تعذيب ذوي الشهداء المقدسيين باحتجاز جثامين أبنائهم

محمد أبو طير ابن الشهيدة فدوى وعمته أم أحمد
صورة الشهيدة فدوى أبو طير (50 عاما) يحملها ابنها محمد وعمته أم أحمد (الجزيرة نت)
فاتن أبو عيشة-القدس

يكفي النظر إلى وجه ابن القدس عبد السلام أبو غزالة ليخبر عن حاله، بعد أن خسر الكثير من وزنه إثر استشهاد ابنه ثائر في 8 أكتوبر/تشرين الأول 2015، أقدم الشهداء المحتجزة جثامينهم لدى الاحتلال الإسرائيلي والبالغ عددها 12 جثمانا.

يعلق الجد خضر أبو غزالة "نعدّ الأيام واحدا تلو الآخر فنحن في عزاء دائم"، بينما عينا الوالد لا تبارحان هاتفه النّقال قائلا: "أي رقم غريب يتصل أعتقد أنهم الشرطة وأن هناك شيئا جديدا بخصوص الاستلام"، لكنه يخفت صوته ليؤكد "للأسف لليوم لم يفتح الموضوع بعد".

يعود ليضع نظارته وينظر في هاتفه بحثا عن صور لابنه قائلا: "هكذا أقضي وقتي أنظر للصور وأبحث عن كلمات جميلة له".

أصغر محتجز
أصغر هؤلاء هو الشهيد حسن خالد مناصرة "مهاني" (15 عاما)، فما إن تدخل بيتهم حتى تلحظ صورته ملصقة على الجدار، وعن يمينها يتدلى إكليل من الورد الليلكي والأبيض، "هذا حضّرته خالته لتضَعه على رأسه عند الدفن"، لكن الورد ذبل والجثمان عاد إلى حجزه بعد أكثر من خمسة أشهر من استشهاده في 12 أكتوبر/تشرين الأول 2015.  

وضع الجثمان وتجمّده دفعا والد الشهيد حسن لرفض تسلمه. تقول الأم ميساء مناصرة إنها "اللحظة الأصعب، بعد ترتيب كل شيء والتهيئة لرؤيته بعد انتظار، لم نره ولم نودعه"، مضيفة "لا نريد تقبيل ثلج، نريد أن نشعر بابننا، ولنستطيع تكفينه على الشريعة الإسلامية".

بينما تفتقد الأم من الشهيد حسن كلمة "سلم الله يديك يا أمي"، وتجد في الصور ملجأ لترى ابنها أمامها وتدعو له.

"وضع أبو محمد مناديلها وأغراضها إلى جانبه في السرير، أعدتُها أول يوم ثم أرجعها في اليوم التالي، يريد أن يبقى يشمّ رائحتها"، تقول أم أحمد عن شقيقها عند نومه في الغرفة التي جمعته مع زوجته الشهيدة فدوى أبو طير (50 عاما)، والتي قتلها الاحتلال على أعتاب الأقصى بزعم محاولتها تنفيذ عملية طعن.

ويقول محمد -الابن الأكبر للشهيدة بين خمسة أخوة- "الوالد دائما شارد الذهن، فقط يسأل عن الجديد في التسليم؟".

لقد حُرم محمد من وداع والدته وتقبيلها كعادته يوميا، بينما الأبناء يجمعون الصور وينظرون إليها.

والد الشهيد علاء أبو جمل تمنى "فقط أن أعيش لأدفن علاء حتى أراه"، الوالد المريض أصلا بالقلب، أثقل قلبه الفراق، "أتذكر دخوله وحديثه معي، لو ألف سنة لا يتغير عليّ شيء".

يتكلم الوالد بصوت يئن حنينا، وهو يجلس في بيت علّقت على جدرانه صور علاء، فضلا عن صور أخرى تجمعه مع ابني عمه عدي وغسان أبو جمل اللذين استشهدا أيضا بعد عملية في كنيس يهودي العام السابق.

بيت الشهيد علاء أغلق بالباطون، وهناك بيتان مهددان بالهدم، ولم يبقَ سوى بيتين للعائلة التي استشهد ثلاثة من أبنائها.

ولسان حال أبو علاء الدعاء لابنه يوميا في انتظار طال أمده، ويقول: "ما لنا غير الله حتى نتسلم ابننا ونكرمه بدفنه".

‪والد الشهيد بهاء عليان في بيته الجديد المستأجر في بلدة جبل المكبر‬ (الجزيرة نت)
‪والد الشهيد بهاء عليان في بيته الجديد المستأجر في بلدة جبل المكبر‬ (الجزيرة نت)

الموت مرارا
"هي تخيلت، وما زالت…"، أثار الكلام شجونا في نفس أبو بهاء عليان. همس "لا تكملي قراءته أمامها" (يقصد أم بهاء)، عن مشهد تخيّل لقاء يُنتَظر كتبه على صفحته في الفيسبوك، "تخيلته في قالب من الصقيع ولم تأبه لالتصاق شفتيها في الجليد، تخيلته رفاتا في مقبرة الأرقام قبّلته ولم تأبه..".

لربما عينا والدة الشهيد بهاء عليان والهالة البنيّة اللون التي اتخذت مسكنا حولهما يخبران بالحال، تقول "نموت بالنهار مئتي ألف مرة. أطفأ كل الدار والفرحة فيها"، أما أبو بهاء فقال "لا يوجد طعم لأي شيء إطلاقا، رائحة الفقد تبقى موجودة في البيت".

يلاحق أبو بهاء سؤال الوالدة "حدث شيء؟"، فالمحكمة تقترب بعد التماس قدمه الأهالي لمحكمة الاحتلال بشأن الجثامين المحتجزة، ينظر فيه يوم 18 أبريل/نيسان الجاري.

المصدر : الجزيرة