هل ستردع الغارات الغربية الأسد عن إبادة شعبه؟

An undated handout picture made available by the Syria Civil Defence volunteer organization on 07 October 2016 showing a volunteer carrying a child victim in Aleppo, Syria. Syria Civil Defence is a volunteer group, also known as the White Helmets, that consists of over three thousand local volunteers spread across areas of conflict around Syria. In the past three years they saved over 62 thousand Syrian lives, while losing 145 volunteer during airstrikes and 430 others

"ضربة تم تنفيذها بشكل رائع.. ولا يمكن أن تكون هناك نتيجة أفضل. المهمة تمت بنجاح". هذا ما كتبه الرئيس الأميركي دونالد ترمب في تغريدة بعد ساعات فقط من الهجوم الذي شنته الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، وأطلقت فيه أكثر من مئة صاروخ باتجاه ثلاثة مواقع بسوريا، يعتقد أنها منشآت لتصنيع المواد الكيميائية.

كان هدف المهمة "التي تم تنفيذها" هو إثبات أن استخدام الأسلحة الكيميائية سيكون مكلفا للغاية بالنسبة للمسؤولين عنه. ومن الناحية المثالية؛ من شأن ضربات عقابية كهذه أن تمنع الحكومة السورية -أو أي دولة أخرى- من استخدام الأسلحة الكيميائية مرة أخرى، منتهكة بذلك "اتفاقية الأسلحة الكيميائية".

ومع ذلك؛ ليس من الواضح ما إن كان ترمب قد حقق هذا التأثير الرادع. فقد أخفق الهجوم الطفيف الذي نفذته المقاتلات الأميركية في العام الماضي (على مطار الشعيرات) -إلى حد ما- في تغيير السلوك السوري، ومن غير المحتمل أن يؤدي الهجوم الأخير إلى تحقيق هذه الغاية.

الضربات الصاروخية لم تكن مصممة لتقويض إمكانيات نظام الأسد على المدى الطويل، وما حقّقته حكومة بشار الأسد بالأسلحة الكيمائية (أي السيطرة على المناطق التي يسيطر عليها المتمردون في دوما والغوطة الشرقية) يفوق الثمن الذي دفعته؛ وليس هناك شك في أن الحكومة السورية لا تزال تمتلك أسلحة كيميائية ويمكنها إنتاجها سراً إذا لزم الأمر

ما حقّقته حكومة بشار الأسد بالأسلحة الكيمائية (أي السيطرة على المناطق التي يسيطر عليها المتمردون في دوما والغوطة الشرقية) يفوق الثمن الذي دفعته؛ وليس هناك شك في أن الحكومة السورية لا تزال تمتلك أسلحة كيميائية ويمكنها إنتاجها سراً إذا لزم الأمر.

إن الإجراءات العسكرية لإجبار البلد على الامتثال للمعايير الدولية -التي تحظر استخدام الأسلحة الكيميائية- مشروعة ومرحب بها، وكذلك قرار تنسيق الاستجابة مع الحلفاء والتهديد بشن ضربات جديدة إذا استُخدمت الأسلحة الكيميائية مرة أخرى. ومن المهم الإشارة إلى أن معارضة استخدام أي سلاح من أسلحة الدمار الشامل عميقة وواسعة.

وفي الوقت نفسه؛ يبدو أن الولايات المتحدة بذلت جهودًا ملحوظة لتجنب صراع مع القوات الروسية والإيرانية. وقد قلل ذلك من خطر التصعيد، لكنه استبعد أيضًا العديد من الأهداف المحتملة، مما حد من السعر الذي دفعته الحكومة السورية مقابل أعمالها. ولهذا السبب وأسباب أخرى؛ لا تنبغي المبالغة في نتائج هذه الهجمات الصاروخية.

يمكن للحكومة السورية أن تفسر السياسة الأميركية بشكل معقول على النحو التالي: "سنقف مكتوفي الأيدي ولن نقوم بشن أي هجوم رغم قيامكم بإرهاب أو قتل شعبكم، طالما أنكم لا تستخدمون الأسلحة الكيميائية". وفي الواقع؛ كان هذا هو الحال خلال السنوات السبع الأخيرة، عندما قُتل ما يقارب نصف مليون سوري، وأجبر أكثر من عشرة ملايين على مغادرة منازلهم. إن سياسة ترمب الخارجية ليست سيئة بقدر ما هي غير أخلاقية.

