إلى أين تميل حماس؟

The son of senior Hamas militant Mazen Fuqaha sits on the shoulders of Hamas Gaza Chief Yehya Al-Sinwar during a memorial service for Fuqaha, in Gaza City March 27, 2017. REUTERS/Mohammed Salem TPX IMAGES OF THE DAY

اهتمامات الأطراف
موقف حماس
محور المقاومة 

يحظى قطاع غزة في الآونة الأخيرة باهتمام بعض الدول، وتنشط اللقاءات الدبلوماسية لأطراف متعددة حول سوء الأوضاع في القطاع. وهناك دول وتنظيمات وأشخاص يتداولون بشأن مستقبل غزة ومعطيات الحصار المضروب عليها، وهم يقيمون النتائج المترتبة على الحصار ومدى خطورتها عليه وعلى الدول المجاورة وعلى الإقليم بصورة عامة.

وتزايد الاهتمام بغزة لا يمكن أن يكون صدقة لله، أو حبا في المقاومة الفلسطينية أو الشعب الفلسطيني في القطاع، ولا بد أن تكون هناك أسباب أقوى من مسألة التضامن مع الشعب الفلسطيني؛ فمصر ترسل وقودا إلى غزة لتشغيل محطة الكهرباء، وتسهل قليلا عملية عبور معبر رفح، والإمارات تبشر بتمويل إقامة محطة كهرباء حديثة في القطاع لحل المشكلة الكهربائية جذريا.

أما الكيان الصهيوني وأميركا فلا تعترضان على هذه التطورات، وتسمحان باسترخاء الحصار ولو قليلا. ودحلان مهتم بتطوير علاقاته مع حركة حماس، وهي تلتقي به رغم كل الاتهامات التي وجهتها ضده سابقا. إذن ما الأمر؟

اهتمامات الأطراف
حماس مهتمة بفك حصار القطاع أو تخفيفه على الأقل، وهي كتنظيم تمر بضائقة مالية خانقة على مدى سنوات. وجمهور الناس في غزة يتأففون ويضجون، خاصة بسبب مشكلة الكهرباء وما يترتب عليها من تعطيل للمصالح، ومن إزعاج بيتي يومي في كل أنحاء القطاع. وحماس معنية بالخروج من هذا المأزق الكبير، ولديها الاستعداد لأن تتحاور مع مختلف الأطراف عساها تتوصل إلى اتفاقات تخفف عن الجمهور ما يعانون منه.

تزايد الاهتمام بغزة لا يمكن أن يكون صدقة لله، أو حبا في المقاومة الفلسطينية أو الشعب الفلسطيني في القطاع، ولا بد أن تكون هناك أسباب أقوى من مسألة التضامن مع الشعب الفلسطيني؛ فمصر ترسل وقودا إلى غزة لتشغيل محطة الكهرباء، وتسهل قليلا عملية عبور معبر رفح، والإمارات تبشر بتمويل إقامة محطة كهرباء حديثة في القطاع لحل المشكلة الكهربائية جذريا

حماس هي التي تتحمل مسؤولية القطاع، ولا تستطيع الهرب من هذه المسؤولية، وعليها دائما مواجهة الأزمات التي تواجه القطاع، وتتصدى لهموم الناس وتعمل على إيجاد الحلول المناسبة رغم كل الضغوط الفلسطينية والعربية والصهيونية التي تتعرض لها. وهي لا تدخر جهدا ترى من خلاله بصيص أمل إلا وتقوم به من أجل الوفاء بالالتزامات المترتبة على هذه المسؤولية.

أما دحلان فمعني بالمشاركة في رسم السياسة الفلسطينية وفي اتخاذ القرار، وأبواب الضفة الغربية مغلقة في وجهه بسبب نزاعات حركة فتح الداخلية التي أدت إلى إخراجه من الحركة. ومن المحتمل أن تُفتح أبواب غزة أمامه خاصة إذا قدم شيئا لحماس يمكّنها على الأقل من حل جزء من اهتماماتها الخاصة بالحياة اليومية والمعيشية لجمهور القطاع.

