تهويد القدس بالاستيطان

هدم عقارات إسلامية ملاصقة لقبة للمسجد الأقصى لبناء مراكز تهويدية
تعتبر القُدْس أكبر مدينة في فلسطين التاريخية من حيث المساحة وعدد السكان وأكثرها أهمية دينية، ومركزية الموقع الجغرافي للقدس جعلت منها مركزا اقتصاديا وتجاريا هاما، بالإضافة إلى أهميتها الكبيرة على المستوى الروحي والتاريخي والثقافي والسياسي.

والجزء الشرقي من القدس هو جميع الأراضي التي كانت تحت الحكم الأردني بعد انسحاب القوات البريطانية من فلسطين عام 1948م، وحتى الاحتلال الإسرائيلي للمدينة عام 1967م. وتقع ضمن أراضيها مدينة القدس القديمة التي تحوي على أقدس الأماكن للمسلمين والمسيحيين.

ومن المعلوم أن قوات الاحتلال سيطرت على الشطر الغربي من مدينة القدس عام 1948م، وهو ما يعادل 80% من مساحة القدس، وكان يضم 39 حيا فلسطينيا، تم تدمير معظم مبانيها، وما تبقى منها تم إشغاله بالمستوطنين ودوائر الاحتلال المختلفة.

واقع جديد
وعند احتلال الشطر الشرقي من المدينة في العام 1967عمد الصهيوني موشيه ديان وبتأييد من قادة الاحتلال إلى الإيعاز للمهندسين والمخططين للعمل على إيجاد واقع جديد بالقدس لصالح اليهود. وفي غضون أيام قليلة بعد الاحتلال، هُدمت حارة المغاربة بكاملها في القدس القديمة.

وقد تم طرد ما يقارب ألف مواطن عربي من المنازل، وأنشئت ساحة حائط البراق، وصودرت مساحة 17.700 دونم من الأراضي, طبقاً للسياسة الإسرائيلية الهادفة للسيطرة على أكبر مساحة ممكنة من الأرض مع أقل عدد ممكن من السكان العرب.

كانت مساحة القدس العربية عشية الاحتلال الإسرائيلي عام 1967 تبلغ حوالي 6.5 كم2, بحيث تصل شمالا إلى جبل المشارف، وجنوبا حي الثوري، وشرقا حدود بلدة بو ديس، وغربا خط الهدنة.

وبعد عام 1967 وسع الاحتلال الحدود البلدية في شرقي القدس لتصل إلى 70 كم2 انتزعت كلها من مساحة الضفة الغربية, بحيث ضمت كل المنطقة الواقعة إلى الشمال حتى حدود بلدية البيرة بعد استثناء الرام وضاحية البريد وبيرنبالا.

‪توزيع العرب واليهود في القدس (الجزيرة نت)‬ توزيع العرب واليهود في القدس (الجزيرة نت)
‪توزيع العرب واليهود في القدس (الجزيرة نت)‬ توزيع العرب واليهود في القدس (الجزيرة نت)
وجنوبا وصلت إلى حدود بلدية بيت لحم. وشرقا كان التوسع محدودا حتى لا تدخل القرى المحيطة بالقدس من ناحية الشرق داخل حدود البلدية (أبوديس, العيزرية, عناتا)، عدا 38 كم2 شكلت القدس الغربية حتى 1967م.
 
وبذلك أصبحت مساحة القدس الغربية والشرقية حوالي 108كم2 تشمل أكبر قدر من الأرض مع أقل عدد من السكان الفلسطينيين.
 
البناء الاستيطاني
تم بناء 34 مستعمرة إسرائيلية شرقي القدس بعد احتلاله عام 1967. وعام 2005 بلغ سكانها 218 ألف نسمة. وتشكل هذه المستعمرات حزامين حول القدس: الأول الحزام الداخلي في داخل القدس الشرقية، وعدد مستعمراته 16، والثاني الحزام الخارجي خارج حدود القدس الشرقية وعدد مستعمراته 18. وتحتل المستعمرات ما مساحته 38 كم2.
 
بالإضافة إلى ذلك فقد تم إنشاء 24 موقعا استعماريا عشوائيا خلال الفترة من 1996 حتى2015. ويبلغ طول الطرق الالتفافية التي أقيمت في داخل وحول القدس لربط هذا المستعمرات ببعضها حوالي 112 كم. ويتسبب هذا الوضع بعزل المدينة عن محيطها الفلسطيني وقطع الضفة الغربية إلى نصفين.
 
لأجل تكثيف عمليات الاستيطان في القدس، يمكن أن تتحول المناطق الخضراء والمفتوحة بين ليلة وضحاها إلى مناطق بناء ( مثال على ذلك جبل أبو غنيم/ مستعمرة حار حوماه وشعفاط/مستعمرة ريخيس شعفاط).
 