ومن المؤكد أن الضربات الصاروخية لم تكن مصممة لتقويض إمكانيات نظام الأسد على المدى الطويل؛ وبسبب دعم روسيا وإيران -إلى حد كبير- يسيطر الأسد بقوة على السلطة، ومن المرجح أن يظل كذلك في المستقبل المنظور. هذا واقع مرير بالنسبة للكثيرين، لكنه هو الحقيقة.

كيف سيؤثر ذلك على سياسة الولايات المتحدة، وسياسة الحكومات الفرنسية والبريطانية والحكومات العربية المناهضة للأسد؟ لا يزال ترمب مصمما على إنهاء الوجود العسكري الأميركي في سوريا (الذي يبلغ الآن حوالي 2000 جندي).

لقد أوضح ذلك عندما أعلن شن الضربات الصاروخية؛ حيث قال "إن أميركا لا تسعى إلى وجود دائم في سوريا تحت أي ظرف…، ومع قيام الدول الأخرى بزيادة مساهماتها فإننا نتطلع إلى اليوم الذي يمكننا فيه إعادة محاربينا إلى الوطن".

من المرجح أن تظل سوريا دولة منهارة لسنوات قادمة، مع حكومة غير شرعية تسيطر على معظم أراضي الدولة وليس كلها. لكن الحد من العنف وتحسين وضع بعض السوريين على الأقل قد يكون ممكناً إذا لم تقم أميركا بسحب قواتها، وإذا ساهمت الحكومات السنية بالدعم المالي والعسكري، وإذا أقنِعت روسيا بلعب دور أكثر اٍيجابية نوعا ما

إذا كان الهدف هو تجنب خلق وضع يمكن فيه لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) أو غيره من الجماعات الإرهابية إعادة تشكيل نفسها، فإن ذلك اليوم يظل بعيداً. ويقال إن واشنطن تحاول إقناع مصر والسعودية والإمارات والأردن بإنشاء قوة سنية تحافظ على النظام في المناطق المحررة من "داعش".

وليس من الواضح ما إن كانت هذه القوة ستكون هناك، بل ومن غير المؤكد أنها يمكن أن تتصرف بمفردها، نظرا إلى قدرات هذه البلدان المتواضعة والتزاماتها الواسعة. وتبقى هناك حاجة لوجود ومشاركة عسكرية أميركية كبيرة.

ستكون هناك حاجة إلى وجود المزيد من القوات الأميركية للحفاظ على التنسيق مع القوات الكردية السورية، التي خاضت المعركة ضد "داعش". لكن استمرار دعم الأكراد دون التسبب في مشاكل إضافية مع تركيا -التي أدخلت قواتها إلى المنطقة لإضعاف السيطرة الكردية- قد يكون مستحيلاً. وتتطلب هذه الحقيقة تقليل اعتماد الجيش الأميركي على الوصول إلى القواعد التركية.

لم يقل ترمب شيئاً عن أزمة السوريين النازحين داخلياً. لم تقبل أميركا -التي استضافت أكثر من عشرة آلاف لاجئ سوري قبل عامين- سوى عدد قليل من اللاجئين العام الماضي. وما زالت معلقةً مسألةُ من الذي يجب أن يدفع؟ وإلى أي مدى؟ لدعم اللاجئين السوريين والدول المجاورة التي قامت باستضافتهم.

يتعلق السؤال الأخير بالدبلوماسية؛ إذ لا توجد تصورات واقعية لتنظيم عملية الانتقال السياسي في دمشق، لكن من الممكن التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق نار محلي، وإنشاء مناطق يمكن أن يعيش فيها المدنيون السوريون (لكن ليس القوات الحكومية) بشكل آمن.

ومع ذلك؛ فإن مثل هذه الترتيبات من المحتمل أن تتطلب مشاركة ودعما من روسيا للحفاظ على وجود حكومتيْ سوريا وإيران في المفاوضات. لقد تصرفت روسيا بشكل غير مسؤول في الآونة الأخيرة، لكن لا تزال هناك أمامها فرصة اختيار تقديم مساعدة محدودة، على الأقل من أجل خفض تكاليف سياستها السورية.

لكن هذا ليس هو الحل؛ من المرجح أن تظل سوريا دولة منهارة لسنوات قادمة، مع حكومة غير شرعية تسيطر على معظم أراضي الدولة وليس كلها. لكن الحد من العنف وتحسين وضع بعض السوريين على الأقل قد يكون ممكناً إذا لم تقم أميركا بسحب قواتها، وإذا ساهمت الحكومات السنية بالدعم المالي والعسكري، وإذا أقنِعت روسيا بلعب دور أكثر اٍيجابية نوعا ما.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.