هل يستطيع رامافوسا أن يُصلح حال جنوب أفريقيا؟

South Africa's President Jacob Zuma sings next to newly elected president of the ANC Cyril Ramaphosa during the 54th National Conference of the ruling African National Congress (ANC) at the Nasrec Expo Centre in Johannesburg, South Africa December 18, 2017. REUTERS/Siphiwe Sibeko

آن ماري سلوتر وأدريين كلاسا

جاء انتصار سيريل رامافوسا في معركة ديسمبر/كانون الأول على زعامة حزب المؤتمر الوطني الأفريقي الحاكم في جنوب أفريقيا؛ بمثابة رفض مدوٍّ للرئيس جاكوب زوما. وقد بات في حكم المؤكد أن رامافوسا سيُنتخب رئيسا لجنوب أفريقيا 2019، إن لم يكن قبل ذلك.

فقد وعد بتحفير اقتصاد البلاد الذي يحتضر، وتعهد بتنفيذ برنامج واسع النطاق لمكافحة الفساد. لكن السؤال الرئيسي هنا يتعلق بمدى التأثير الذي قد يخلفه التغيير في قمة السلطة على حال الديمقراطية المضطربة في جنوب أفريقيا.

لا نتوقع أن يصنع رامافوسا المعجزات؛ فهو أولا يواجه التحدي المتمثل في إصلاح حزبه (حزب المؤتمر الوطني الأفريقي)، الذي مكنته سمعته -بوصفه الحزب الذي حرر جنوب أفريقيا من بلاء الفصل العنصري1994- من الفوز بكل الانتخابات التي أُجريت منذ ذلك الحين.

التحدي الأكبر الذي يواجهه رامافوسا فيأتي من الدولة ذاتها، إذ يتحتم عليه أن يعالج الفساد الذي أصاب بنية الدولة وترعرع تحت حكم زوما. فلقد أضحت شبكات المحسوبية والفساد بجنوب أفريقيا متفشية لدرجة ذاع معها استخدام مصطلح "الاستيلاء على الدولة"، الذي يطلقه البنك الدولي تطويع القلة الحاكمة المؤسسات العامة لمصلحتها الشخصية

لكن هذا الحزب يقف اليوم متهما بالعجز والانحلال الأخلاقي في آنٍ واحد، وقد عانى خسائر غير مسبوقة أمام حزب التحالف الديمقراطي المعارض في دوائر حضرية، خلال الانتخابات المحلية التي أُجريت 2016.

وبوسع أعضاء حزب المؤتمر الوطني الأفريقي -الذي يشعرون بالإحباط مما جرى- أن يعملوا كحلفاء وأنصار أقوياء لمحاولات رامافوسا الإصلاحية؛ فقد كانوا أقوياء بالقدر الذي مكنهم من تفضيله على مرشحة جاكوب زوما المفضلة، وهي زوجته السابقة ورئيسة لجنة الاتحاد الأفريقي نكوسازانا دلاميني-زوما.

لكن، وكما حدث في دول أخرى من إيران إلى روسيا؛ يتصادم شباب الناخبين في الحضر -الذين يمارسون الضغوط من أجل التغيير- مع الناخبين الأكبر سنا في المناطق الريفية، الذين يشكلون جوهر قاعدة حزب المؤتمر الوطني الأفريقي. ومن المستبعد أن ينقلب هؤلاء الناخبون ضد الحزب، مما يدرأ أي تهديد وجودي لسيطرته على صناديق الاقتراع، ويثبط جهود الإصلاح في الوقت ذاته.

أما التحدي الأكبر الذي يواجهه رامافوسا فيأتي من الدولة ذاتها، إذ يتحتم عليه أن يعالج الفساد الذي أصاب بنية الدولة وترعرع تحت حكم زوما. فلقد أضحت شبكات المحسوبية والفساد بجنوب أفريقيا متفشية لدرجة ذاع معها استخدام مصطلح "الاستيلاء على الدولة"، الذي استحدثه البنك الدولي لوصف ما جرى في دول آسيا الوسطى في فترة ما بعد الاتحاد السوفياتي، حيث طوعت القلة الحاكمة المؤسسات العامة لمصلحتها الشخصية.