ويبدو أن دولا عربية -مثل مصر والإمارات العربية- قد ساهمت في فتح أبواب الحوار بين حماس ودحلان، والإعلام يتحدث عن تقارب كبير بين الطرفين ولا نعلم مداه حتى الآن.

أميركا مهتمة بأمر القطاع لأنها لا ترى إمكانية لتصفية القضية الفلسطينية في الضفة الغربية واستثناء القطاع، ولا يمكن إنهاء القضية الفلسطينية ما دامت هناك مقاومة فلسطينية تكسب زخما وقوة متزايدة كل يوم. وهذا يتطابق مع وجهة النظر الصهيونية التي لا ترى أن المفاوضات ستكون ذات جدوى إذا بقي طرف فلسطيني قوي خارج إطارها.

أميركا وإسرائيل تريدان إجماعا فلسطينيا (فصائليا) على المفاوضات وقبول النتائج التي تتمخض عنها، والاتفاق على تصفية القضية الفلسطينية في الضفة الغربية لا ينهي الصراع ولا يحل مشاكل إسرائيل ما دامت غزة خارج التصفية.

مصر معنية بضبط الحدود الاستعمارية بين فلسطين ومصر، وهي ترى أن هذا ليس ممكنا بدون التعاون أمنيا على الأقل مع حركة حماس ومجمل المقاومة الفلسطينية في القطاع. وترى مصر أن العلاقات الجيدة مع حماس توفر أجواء أفضل لمصر لتكون قريبة من تطورات القضية الفلسطينية على المستويين الداخلي والخارجي.

حاولت مصر بكل قوة خنق حماس بخنق القطاع، واتخذت إجراءات كثيرة كان على رأسها ردم الأنفاق وتقييد الحركة التجارية بين مصر والقطاع، لكن هذا لم يُجدِ نفعا بل وجدت مصر نفسها أحيانا خارج الشأن الفلسطيني. وربما تخشى مصر أن يؤدي رفع منسوب الضغط على الغزيين إلى نتائج سلبية على الأمن المصري، فالضغط يولّد الانفجار الذي يمكن أن يكون ضد الكيان الصهيوني أو ضد مصر.

ومصر تستقبل هذه الأيام وفدا مهما من حركة حماس للتداول في مختلف الشؤون التي تهم الطرفين، وهذا الاستقبال تأكيد على مصالح مصر الأمنية ومصالح غزة المعيشية. كما أن القاهرة تستضيف وفدا من حركة فتح من المتوقع أن يجتمع مع وفد حماس للتداول من جديد في المصالحة بين الحركتين.

الإمارات ومصر لهما مصلحة في دخول قطاع غزة وتقوية نفوذهما في مواجهة النفوذين القطري والتركي. وهما تريان أنهما أخلتا الساحة الغزية لقطر وتركيا، وهما دولتان لا يُنظر إليهما الآن بعين الود؛ فتركيا وقطر تؤويان قيادات من حركة الإخوان المسلمين ومن حماس، بينما تعمل مصر والإمارات على خنق الجماعة الإسلامية وحركات المقاومة.

أي أن الدول تنظر إلى قطاع غزة باعتباره مسرحا للتنافس الذي يغذي الصراعات الداخلية في النهاية؛ ومثل هذا التنافس بين الدول مدمِّر وسيؤدي إلى نتائج سلبية. وفي المجمل، ترغب أميركا في وجود نفوذ عربي بغزة لتليين مواقف حماس من الكيان الصهيوني والمفاوضات.

وهناك من يقول إن الولايات المتحدة قد غضت الطرف عن مساعدات قطر وتركيا للقطاع عسى أن يكون للدولتين تأثير على جرّ حماس إلى خيار المفاوضات، والسماح بعودة الأجهزة الأمنية الفلسطينية للقطاع. وربما ترى أميركا أنها قد تنجح في ذلك من خلال الإمارات ومصر.