في بعض الأماكن  تم الإعلان عن تحويل مناطق مكتظة بالبناء الفلسطيني، مثل حي البستان في سلوان، إلى مناطق مفتوحة. وأدت هذه السياسة العنصرية على مستوى المدينة إلى وجود حوالي 22000 مسكن غير مرخص، من بينها تسعة آلاف مهددة بالهدم.
 
هدم وبناء
السياسة الإسرائيلية في تهويد القدس، بدأت عام 1967م مباشرة بهدم حارة الشرف وحي المغاربة بالقدس لتوسيع وبناء الحي اليهودي الجديد بتاريخ 1968م، ثم مصادرة (116 دونماً) بموجب قرار أصدرته وزارة المالية مرفقاً بالخارطة رقم 5 ب/أ/108/322 ونشر بالجريدة الرسمية رقم 1443، وكان قائماً على هذه المساحة المصادرة 595 بناية تضم 1048 دكاناً وقبراً، وخمسة جوامع، وأربع مدارس، وسوقاً عربية تاريخية هي (سوق الباشورة) وشارعاً تجارياً هو جزء من شارع باب السلسلة، ويقع على طول هذا الشارع عدد من العمارات التاريخية التي يعود تاريخ بنائها إلى العصر المملوكي.
 
وكان يعيش في هذه المنطقة نحو ستة آلاف عربي في ثلاثة أحياء هي حي المغاربة الذي دمر كلياً بعد الحرب مباشرة، وجزء من حي السريان وحي الشرف. وتشكل هذه المساحة حوالي 20% من مساحة البلدة القديمة في القدس والبالغ مساحتها 868 دونما. 

المستوطنات

1- مستوطنة النبي يعقوب:
   تمّ الإعلان عن مصادرة 1835 دونماً بين عامي 1968 و 1980م وتمّ نشر هذه الإعلانات بالجرائد الرسمية، بموجب قانون الأراضي (الاستملاك للمصلحة العامة لسنة 1943م). وبلغ عدد الوحدات السكنية 3800 وحدة يقيم فيها 19.300 نسمة، على مساحة 862 دونماً.
2- راموت:
ضمن أكبر مصادرة جرت في مدينة القدس (عام 1970م) تم الاستيلاء على 4.840 دونماً، بدأ تأسيس هذه المستعمرة عام 1972، ومساحتها 2875 دونماً.

 3- جيلو: 
بُدئ بتأسيس هذه المستعمرة عام 1971م، بعد أن تمّت مصادرة 2700 دونم عام 1970م، وحسب الخارطة الهيكلية رقم (1905) تبلغ مساحتها 2743 دونماً، أقيم فيها 7484 وحدة سكنية يسكنها 30.200 مستوطن، وقد تم توسيع حدودها أكثر من مرة كان آخرها إضافة (300) وحدة سكنية. بعد أن تمت مصادرة المزيد من الأراضي على اعتبار أنها أملاك غائبين.

أقيمت المباني للجامعة العبرية على أراض قرب العيسوية عام 1924م بالإضافة إلى مستشفى وظلت كذلك حتى عام 1948م

 4 – تلبيوت الشرقية: 
تمت مصاردة أرض مساحتها 2240 دونماً، بموجب قرار المصادرة الصادر عام 1970م. وتشير الخارطة الهيكلية رقم 1848 إلى انّ مساحة هذه المستعمرة تبلغ 1071 دونماً وأقيمت فيها 4400 وحدة سكنية تستوعب حوالي 15.000 نسمة، وتشكل هذه المستعمرة مع مستعمرة جيلو الحزام الجنوبي الشرقي من أحزمة الطوق حول القدس.

5- معلوت دفنا: 
أقيمت على أراض صودرت بموجب قرار رقم هـ ف 111/322 عام 1968م. وتعود ملكية هذه الأراضي إلى عائلات من مدينة القدس، ومساحة هذه المستعمرة تبلغ (389) دونماً وأقيمت عليها 1184 وحدة سكنية بدء في إنشائها عام 1973م في المناطق الحرام السابقة التي كانت تفصل بين شطري القدس.

6- الجامعة العبرية: 
أقيمت المباني للجامعة العبرية على أراض قرب العيسوية عام 1924م بالإضافة إلى مستشفى وظلت كذلك حتى عام 1948م. وبقيت الجامعة العبرية ضمن المنطقة الخاضعة لإشراف الأمم المتحدة المنزوعة السلاح.

وبعد عام 1967م، ومصادرة مساحات واسعة من أراضي قريتي العيسوية ولفتا، جرى توسيع حدودها وذلك على حساب المناطق الحرام والمناطق العربية، وتمّ وصلها بالقدس الغربية عن طريق الأحياء السكنية التي أقيمت على مقربة من (التلة الفرنسية، جبعات همفتار، رامات اشكول) وتبلغ مساحة المخطط الهيكلي الذي يحمل رقم 3203، (740) دونماً.

