التخطيط لإعادة توحيد الكوريتين

A handout picture provided by the South Korean Ministry shows (From R, counterclockwise) South Korean National Security Adviser Kim Kwan-jin, South Korean Unification Minister Hong Yong-pyo, Kim Yang-gon, the top North Korean official in charge of inter-Korean affairs, and Hwang Pyong-so, the North Korean military's top political officer, shake hands during the inter-Korean high-level talks at the truce village of Panmunjom inside the Demilitarized Zone, 22 August 2015. High-level teams from North and South Korea were set to meet at the truce village of Panmunjom on 22 August in an attempt to tamp down tensions following an exchange of gunfire this week that had let the North to threaten 'all-out war.' EPA/YONHAP / SOUTH KOREAN MINISTRY / HANDOUT

قاربت الأزمة النووية الكورية الشمالية -التي طال أمدها- نقطة الغليان. ففي الشهر الماضي، أطلقت المملكة المعزولة قذيفتين بالستيتين عابرتين للقارات وقادرتين على ضرب المدن الأميركية الكبرى.

ورد مجلس الأمن الدولي بالتصويت بالإجماع على فرض عقوبات اقتصادية جديدة على البلاد هي الأكثر صرامة حتى الآن، مما سيخفض دخل صادراتها السنوية بما لا يقل عن الثلث. ومنذ ذلك الحين، أطلق الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون والرئيس الأميركي دونالد ترمب تهديدات متصاعدة ضد بعضهما بعضا.

عند هذه النقطة، من المستحيل أن نتنبأ بما سيحدث في شبه الجزيرة الكورية. وفي الوقت الحالي، ما يمكن للمجتمع الدولي فعله هو الاستمرار في فرض مجموعة من العقوبات الاقتصاديةوالضغوط العسكرية والدبلوماسية، لمحاولة الوصول بنظام كيم إلى طاولة المفاوضات.

ينبغي لنا أن ننظر إلى جميع الاحتمالات، ونستعد لها، من الصراع العسكري إلى إعادة التوحيد السلمي لكوريا الشمالية وكوريا الجنوبية. ولا شك في أن أكثر السيناريوهات كارثية سيكون صراعا عسكريا. ومع ذلك، فإن هذا الاحتمال ازداد قوة فعلا بسبب إعلان إدارة ترمب مؤخرا أنها تنظر في خياراتها العسكرية، بما في ذلك "الحرب الوقائية"

ولكن في الوقت نفسه، ينبغي لنا أن ننظر إلى جميع الاحتمالات، ونستعد لها، من الصراع العسكري إلى إعادة التوحيد السلمي لكوريا الشمالية وكوريا الجنوبية. ولا شك في أن أكثر السيناريوهات كارثية سيكون صراعا عسكريا. ومع ذلك، فإن هذا الاحتمال ازداد قوة فعلا بسبب إعلان إدارة ترمب مؤخرا أنها تنظر في خياراتها العسكرية، بما في ذلك "الحرب الوقائية".

والحقيقة هي أن الضربة الاستباقية بعيدة عن الحل العملي. وليس من الواضح على الإطلاق أن مثل هذا النهج سيؤدي إلى نزع السلاح النووي في كوريا الشمالية أو إسقاط نظام كيم. التصعيد إلى مواجهة مسلحة بين الولايات المتحدة والصين مع الحرب النووية سيكون أسوأ نتيجة ممكنة لذلك.

وسيعاني الكوريون الجنوبيون -الذين يقعون ضمن نطاق أسلحة كوريا الشمالية- بشدة من انتقام نظام كيم من الضربة الأميركية. ولوضع هذا الرد في المنظور، فقد قتلت الحرب الكورية في الفترة 1950-1953 أكثر من مليونيْ كوري، فضلا عن 36 ألف أميركي و600 ألف جندي صيني، ولم تُستعمل فيها الأسلحة النووية.

ولاتباع النهج الأكثر أمنا والأكثر عملية ينبغي التركيز على تشديد العقوبات الاقتصادية والسياسية على كوريا الشمالية. ومما لا شك فيه أن البعض يقول إن العقوبات الاقتصادية -مهما كانت قساوتها- لن تكون كافية لإجبار قادة كوريا الشمالية على التخلي عن أسلحتهم النووية. لكن بعد فعلهما كل شيء؛ أوقف صدام حسين والعقيد الليبي معمر القذافي برامجهما للحصول على أسلحة الدمار الشامل إلى أن تم خلعهما من السلطة وبعد ذلك إعدامهما.

وبالنظر إلى الخطر الذي ينطوي عليه الحل العسكري، فإن الضغط الاقتصادي والسياسي الأكثر قوة يظل أفضل رهان للمجتمع الدولي لنزع فتيل التهديد النووي لكوريا الشمالية، سواء من خلال إجبار نظام كيم على التخلي عن برنامجه أو عبر انهيار النظام.

وتشكل العقوبات التي فرضها مجلس الأمن الدولي خطوة في الاتجاه الصحيح لكنها لا تكفي، لأنها لا تحظر إمدادات النفط إلى كوريا الشمالية على ما يبدو بسبب المعارضة الصينية والروسية.

