الخطر النووي الجديد

الموسوعة - epa05338011 (FILE) A file picture dated 10 October 2015 and released by the North Korean Central News Agency (KCNA) shows large missiles, believed to be KN-08 intercontinental ballistic missiles, appearing during a large-scale military parade at Pyongyang's Kim Il-sung Square, in Pyongyang, North Korea, to mark the 70th anniversary of the founding of the ruling Workers' Party of Korea. North Korea unsuccessfully launched on 31 May 2016, a medium-range ballistic missile, according to a military source from Seoul. 'North Korea attempted to launch an unidentified missile from the region near Wonsan at around 05:20 local time (20:20 GMT on 31 May 2016), but it is presumed to have been unsuccessful,' said the South Korean Joint Chiefs of Staff (JCS) in a short statement quoted by South Korean media. The South Korean Army is on alert and studying details of the launch which could be a Musudan medium-range ballistic missile. The latest incident comes at a moment of great tension in the Korean peninsula after North Korea's nuclear and missile tests early this year, resulting in the UN Security Council imposing tough sanctions on the country in March. EPA/KCNA SOUTH KOREA OUT -- EDITORIAL USE ONLY

وُلِدتُ في عام 1948، وفي ذلك الحين كان خطر اندلاع حرب عالمية ثالثة نووية جزءا حقيقيا للغاية من طفولتي. وظل ذلك التهديد -أو على الأقل التهديد المتمثل في دمار كل من ألمانيا الشرقية وألمانيا الغربية- قائما حتى نهاية الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفياتي.

ومنذ ذلك الحين، تقلص إلى حد كبير خطر تسبب القوى العظمة المسلحة نوويا في إشعال حرب فَناء، حتى وإن لم يختف ذلك الخطر تماما. فاليوم، يتمثل الخطر الأعظم في محاولة عدد متزايد من الدول الأصغر حجما -والتي تحكمها أنظمة غير مستقرة أو دكتاتورية- الحصول على أسلحة نووية. فبتحولها إلى قوى نووية، تستطيع هذه الأنظمة ضمان بقائها، وتعزيز مصالحها الجيوسياسية المحلية أو الإقليمية، بل وحتى اتباع أجندة توسعية.

في هذه البيئة الجديدة، تآكلت "عقلانية الردع" التي حافظت عليها الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي خلال الحرب الباردة. والآن، إذا تزايد الانتشار النووي فمن المرجح أن تنخفض عتبة استخدام الأسلحة النووية. كما يُظهِر الوضع الحالي في كوريا الشمالية، قد يفرض تحويل شرق آسيا أو الخليج إلى منطقة نووية تهديدا مباشرا للسلام العالمي.

تقلص إلى حد كبير خطر تسبب القوى العظمة المسلحة نوويا في إشعال حرب فَناء، حتى وإن لم يختف ذلك الخطر تماما. فاليوم، يتمثل الخطر الأعظم في محاولة عدد متزايد من الدول الأصغر حجما -والتي تحكمها أنظمة غير مستقرة أو دكتاتورية- الحصول على أسلحة نووية. فبتحولها إلى قوى نووية، تستطيع هذه الأنظمة ضمان بقائها، وتعزيز مصالحها الجيوسياسية

ولنتأمل هنا المواجهة الخطابية الأخيرة بين دكتاتور كوريا الشمالية كيم جونغ أون ورئيس الولايات المتحدة دونالد ترمب، حيث وَعَد ترمب بالرد "بقوة النيران والغضب" على أي استفزازات أخرى من جانب كوريا الشمالية. ومن الواضح أن ترمب لا يعتمد على عقلانية الردع -كما كان المرء يتوقع من زعيم القوة العظمى الأخيرة المتبقية- بل إنه يطلق العنان لمشاعره بدلا من ذلك.

بالطبع، لم يبدأ ترمب تصعيد الأزمة بشأن شبه الجزيرة الكورية؛ فقد ظلت نيران الأزمة تستعر بسبب استعداد نظام كوريا الشمالية لدفع أي ثمن ليصبح قوة نووية، وهو ما يراه وسيلة لضمان سلامته.

وفضلا عن ذلك، يعكف هذا النظام على تطوير صواريخ ذاتية الدفع عابرة للقارات، وقادرة على حمل رؤوس نووية والوصول إلى الساحل الغربي للولايات المتحدة، أو أبعد من ذلك. وهذا من شأنه أن يمثل تهديدا أمنيا رئيسيا لأي إدارة أميركية.

في نهاية المطاف، لا توجد خيارات جيدة للرد على التهديد الكوري الشمالي؛ فربما تُفضي حرب وقائية بقيادة الولايات المتحدة على شبه الجزيرة الكورية مثلا إلى مواجهة مباشرة مع الصين وتدمير كوريا الجنوبية، كما ستترتب عليها عواقب لا يمكن التنبؤ بها بالنسبة لليابان.

