خلاصة قمم ترامب

U.S. President Donald Trump meets with Russian President Vladimir Putin in Helsinki, Finland, July 16, 2018. REUTERS/Kevin Lamarque

أصبحت القمم التي عقدها الرئيس دونالد ترامب مع زعيم كوريا الشمالية كيم جون أون في سنغافورة، ومع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في هلسنكي، ومع مجموعة السبع في كيبيك، ومع الحلف الأطلسي في بروكسيل؛ من الماضي.

وهناك محادثات بشأن عقد قمة أخرى بين ترامب وبوتين في واشنطن العاصمة؛ فبعد مرور 30 عاما على نهاية الحرب الباردة -التي دامت أربعة عقود وشهدت حوادث خطيرة- استأنف رؤساء أميركا ونظراؤهم في الاتحاد السوفياتي عقد قممهم الرفيعة المستوى.

وينبغي معرفة أن كلمة "قمة" ليست دقيقة في معناها؛ إذ قد تُقصد بها الاجتماعات الرفيعة المستوى بين الأصدقاء وكذلك بين الأعداء. وقد تكون القمم ثنائية الأطراف أو متعددة الأطراف.

السبب الرئيسي وراء استئناف تلك القمم هو كونها المقاربة المفضلة لدى ترامب في نشاطاته الدبلوماسية، وليس صعبا شرح سبب ذلك. فدبلوماسية ترامب تتخذ بعدا شخصيا، وهو يؤمن بفكرة أن العلاقات بين الأفراد قد تشكل العلاقات بين الدول التي يتزعمها، حتى لو تطلب الأمر تخطي الاختلافات السياسية الكبيرة بينها

وليست هناك أية قواعد متفق عليها بالإجماع تحدد متى يصبح اجتماع ما قمة. وعلاوة على أي شيء آخر؛ يحمل المصطلح دلالات تتعدى كونه يشير إلى اجتماع عادي فقط.

والسبب الرئيسي وراء استئناف تلك القمم هو كونها المقاربة المفضلة لدى ترامب في نشاطاته الدبلوماسية، وليس صعبا شرح سبب ذلك. فدبلوماسية ترامب تتخذ بعدا شخصيا، وهو يؤمن بفكرة (رغم كونها مثيرة للجدل) أن العلاقات بين الأفراد قد تشكل العلاقات بين الدول التي يتزعمها، حتى لو تطلب الأمر تخطي الاختلافات السياسية الكبيرة بينها.

إن ترامب بارع في التمثيل أكثر من قيادة دولة ويتقن الاحتفال أكثر من السياسة. وهو يحب عقد المؤتمرات لعدة أسباب ذات صلة؛ فهو يثق في قدرته على القيادة، أو على الأقل النجاح في ذلك. فقبل التحاقه بالبيت الأبيض؛ أمضى ترامب معظم حياته المهنية في العقار، حيث كان دائما يحصل على ما يريده في اجتماعات صغيرة مع شركائه أو منافسيه.

وأضاف ترامب العديد من الأشياء إلى الصيغة التي تُعقد بها القمم؛ فعادة ما تدرج القمم في جدول الأعمال بعد أشهر عدة -بل حتى بعد سنوات من التحضير بدقة- من طرف مسؤولين على مستوى منخفض. وكانت هذه القمم تحد من الخلافات أو تنهيها، كما أنها كانت تحرر بشكل محكم.

كما كانت الاتفاقيات والبيانات تناقش بشكل جزئي أو بشكل كامل، ويكون الأطراف على استعداد لتوقيعها. كانت هناك إمكانية أخذ ورد، لكن احتمال وقوع المفاجآت كان صغيرا، كما أنها كانت فرصة لإعطاء شكل نهائي لما تم الاتفاق عليه مسبقا.

لكن ترامب يقوم بعكس ذلك؛ فهو يرى أن القمة محرك أكثر من كونها سِبِنْسَة، إذ كانت التحضيرات لقمتيْ كيم وبوتين قليلة جدا. ويفضل ترامب الجلسات المنتظمة التي تنتهي باتفاقيات غامضة كما حدث في سنغافورة، أو تلك التي تنتهي دون أي اتفاقية كما وقع في هلسنكي.