في الواقع، رغم أن الصين وافقت على العقوبات، فإنها لا تزال مترددة في زيادة توتير علاقتها مع كوريا الشمالية. وهذا يجب أن يتغير. فالتعاون الأميركي/الصيني الأقوى والأكثر تركيزا يعد أمرا ضروريا إذا أريد للعقوبات أن تتاح لها فرصة العمل. إن تجنب هذا التعاون لن يؤدي -على الأرجح- إلا إلى نتيجة مدمرة، سواء كان ذلك صراعا عسكريا أو انهيارا غير منظم لنظام كيم.

ولا يزال من الممكن إقناع الصين بأن تضطلع بدور أكثر فعالية في تقييد نظام كيم. وفي الواقع، فإن عدم موافقتها يمكن أن يضر بعلاقاتها مع الولايات المتحدة وأوروبا واليابان وكوريا الجنوبية، وكلهم في النهاية شركاء أكثر قيمة من كوريا الشمالية المنكوبة والفقيرة.

ولكن بالنسبة للصين فإنها -لكي تبذل مزيدا من الجهد- تحتاج إلى تأكيدات بأنها لن تفقد فورا حاجزها الإستراتيجي في شبه الجزيرة الكورية. ومن هنا تأتي الحاجة إلى اتفاق الآن بشأن كيفية معالجة الانهيار المحتمل لنظام كيم وإعادة توحيد شبه الجزيرة الكورية.

وكما سقط حائط برلين، يمكن أن ينهار نظام كيم فجأة. ولذا يتعين على الصين أن تعرف الآن أن كوريا المعاد توحيدها لن تكون عدوها، وأن أميركا ستسحب قواتها المتمركزة حاليا في كوريا الجنوبية.

ومن ناحية أخرى، يتعين على كوريا الجنوبية مواصلة جهودها لاستئناف الحوار مع الشمال حول القضايا الإنسانية والصحية والبيئية. فالتبادلات المدنية وتدفقات المعلومات يمكن أن تعزز القوى التي من شأنها إحداث تغيير أساسي من الداخل. وحتى بعد انقضاء 70 عاما من الانقسام، فإنه يجب على الكوريين الجنوبيين ألا يتخلوا عن الأمل في إعادة التوحيد السلمي مع إخوتهم في الشمال

وبطبيعة الحال، فإن آثار النظام المنهار في كوريا الشمالية تتجاوز بكثير المصالح الإستراتيجية للصين. والواقع أنه سيكون له أثر اقتصادي وسياسي كبير في جميع أنحاء المنطقة، وهذا هو السبب الأكثر أهمية لوضع خطة شاملة لضمان الانتقال السلمي.

أجريتُ مؤخرا تقييما كميا للآثار الاقتصادية للتوحيد على كوريا الشمالية وكوريا الجنوبية في ظل العديد من السيناريوهات الافتراضية، بافتراض الانهيار المفاجئ لكوريا الشمالية.

وكما اتضح، فإن عملية التوحيد -التي تدار سلميا، وتتميز بالإصلاح الاقتصادي الشامل والانفتاح- يمكن أن تساعد كوريا الشمالية على تحقيق نمو مستمر في الناتج المحلي الإجمالي من رقمين، رغم التباطؤ الحاد بعد الانهيار مباشرة.

وسيكون مفتاح النجاح هو السماح لكوريا الشمالية بالاستفادة من مواردها البشرية والطبيعية الوفيرة نسبيا -بما في ذلك احتياطيات المعادن الغنية- لتحقيق التصنيع الذي يقوده التصدير. أما بالنسبة لكوريا الجنوبية؛ فيمكنها -مع الإعداد الكافي، والسياسات الفعالة، والمزيد من الموارد المالية- إدارة إعادة التوحيد السلمي والتخفيف من الآثار السلبية للصدمة.

وعلى نقيض ذلك، ففي السيناريو الذي لا تريد فيه كوريا الجنوبية إعادة التوحيد، سرعان ما سيذوب الشمال في حالة من الفوضى، وستتصاعد المخاطرة في شبه الجزيرة الكورية بشكل حاد، وستتأخر الإصلاحات.

وهذا من شأنه أن يؤدي إلى استمرار ضعف الاستثمار ونمو الناتج المحلي الإجمالي في شبه الجزيرة الكورية، مما سيتسبب في انخفاض الناتج المحلي الإجمالي بكوريا الجنوبية بأكثر من 3٪ في السنوات الأولى من الأزمة. ومن شأن تدفقات المهاجرين من الشمال أن تفاقم المخاطر، مما قد يعرقل أسواق العمل في كوريا الجنوبية ويسبب اضطرابات اجتماعية.

وفي الوقت الراهن، ينبغي للمجتمع الدولي -بما فيه الصين- أن يواصل دفع كوريا الشمالية إلى التخلي عن أسلحتها النووية ومواصلة الإصلاحات الاقتصادية، باستخدام عقوبات اقتصادية أقوى من أي وقت مضى.

ومن ناحية أخرى، يتعين على كوريا الجنوبية مواصلة جهودها لاستئناف الحوار مع الشمال حول القضايا الإنسانية والصحية والبيئية. فالتبادلات المدنية وتدفقات المعلومات يمكن أن تعزز القوى التي من شأنها إحداث تغيير أساسي من الداخل.

وحتى بعد انقضاء 70 عاما من الانقسام، فإنه يجب على الكوريين الجنوبيين ألا يتخلوا عن الأمل في إعادة التوحيد السلمي مع إخوتهم في الشمال. بل على العكس من ذلك، يجب التخطيط لها.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.