ولأن مثلث الصين/ كوريا الجنوبية/ اليابان أصبح مركز القوة الجديد للاقتصاد العالمي في القرن الواحد والعشرين، فلن يُستثنى أي بلد من التداعيات الاقتصادية. وحتى إذا استمرت الولايات المتحدة في التلميح لإمكانية الحرب؛ فإن قادتها العسكريين يعلمون أن استخدام القوة العسكرية ليس خيارا قابلا للتطبيق، نظرا لتكاليفها الباهظة ومخاطرها الجسيمة.

عندما تحقق كوريا الشمالية وضع القوة النووية، فلن تكون الضمانة الأمنية الأميركية مُحكَمة. ذلك أن كوريا الشمالية -التي تمتلك الأسلحة النووية ووسائل استخدامها- تضيف المزيد إلى الضغوط المفروضة على كوريا الجنوبية واليابان والتي قد تحملهما على تطوير قدرات نووية خاصة بهما، وهي مهمة يسيرة بالنسبة لأي من البلدين. ولكن هذا هو آخر ما قد ترغب فيه الصين.

والواقع أن وضع آسيا اليوم يحمل نفس السمات النووية للقرن العشرين، وديناميات القوة الوطنية في القرن التاسع عشر. وقد يكون هذا مزيجا شديد الاشتعال. وفي الوقت نفسه، أصبح النظام الدولي غير مستقر على نحو متزايد، مع انقلاب في الهياكل السياسية والمؤسسات والتحالفات في مختلف أنحاء العالَم رأسا على عقب، أو تصرفها على نحو مثير للشك والريبة.

سيتوقف الكثير على ما يحدث في الولايات المتحدة خلال عهد رئاسة ترمب المعاندة والمتقلبة؛ فقد أظهر التحقيق في تواطؤ حملة ترمب المحتمل مع روسيا قبل الانتخابات الرئاسية عام 2016، والفشل في إلغاء قانون الرعاية الميسرة (أوباما كير)؛ أن الإدارة الأميركية غير مستقرة وغير فعّالة.

كما تعمل بنود على أجندة ترمب -مثل التخفيضات الضريبية، والجدار الحدودي مع المكسيك، وإعادة التفاوض على اتفاقية التجارة الحرة لأميركا الشمالية– ناهيك عن انفجارات ترمب العاطفية؛ على تغذية اليمين المتطرفالأميركي بالوقود.

الوضع في آسيا اليوم يحمل نفس السمات النووية للقرن العشرين، وديناميات القوة الوطنية في القرن التاسع عشر. وقد يكون هذا مزيجا شديد الاشتعال. وفي الوقت نفسه، أصبح النظام الدولي غير مستقر على نحو متزايد، مع انقلاب في الهياكل السياسية والمؤسسات والتحالفات في مختلف أنحاء العالَم رأسا على عقب، أو تصرفها على نحو مثير للشك والريبة

إن عدم الاستقرار داخل الولايات المتحدة سبب واضح للانزعاج العالمي. فإذا لم يعد من الممكن الاعتماد على الولايات المتحدة لضمان السلام والاستقرار العالمييْن؛ فلن تفعل ذلك أي دولة أخرى، وسنصبح إزاء فراغ قيادي. وتتجلى خطورة هذا الأمر -بأكبر قدر من الوضوح- عندما يتعلق الأمر بالانتشار النووي.

ويلوح في الأفق خطر نووي آخر هذا الخريف؛ فإذا فرض الكونغرس الأميركي عقوبات جديدة على إيران، فقد يفشل الاتفاق النووي بين إيران والدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن وألمانيا. وقد أعلن الرئيس الإيراني حسن روحاني الأسبوع الماضي أن إيران قد تتخلى عن الاتفاق "في غضون ساعات" ردا على أي عقوبات جديدة.

وفي ضوء أزمة كوريا الشمالية، يُصبِح من قبيل انعدام المسؤولية تماما إشعال شرارة أزمة نووية -بل وربما حرب نووية- بلا أي مبرر في الشرق الأوسط. ومن المرجح أن تكون عودة الولايات المتحدة إلى إستراتيجية تغيير النظام في إيران مدمرة للذات، لأنها كفيلة بتعزيز موقف المتشددين هناك.

وكل هذا ربما يجري في منطقة تعج بالأزمات والحروب بالفعل. ولأن روسيا والصين والأوروبيين سيلتزمون بالاتفاق النووي؛ فستجد الولايات المتحدة نفسها بمفردها وعلى خلاف مع أقرب حلفائها.

إن التهديدات النووية اليوم تتطلب عكس "قوة النيران والغضب" تماما؛ فالمطلوب هو الذهنية المعتدلة، والعقلانية، والدبلوماسية الصبورة التي لا تقوم على تهديدات خطيرة وخيالية باستخدام القوة. وإذا تخلت القوة العظمى الأخيرة عن هذه الفضائل؛ فسيضطر العالم جميعه إلى مواجهة العواقب.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.