وتشكل هذه المقاربة العديد من المخاطر؛ إذ قد تنتهي بتبادل الاتهامات وعدم الوصول إلى أي اتفاق. وهذا ما شهدته باستمرار الاجتماعات التي عقدها ترامب مع الحلفاء الأوروبيين لأميركا، وسيطرت عليها انتقادات ترامب لما تقوم به أوروبا بشأن التجارة، أو ما لا تقوم به بخصوص إنفاقها على الدفاع.

وعلاوة على ذلك؛ قد تبدو قمة اتفاقية لم توثّق ناجحة في البداية، لكن الوقت أثبت أن ذلك ليس صحيحا. وهذا ما حدث في قمة سنغافورة؛ إذ تم تداول حديث عن انتهاء القمة باتفاق تلتزم كوريا الشمالية بموجبه بالتخلي عن الأسلحة النووية، لكن ذلك مناقض تماما للواقع الذي يقول إن كيم لا ينوي التخلي عن أسلحته النووية أو صواريخه الباليستية.

وهناك احتمال أن تكون قمة هلسنكي أسوأ حالا، حيث لم تنته القمة بأي اتفاق مكتوب (هذا إن كانت تمت مناقشة أي اتفاق أصلا) خلال المحادثات التي دامت ساعتين بينه وبين بوتين.

المشكل ليس في القمم في حد ذاتها؛ فقد أوضح التاريخ قدرة هذه القمم على حل الأزمات والخروج باتفاقيات من شأنها رفع مستوى التعاون والحد من خطر المواجهة. إلا أن توقع الكثير من عقد القمم أمر خطير، خاصة في غياب الاستعدادات أو المتابعة الكافية. وفي هذه الحالات؛ تزيد القممُ احتمالَ فشل الدبلوماسية، مما يسبب عدم الاستقرار

والخطر الثالث الذي تشكله القمم التي تنتهي باتفاقيات مبهمة أو بدونها هو أنها تخلق عدم الثقة مع الحلفاء وعلى المستوى المحلي أيضا. فقد لاحظت كوريا الجنوبية أن مصالحها كانت مهددة في قمة سنغافورة، وتخاف دول حلف شمال الأطلسي أن توضع مصالحها جانبا في قمة هلسنكي.

ورغم محاولة الكونغرس -بل وحتى المجلس التنفيذي- معرفة ما تمت مناقشته؛ فإنه يستحيل القيام بمتابعة فعالة. وستصبح الإدارات المستقبلية أقل التزاما باتفاقيات لا تعرف شيئا عنها، مما يجعل الولايات المتحدة الأميركية أقل تناسقا وأقل ثقة.

وقد زاد ترامب من هذه المخاطر بكونه يميل إلى الجلسات الانفرادية دون أخذ النقط، وهذا ما وقع في كل من سنغافورة وهلسنكي. ولا يمكن الاستغناء عن المترجمين الفوريين في مثل هذه اللقاءات، ولا ينبغي على المترجمين ترجمة الكلمات فقط، بل حتى نبرات الصوت للتعبير عما قيل.

لكن المترجمين ليسوا دبلوماسيين ليعرفوا متى يتطلب خطأ ما تصحيحا أو تبادل الاتصالات للتوضيح. إن عدم توثيق ما قيل وما اتفق عليه سيسبب خلافات بين الأحزاب وغيابا للثقة لدى من لم يحضروا الاجتماع.

وللتوضيح، فإن المشكل ليس في القمم في حد ذاتها؛ فقد أوضح التاريخ قدرة هذه القمم على حل الأزمات والخروج باتفاقيات من شأنها رفع مستوى التعاون والحد من خطر المواجهة. إلا أن توقع الكثير من عقد القمم أمر خطير، خاصة في غياب الاستعدادات أو المتابعة الكافية.

وفي هذه الحالات؛ تزيد القممُ احتمالَ فشل الدبلوماسية، مما يسبب عدم الاستقرار على المستوى الجغرافي عوض تخفيف حدته. وفي وقت يتعرض فيه السلم والرفاهية العالميان للخطر؛ فإن هذا هو آخر ما نحتاج إليه.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.