موقف حماس
حتى الآن لا تفضي حماس بالمعلومات الكافية حول اتصالاتها مع الآخرين وخاصة محمد دحلان، ولا تتحدث عن اتفاقيات قد تكون عقدتها مع دول وتنظيمات؛ فالمسألة بالنسبة لها حساسة جدا وخاصة ما يتعلق منها بالعلاقة مع دحلان، وربما هي تنتظر لحظة مناسبة لتبوح بما جرى ويجري.

هناك اتصالات مع دحلان ولقاءات، بعد أن قامت مصر بدور كبير لجمع الطرفين في حوار مباشر وربما دفعهما إلى اتفاق، لكن حماس محرجة من الوضع أمام أصدقائها وأعدائها من الداخل الفلسطيني لأنها لم تُعدّ العدة المنطقية والجدلية لتشرح لقاءاتها مع دحلان، رغم كل الكلام الذي قالته فيه سابقا والاتهامات التي وجهتها إليه.

هناك اتصالات مع دحلان ولقاءات، بعد أن قامت مصر بدور كبير لجمع الطرفين في حوار مباشر وربما دفعهما إلى اتفاق، لكن حماس تحسب حساب المواقف السلبية سواء من داخل الحركة أو خارجها، وهناك معارضون للتقارب مع دحلان من داخل الحركة، وهناك مِنْ خارج الحركة مَنْ ينتظرون تقاربا لشحذ سكاكينهم ضد حماس. ولهذا اختارت الحركة التكتم النسبي على هذا الأمر

كما أنها محرجة أمام أعدائها لأنها ستواجه بهجوم قوي من شأنه أن يؤثر على مصداقيتها في التمسك بالمبادئ، فحركة فتح أخرجت دحلان من صفوفها لأسباب داخلية، والآن حماس تبعث فيه الحياة السياسية رغم أنه كان رئيس جهاز أمني فلسطيني في غزة. إذن أين الموقف المبدئي من اتفاق أوسلو وتبعاته؟ تجد الحركة أن تبريرها للعلاقة مع دحلان ضعيف، لكنها في النهاية بحاجة إلى الأموال التي يمتلكها أو يستطيع أن يستقطبها.

واضح أن حماس تعيش مرحلة من الضبابية بسبب البون الواسع بين مواقفها المبدئية ومواقفها المصلحية؛ فالمصلحة المعيشية تدفع الحركة إلى الانحناء، والمبدأ المعلن يكبح تحركاتها السياسية.

وستجد حماس نفسها أمام حتمية الحسم: هل هي متمسكة بالمبدأ ولو كان على حساب المصلحة، أم أن للمصلحة أولوية؟ وستجد نفسها أيضا أمام حتمية الاختيار في التعاون مع الدول: هل ستحسن علاقاتها مع طهران والضاحية الجنوبية ومن ثم مع سوريا، أم ستعزز علاقاتها مع دول الخليج ومصر؟ وهل ستسير في ركب المذهبية أم في ركب المقاومة؟   

ومن ناحية أخرى، فإن موقف فصائل المقاومة الفلسطينية -وخاصة حركة الجهاد الإسلامي ولجان المقاومة الشعبية- من هذا الأمر غير مسجل علنا حتى الآن، ولا أظن أن هذه المقاومة ستتعجل الأمور وتبدأ بإعلان مواقف؛ فلسان الحال يدعو إلى التريث حتى تنجلي الأمور.

لكن حركة حماس تحسب حساب المواقف السلبية سواء من داخل الحركة أو خارجها، وهناك معارضون للتقارب مع دحلان من داخل الحركة، وهناك مِنْ خارج الحركة مَنْ ينتظرون تقاربا لشحذ سكاكينهم ضد حماس. ولهذا اختارت الحركة التكتم النسبي على هذا الأمر.

الحركة منفتحة إعلاميا بشأن العلاقات مع مصر، وهي لن تجد معارضين لتحسين هذه العلاقة لإنهاء التوتر الذي ساد على مدى سنوات. لكنها متحفظة على العلاقة مع الإمارات لأنها أيضا لا تريد أن تخسر قطر وتركيا. أي أن وضع حماس فيما يتعلق بالنشاط الدبلوماسي الخاص بالقطاع ليس سهلا، ويتطلب الكثير من الجهود لتهيئة الأجواء المناسبة.

