إستراتيجية "الصين أولاً" في التعامل مع كوريا الشمالية

North Korean leader Kim Jong Un provides guidance on a nuclear weapons program in this undated photo released by North Korea's Korean Central News Agency (KCNA) in Pyongyang September 3, 2017. KCNA via REUTERS ATTENTION EDITORS - THIS PICTURE WAS PROVIDED BY A THIRD PARTY. REUTERS IS UNABLE TO INDEPENDENTLY VERIFY THE AUTHENTICITY, CONTENT, LOCATION OR DATE OF THIS IMAGE. NOT FOR SALE FOR MARKETING OR ADVERTISING CAMPAIGNS. NO THIRD PARTY SALES. NOT FOR USE BY REU

يتفق أغلب الخبراء على أن السبيل الأهون شرا في التعامل مع التهديد النووي الصادر من كوريا الشمالية، يتلخص في الجمع على نحو متواصل بين الاحتواء المحكم والدبلوماسية الهجومية العنيفة.

ولكن عددا أقل من الخبراء يرون أن الخيار العسكري الأهون شرا -والذي ألمح إليه إصرار الرئيس الأميركي دونالد ترمب على تحمل الصين المسؤولية عن جارتها الخطيرة- هو الغزو الصيني، أو تغيير النظام قسرا عبر التهديد بالغزو الصيني.

الواقع أن هذه النتيجة -التي من شأنها أن تحول التوازن الإستراتيجي في منطقة شرق آسيا لصالح الصين- ليست مستبعدة كما يتصور أغلب الناس. ومعقوليتها من الأسباب التي تدعو إلى التعامل معها بجدية، بما في ذلك من قِبَل المخططين العسكريين الصينيين. وكما قد يقول ترمب؛ فإن هذا هو خيار "الصين أولاً" الذي ربما يساعد في "جعل الصين عظيمة مرة أخرى".

إذا كانت كوريا الشمالية -كما يفترض عادة- تريد نوعا من الضمانات الأمنية الجديرة بالثقة في مقابل الحد من برنامجها النووي، فإن الدولة الوحيدة القادرة على توفير هذه الضمانات هي الصين. فلن يظل أي وعد أميركي جديرا بالثقة بعد ولاية الرئيس الذي بذله، هذا إن استمر إلى ذلك الحد

إن أي تدخل عسكري في كوريا الشمالية -من قِبَل الصين أو غيرها- ينطوي على مخاطر هائلة. ولكن قبل التأمل طويلا في هذه المخاطر، ينبغي لنا أن ننظر في ما قد يتحقق عبر تدخل صيني ناجح.

بادئ ذي بدء، من شأن هذا التدخل أن يضع كوريا الشمالية تماما في المكان الذي يشير تاريخ هذا البلد في مرحلة ما بعد الحرب الكورية إلى أنها تنتمي إليه: تحت المظلة النووية الصينية، حيث تستفيد من ضمانة أمنية ذات مصداقية.

كان ماو تسي تونغ يقول إن الصين وكوريا الشمالية "قريبتان قُرب الشفاه إلى الأسنان"، وهو وصف مناسب نظرا للدور الذي لعبته القوات الصينية في منع انتصار أميركا في الحرب الكورية.

ولكن في حين ظلت اليابان وكوريا الجنوبية حليفتين وثيقتين للولايات المتحدة خلال العقود الستة المنصرمة منذ ذلك الحين، وفي حين استضافت كل منهما قواعد أميركية واحتمت بمظلة الحماية النووية الأميركية؛ فقد انجرفت كل من الصين وكوريا الشمالية بعيدا عن الأخرى.

ونتيجة لهذا، لا تستطيع الصين أن تسيطر على جارتها وحليفتها المزعومة، وربما لا تعرف الكثير عما يجري فيها حقا. صحيح أنها قادرة على تشديد الحصار القائم عليها بالمزيد من خفض التجارة ومنع إمدادات الطاقة. ولكن هذا قد لا يحقق سوى أقل القليل بعيدا عن دفع نظام كيم جونغ أون المتوحد والمنعزل إلى التماس الدعم من جارته الأخرى روسيا.

إذا كانت كوريا الشمالية -كما يفترض عادة- تريد نوعا من الضمانات الأمنية الجديرة بالثقة في مقابل الحد من برنامجها النووي، فإن الدولة الوحيدة القادرة على توفير هذه الضمانات هي الصين. فلن يظل أي وعد أميركي جديرا بالثقة بعد ولاية الرئيس الذي بذله، هذا إن استمر إلى ذلك الحد.