إن الاستيلاء على الدولة في جنوب أفريقيا مترسخ بدرجة عميقة، لكنها رغم كل عيوبها دولة ديمقراطية ذات مؤسسات متشابكة، ولذا فإن قطع الرأس لن يقتل الوحش، على عكس أي دولة دكتاتورية تخضع لقبضة محكمة وسيطرة مركزة.

ومن أجل تطويع مصالح كثيرة لخدمتها؛ كان على شبكة بطانة زوما المرنة في انتشارها أن تتوغل في طبقات كثيرة من الدواوين الحكومية، وكذلك المستويات المختلفة في مجال الأعمال. وسيواجه العمل على حل مثل هذا التكتل المربح -في وقت لا يملك فيه الاقتصاد تقديم إلا القليل لعدد هائل من الموظفين الحكوميين والعمال- صعوبات جمة، كما لن يحظى بالتأييد الشعبي، علما بأن معدل البطالة قد وصل إلى 28% تقريبا.

فضلا عن ذلك، فإن زوما لا يزال موجودا رغم ضعفه، ولا يزال نفوذه قائما. وفوز رامافوسا بمعركة زعامة الحزب جاء بهامش بسيط، كما أن نائبه المنتخب ديفد مابوزا والأمين العام للحزب إيس ماجاشول مساعدان مقربان من زوما.

كما احتفظ أنصار زوما بالسيطرة نظريا على اللجنة الوطنية التنفيذية التابعة لحزب المؤتمر الوطني الأفريقي، والتي يبلغ عدد أعضائها 86 عضوا. ففي ظل التذبذب الظاهر في ولاء بعض الأعضاء في الفترة الحالية؛ لعبت هذه اللجنة دورا حيويا في حماية زوما من محاولات سابقة لإقصائه.

أخيرا، قد يكون رامافوسا نفسه مذبذبا؛ فبعدما أثبت نفسه كمفاوض قوي لكونه أحد المهندسين الرئيسيين للصفقة التي أنهت نظام الفصل العنصري، تم ترشيحه ليكون نائبا لنيلسون مانديلا عندما أصبح أول رئيس لجنوب أفريقيا في فترة ما بعد الفصل العنصري، لكنه تنحى عندما طُلب منه ذلك ليُظهر بذلك قدرا من العملية والصبر.

لكن رامافوسا يعد أيضا -إلى حد كبير- نتاجا لنظام حزب المؤتمر الوطني الأفريقي؛ فثروته الكبيرة كانت بمثابة هدية من برامج التمكين الاقتصادي للسود، التي تبناها حزب المؤتمر الوطني الأفريقي في تسعينيات القرن الماضي. ومع أنه يُنظر إليه كشخص نظيف اليد رغم نمط حياته الذي يتسم بالبذخ؛ فإنه -بلا شك- استفاد من محسوبية حزب المؤتمر.

ولو افترضنا توافر العزيمة والحصافة السياسية والدعم لرامافوسا لقيادة تغيير شامل، فإنه لن يكون وحده. فقد أثبتت بعض مؤسسات جنوب أفريقيا -بما فيها السلطة القضائية- مرونتها في وجه الضغط الهائل للرضوخ لأجندة زوما.