7- ريخس شعفاط (جبعات هاشعفاط): 
تقع هذه المستعمرة على أرض صودرت عام 1970م، بموجب قانون (الاستملاك للمصلحة العامة) وقد بلغت مساحة المستعمرة (1198) دونماً. وزُرعت المنطقة في البداية حيث تحولت إلى محمية طبيعية. وفي عام 1990م، أُعلن عن إقامة هذه المستعمرة واقتُلعت الأشجار وأنشئت البنية التحتية لإقامة (2165) وحدة سكنية لليهود المتطرفين الكنديين.

8- رامات اشكول، (جبعات همفتار): 
تعتبر هذه المستعمرة من أول المستعمرات التي أُسِّست حول المدينة، وحلقة ربط بين الأحياء في القدس الغربية والقدس الشرقية، ففي 1/9/1968م صودر 3345 دونماً بموجب القرار (1425).

9- مستعمرتا بسجات زئيف، بسجات عومر: 
أُقيمت على أراضي قرى (بيت حنينا، شعفاط، حزما وعناتا). وتمّت مصادرة 3800 دونماً لإقامة و بناء (12) ألف وحدة سكنية لإسكان (100) ألف مستوطن.

10- عطروت (منطقة صناعية): 
أقيمت على أراضٍ صودرت عام 1970م (1200 دونم) وأقيمت فيها صناعات الأثاث والصناعات المعدنية، وتم نقل كثير من المصانع من القدس الغربية إلى هذه المنطقة.

11- جبعات هماتوس:
أقيمت على أراضٍ تعود ملكيتها لقرية بيت صفافا ومدينة بيت جالا، وتبلغ مساحتها (170) دونماً. بُدئ بتأسيسها عام 1991م بنصب بضع مئات من الكرافانات. وتشير الخارطة الهيكلية إلى مساحتها الإجمالية 980 دونماً وأن أبنيتها المؤقتة سوف تستبدل بأبنية دائمة وإقامة 3600 وحدة سكنية.

 12- مستعمرة (هار حوماه): 
في عام 1990م تمّ استملاك 1850 دونماً من أراضي القرى العربية (صور باهر، أم طوبا، بيت ساحور) وهي الآن عبارة عن محمية طبيعية، ويشير المخطط الهيكلي الذي يحمل رقم (5053) لهذه المستعمرة إلى إقامة 6500 وحدة سكنية.

13- التلة الفرنسية (رمات شكول):
  تُعتبر من أول المستعمرات التي أُنشئت في القدس لاستكمال حلقة الطوق حول المدينة. وتُعتبر هذه المستعمرة التي أقيمت على أراضي قريتي لفتا وشعفاط من أكبر الاحياء السكنية في الحزام الاستيطاني الأول.

مدينة القدس بما تحمله من تاريخ مجيد وتحوية من تراث فريد عبر العصور، فإنها تتعرض لعدوان حضاري سافر يستهدف تهويدها بالكامل وطمس معالمها العربية ويحصل هذا على مرأى العالم ومسمعه

14- مشروع ماميلا (قرية داود): 
تقع غربي باب الخليل في منطقة حي الشماعة. في عام 1970م أعلن عن استملاك ما مساحته (130) دونماً. وتُعتبر هذه المنطقة التي كانت منطقة حراماً من أقرب المغتصبات الى البلدة القديمة.

15- مشروع تهويد ما يسمى ب (الحوض المقدّس)
لهذا المشروع أهدافٌ متعدّدة على مختلف الصعد الثقافيّة والسياسيّة والديمغرافيّة والدينيّة، وأبرز هذه الأهداف:
• محو الهويّة العربية والإسلاميّة لمدينة القدس واستبدالها بهويّة يهوديّة من الناحيتين التاريخيّة والدينيّة.
• ترحيل عدد كبير من المقدسيّين إلى مناطق أبعد عن المسجد الأقصى والبلدة القديمة أو حتى ترحيلهم  خارج مدينة القدس.
• عزل المسجد الأقصى عن الأحياء العربية الفلسطينية في مدينة القدس، مما يحرم المسجد من أحد أهمّ خطوط دفاعه، ويُسهّل على المحتلّ الاعتداء عليه كيف ومتى أراد.
وأهم أجزاء هذا المشروع التهويدي هو حي سلوان والذي اغتصب الاحتلال فيه حتى عام 2015 م ما مجموعه 54 شقة سكنية، ويسعى الإحتلال لإزالة حي البستان وهو جزء من سلوان من الوجود وتحويله لحديقة توراتية.

خلاصة القول إن مدينة القدس بما تحمله من تاريخ مجيد وتحوية من تراث فريد عبر العصور، فإنها تتعرض لعدوان حضاري سافر يستهدف تهويدها بالكامل وطمس معالمها العربية ويحصل هذا على مرأى العالم ومسمعه. وما لم توضع القدس على قمة أولويات الأمة العربية والإسلامية، فإنها ماضية الى مستقبل شديد القتامة.

المصدر : الجزيرة