محور المقاومة
محور المقاومة -الذي يضم عددا من الدول العربية والإسلامية- بحاجة إلى الورقة الفلسطينية، وهناك فصائل فلسطينية صغيرة الحجم تحسب نفسها على هذا المحور، لكن حماس هي الورقة الفلسطينية الأقوى التي ستعطي المحور زخمه الفلسطيني إن هي انضمت إليه. ويشكل انضمام حماس إلى محور المقاومة أحد خياراتها من حيث إنه من الممكن أن تتلقى دعما ماليا وعسكريا وأمنيا وعلميا من أعضائه.

وهنا نلاحظ أن الدول المشار إليها أعلاه (دول الخليج ومصر وتركيا) يمكن أن تقدم دعما إنسانيا لقطاع غزة مثل الأموال والمواد الغذائية والوقود اللازم لمحطة الكهرباء، لكنها لا تجرؤ على تقديم معونات عسكرية وتدريبية وعلمية للمقاومة بسبب الموقفين الأميركي والصهيوني، وإذا كان بينها تزاحم على غزة فهو تزاحم على النفوذ. أما محور المقاومة فمزاحمته من أجل المقاومة.

موقف إيران لا يختلف عن موقف حزب الله، ومن الواضح أنها ليست معنية بالتضحية بالصوت الفلسطيني مهما بلغ موقف حماس منها. وتقديري أنه إذا قررت حماس فتح الخطوط على اتساعها مع إيران وحزب الله، فإن الموقف السوري سيتأثر ولن يبقى على مستوى الرفض القائم حاليا

سوريا ليست بوارد إعادة العلاقات مع حماس على الأقل الآن بسبب اتهامها للحركة بمساعدة التنظيمات المسلحة ضد النظام، والأهم أن النظام السوري يرى في تصرف حماس ضده قمة اللا أخلاق باعتباره أن حماس طعنته في الظهر، في الوقت الذي وفر لها فيه الحصانة وبعض حرية العمل.

لكن حزب الله وإيران لا يتمترسان حول تحفظات لا تلين؛ فلدى حزب الله الاستعداد لفتح الخطوط مع حماس مجددا والعودة إلى التعاون في مواجهة الكيان الصهيوني، ولديه الاستعداد لتقديم السلاح والتجربة التنظيمية والتسليحية والتصنيعية ما أمكن.

طبعا الاتصال مع غزة في العهد السابق (عهد حسني مبارك) كان أكثر يسراً منه الآن؛ فقد اتخذ رئيس مصر الجديد (عبد الفتاح السيسي) العديد من الإجراءات التي تجعل العبور إلى غزة في غاية الصعوبة، خاصة فيما يتعلق بردم الأنفاق وإخضاع الحدود الاستعمارية لرقابة مشددة.

وموقف إيران لا يختلف عن موقف حزب الله، ومن الواضح أنها ليست معنية بالتضحية بالصوت الفلسطيني مهما بلغ موقف حماس منها. وتقديري أنه إذا قررت حماس فتح الخطوط على اتساعها مع إيران وحزب الله، فإن الموقف السوري سيتأثر ولن يبقى على مستوى الرفض القائم حاليا.

وبالنسبة لحماس، فإن خيار الإقامة في عمّان أو دمشق أو بيروت إستراتيجي ولا غنى عنه، إذا أرادت أن تبقى على احتكاك مباشر مع مجمل أرض فلسطين وشعبها. لكن الجانب الآخر المتخاصم مع محور المقاومة معنيٌّ بإبقاء حماس خارج المحور، وهو يعي أن لذلك ثمنا.

من الممكن أن تلعب حماس هذه الورقة لكي تستدرّ المزيد من الدعم من الإمارات وأخواتها، ومن مصر ودحلان. وفي خضم هذا التزاحم؛ على حماس أن تقرر في أي اتجاه ستذهب: هل في اتجاه الانتهازية على الساحة العربية والمذهبية أم في اتجاه المقاومة والوفاء لميثاقها؟

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.