وعلى هذا، فإذا كان للصين أن تجمع بين تهديدات الغزو ووعد الأمن والحماية النووية، في مقابل التعاون وتغيير النظام المحتمل، فإن فرص فوزها بدعم أجزاء كبيرة من الجيش الشعبي الكوري تُصبِح مرتفعة.

وفي حين قد يعني التبادل النووي مع الولايات المتحدة الدمار، فإن الخضوع للصين يَعِد بالبقاء، ودرجة من الحكم الذاتي المستمر. وفي نظر الجميع -باستثناء أولئك الأقرب إلى كيم- لن يكون هذا الاختيار صعبا.

إن مكاسب الصين الإستراتيجية من التدخل العسكري الناجح لن تشمل السيطرة على ما يجري في شبه الجزيرة الكورية فحسب، حيث قد تتمكن من إقامة قواعد عسكرية؛ بل وأيضا الامتنان الإقليمي لنجاحها في منع اندلاع حرب كارثية. ولا يحمل أي تدبير آخر مثل هذا القدر من إمكانات جعل القيادة الصينية في إطار آسيا تبدو جديرة بالثقة ومرغوبة، وخاصة إذا كان البديل حربا طائشة رديئة التخطيط بقيادة الولايات المتحدة.

إن مكاسب الصين الإستراتيجية من التدخل العسكري الناجح لن تشمل السيطرة على ما يجري في شبه الجزيرة الكورية فحسب؛ بل وأيضا الامتنان الإقليمي لنجاحها في منع اندلاع حرب كارثية. ولا يحمل أي تدبير آخر مثل هذا القدر من إمكانات جعل القيادة الصينية في إطار آسيا تبدو جديرة بالثقة ومرغوبة

وما تحتاج إليه الصين في المقام الأول هو الشرعية، والتدخل في كوريا الشمالية كفيل بتوفير هذه الشرعية. والاستخدام الناجح للقوة الصارمة من شأنه أن يجلب للصين -إذا استعرنا التمييز الذي صاغه جوزيف س. ناي من جامعة هارفارد– احتياطيات ضخمة من القوة الناعمة.

ولكن الآن ننتقل إلى السؤال الذي تبلغ جائزة الإجابة عليه 64 مليار رنمينبي: هل ينجح هذا النهج؟ لا يمكننا أن نعرف الإجابة على وجه اليقين، فأي تدخل عسكري ينطوي على مخاطر عظيمة.

إن القوات المسلحة الصينية مجهزة جيدا الآن، ولكنها تفتقر إلى الخبرة في ساحة المعركة. أما خصومها الأدنى درجة فلديهم قادة ربما لا يتورعون عن استخدام الأسلحة النووية أو أي من أسلحة الدمار الشامل الأخرى، إذا لم يقبلوا ببساطة الشروط الصينية ويعلنوا استسلامهم.

وما يمكننا أن نجزم به على نحو أشبه باليقين هو أن الغزو البري والبحري الصيني -وليس الغزو الأميركي- يحظى بفرصة أفضل لتجنب رد كيم المحتمل: الهجوم المدفعي على العاصمة الكورية الجنوبية سول، التي تقع على بُعد بضع عشرات من الأميال إلى الجنوب من المنطقة المنزوعة السلاح. فما الذي قد يدفع كوريا الشمالية إلى ذبح إخوانها وأخواتها ردا على غزو صيني يحمل وعد الأمن المستمر، إن لم يكن الحكم الذاتي أو الاستقلال؟

علاوة على ذلك، في حين لا يمكننا التعويل على ضبط النفس نوويا من قِبَل نظام كيم، فإن الصين تشكل هدفا أبعد احتمالا من الولايات المتحدة للصواريخ الكورية الشمالية. وإذا كان لنا أن نفكر جديا في الخيار العسكري الصيني، فربما يستحق الأمر استكشاف بعض التعاون الاستخباراتي والتعاون في مجال الدفاع الصاروخي مع الولايات المتحدة. ومن الصعب أن ترفض الولايات المتحدة التعاون نظرا للمخاطر.

قد لا يحدث هذا السيناريو أبدا. ولكن من المنطقي تماما أن نتعامل بجدية مع إمكانية حدوثه. فهو على أية حال؛ الفرصة الأفضل لدى الصين لتحقيق قدر أعظم من التكافؤ الإستراتيجي مع الولايات المتحدة في المنطقة، وفي الوقت نفسه إزالة مصدر عدم الاستقرار الذي يهدد كلا منهما.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.