست- الفلس، فكسر آسا تمثال مفلست وأحرقه في وادي قدرون).

وبالطبع، يستحيل علينا تصديق أن اسم فلستيم يدل على إله وثني وعلى الفلسطينيين في الوقت نفسه؛ بل وأن يكون هو ذاته اسم إله اليهود الذي تتعبد له أم الملك اليهودي؟

اسم فلسطين والفلسطينيين لم يظهر في السجلات التاريخية إلا نحو عام 330 م، مع التقسيم الإداري الروماني البيزنطي لسوريا

الثاني: أن اسم فلسطين والفلسطينيين لم يظهر في السجلات التاريخية إلا نحو عام 330 ميلادية، مع التقسيم الإداري الروماني البيزنطي لسوريا.

لقد أطلق البيزنطيون -مع اعتناقهم للمسيحية في سوريا سنة 325م مع صعود قسطنطين العظيم للعرش وترجمة الأناجيل من العبرية إلى اليونانية- اسم فلسطين على القطاع الجنوبي من سوريا.

قبل هذا التاريخ لم يكن هناك استخدام للاسم كقطاع إداري في الوثائق والسجلات التاريخية. هذا لا يعني أن اسم الشعب لم يكن معروفا. نحن نتحدث عن نشاط إداري وحسب. إن السرّ في فشل الباحثين والدارسين -في العثور على اسم فلسطين (كقطاع) في السجلات القديمة والنقوش- يكمن هنا.

لقد كانت من الناحية التاريخية والإدارية، جزءا من سوريا التي أصبحت في قبضة البيزنطيين. ولذلك، يصبح أمرا مخالفا لكل وأي منطق تاريخي، قبول الخرافة القائلة إن التوراة المكتوبة عام 500 قبل الميلاد، ذكرت اسم فلسطين الذي لن يظهر إلا في 330 ميلادي، أي بعد أكثر من 800 عام على الأقل من كتابتها.

فعليا، تمّ الترويج لخدعة وجود اسم فلسطين في التوراة، بعد مؤتمر بازل الذي عقدته الحركة الصهيونية (المؤتمر الصهيوني الأول بزعامة تيودور هرتزل في مدينة بازل بـ سويسرا يوم 29 أغسطس/آب 1897). في هذا الوقت كان هرتزل يشعر أن الأثرياء اليهود البريطانيون بشكل خاص، لم يكونوا متحمسين كفاية لتمويل مشروع (الوطن القومي) في فلسطين، ربما لإدراكهم بالتعقيدات السياسية.

وهكذا تبلور تياران داخل المؤتمر، أحدهما يرى أن أرض الميعاد قصة دينية، يمكن أن تتجسد في أي (وطن قومي). وبالتالي، فقد طرح هذا التيار خيار أوغندا (أفريقيا) أو الأرجنتين. أما التيار الثاني، فهو الذي دعا إلى مطابقة اسم (فلشتيم) مع اسم فلسطين، والمناداة بها كأرض ميعاد.

في هذا السياق، ومع انتصار التيار الثاني، جرى تطوير أسطورة (تسلل الفلسطينيين) من كريت اليونانية إلى فلسطين؟ وكان الغرض من هذا التلفيق الذي قام به التيار التوراتي في علم الآثار، تصوير اليهود كأصحاب حق تاريخي في الأرض، وتبرير طرد الفلسطينيين "كشعب متسلل" سجلت التوراة قصة تسلله، استندت هذه الأسطورة -التي تدّرس اليوم للأسف في الجامعات العربية ويردّدها بعض الكتاب العرب- إلى بضعة أبيات من الشعر وردت في التوراة، كتبها الشاعر الكاهن حزقيال وتقول ما يلي:

تمّ الترويج لخدعة وجود اسم فلسطين في التوراة، بعد مؤتمر بازل الذي عقدته الحركة الصهيونية (المؤتمر الصهيوني الأول بزعامة تيودور هرتزل في مدينة بازل بسويسرا يوم 29 أغسطس/آب 1897)

حزقيال 25: 16: 17

فلذلك هكذا قال السيد الرب

ها أنا أمد يدي على الفلستيّيّن

واستأصل الكرتيّين

وأهلك بقية ساحل البحر

وأجلب عليهم النقمة العظيمة وأسخطهم

فيعلمون إني أنا الرب إذْ اجعل نقمتي عليهم

وهكذا، حصل اللاهوتيون (التوراتيون) على سند ديني واهٍ تكذّبه الحفريات، وفقط لتبرير تأويلاتهم التعسفية للنص التوراتي. وسرعان ما تلقف علماء الآثار وكتاب التاريخ هذا الدليل الزائف، لينسجوا أسطورة تسلل الفلسطينيين من كريت اليونانية، ثم سار على منوالهم المؤرخون العرب.

والمفارقة الساخرة في هذا التلفيق أن القصيدة تتحدث عن جماعات وثنية كثيرة اصطدم بها بنو إسرائيل، من بينها جماعة تعبد الإله الوثني (الفلس) ولذا توعد الرّب باستئصال (الكرتيين) مثل الفلشتيم.

وكما يتضح من سياق النص، فلا وجود لـ "الهجرة" أو "تسلل" في الواقع. تتحدث القصيدة عن الجماعات الوثنية القوية التي قهرت بني إسرائيل، وأرغمتهم على عبادة آلهتها، حتى إن أم الملك اليهودي كانت تصنع تماثيله؟ ولذا راح الكهنة يصبّون لعناتهم على عبّاد هذا الصنم.

والمثير أن لا أحد يتساءل -من المؤرخين العرب الذين يرددون هذه الترهات في جامعاتنا اليوم- مجرد تساؤل: إذا كان بنو إسرائيل يعبدون إلها وثنيا قديماً يدعى (الفلس-فلستيم) فكيف ومتى تسلل هؤلاء من كريت؟ وماذا عن الإله الوثني العربي القديم (الفلس) الذي سجل ابن الكلبي (كتاب الأصنام) اسمه كمعبود عند قبائل العرب؟

المصدر : الجزيرة