إن انتصار رامافوسا يعد مؤشرا مهما على إدراك الكثيرين داخل حزب المؤتمر لحتمية التغيير، وإلا فإنهم سيواجهون مخاطرة أن يذكر التاريخ حزبهم بأنه الحزب الذي سمح لقلة جشعة ببيع البلاد بثمن بخس. بيد أن التغيير سيكون بطيئا وشاقا. وتشير التوقعات إلى أن رامافوسا سيحقق فوزا متوسطا في مباراة عالية المخاطر

وفي 29 ديسمبر/كانون الأول الماضي، أعطت المحكمة الدستورية دفعة معنوية لهؤلاء الذين يريدون إقصاء زوما قبل انتهاء ولايته في 2019. فقد انتهت المحكمة إلى أن البرلمان أخفق في محاسبة الرئيس بشأن فضيحة تتعلق بحصوله على أموال الدولة لمنفعة شخصية، وطالب القضاة المجلس الوطني ببحث توجيه اتهام للرئيس وبدء إجراءات محاكمته.

وتتمثل أهمية الموقف المعنوي للمحاكم في جعلها حليفا مهما في الجهود الرامية لتطهير الحياة السياسية بجنوب أفريقيا. لكن يستبعد أن يفضي توجيه الاتهام والمحاكمة -وهي عملية مطولة ومشحونة بالإجراءات- إلى الإطاحة بزوما قبل انتهاء ولايته بوقت كبير.

يتجسد السبيل الآخر لتعزيز موقف رامافوسا في تصويت لطرح الثقة داخل اللجنة الوطنية التنفيذية. لكن زوما تمكن من تحاشي اقتراع لطرح الثقة كان مقررا على أجندة هذه اللجنة فقط عندما قدم تنازلا كبيرا: وهو السماح بالتحقيق في حالات الاستيلاء على الدولة، وهو أمر رفضه لأكثر من عام، مما يعد مؤشرا واضحا على ضعفه حاليا. ومن المتوقع أن تتجلى صلاته بعائلة جوبتا التي تلاحقها الفضائح.

وقد ناقشت اللجنة الوطنية التنفيذية للحزب مسألة إنشاء سلسلة من إجراءات التقاضي تضمن استقالة زوما، وهو الأمر الذي يسعى أنصار رامافوسا لتحقيقه خلال أسابيع، وإن لم يُحدَّد إطار زمني لذلك. لكن قد يستطيع زوما -نظرا لما يتمتع به من فطنة سياسية- أن يطيل عملية التقاضي لشهور عدة، وإن باتت أيامه معدودة على أية حال.

أما رامافوسا فقد حذر من إهانة زوما بأي شكل. وجاء اعترافه بأن السلطة داخل حزب المؤتمر الوطني الأفريقي "مسألة دقيقة للغاية"، بمثابة إعلان كاشف بأنه يدرك جيدا وبوضوح القيود التي يواجهها.

ويمكن للمجتمع الدولي أن يلعب دورا في دعم رامافوسا؛ فوفقاً للسيناريو التقليدي، يحدث أن نتوقع الكثير جدا من أي زعيم جديد ثم سرعان ما نشعر بالخذلان والإحباط عندما يخفق في الوفاء بما وعد به. وإن لم يكن لدى المستثمرين الدوليين والأطراف المعنية المؤثرة التي تؤيد برنامجه من الصبر ما يكفي؛ فلن يستطيع رامافوسا أن يحقق النمو الاقتصادي الذي يعزز موقفه بين ناخبي جنوب أفريقيا.

إن انتصار رامافوسا يعد مؤشرا مهما على إدراك الكثيرين داخل حزب المؤتمر لحتمية التغيير، وإلا فإنهم سيواجهون مخاطرة أن يذكر التاريخ حزبهم بأنه الحزب الذي سمح لقلة جشعة ببيع البلاد بثمن بخس. بيد أن التغيير سيكون بطيئا وشاقا.

وتشير التوقعات إلى أن رامافوسا سيحقق فوزا متوسطا في مباراة عالية المخاطر. ويجب على ناخبي جنوب أفريقيا والعالم المراقب أن يدركوا أن خصوم رامافوسا لن ينسحبوا من الساحة بسرعة، كما هو مرجح.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.