خطورة إطلاق يد ترمب

U.S. President Donald Trump reacts as he attends a joint news conference with French President Emmanuel Macron at the Elysee Palace in Paris, France, July 13, 2017. REUTERS/Kevin Lamarque

من الواضح أن القرار الذي اتخذته وزارة الدفاع الأميركية (في أبريل/نيسان الماضي) بإسقاط قنبلة الدفع الهوائي الهائلة الحجم (مواب – MOAB) والتي تزن 11 طنا، على أحد معاقل تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في أفغانستان؛ لا يعكس سياسة متماسكة لمكافحة الإرهاب.

فكما أشار العديد من المعلقين، كان ذلك مجرد حالة أخرى من إستراتيجيات استيعاب التكتيكات، وهي طريقة في صنع السياسات جرى اختبارها قبل أسبوع (من إسقاط القنبلة "مواب") في سوريا (قصف مطار الشعيرات)، وربما تؤدي إلى كارثة إذا جُرِّبَت مرة أخرى في التعامل مع شبه الجزيرة الكورية مثلا.

وبشكل أكثر تحديدا؛ كان الهجوم الأفغاني مثالا للسماح للوسائل العسكرية بتحديد الغايات السياسية. فبدلا من تحديد تهديد وشيك للأمن الوطني ودراسة خيارات التصدي والمواجهة؛ يبدو أن القادة العسكريين الأميركيين راجعوا ترسانة الأسلحة الأميركية غير المستخدمة، فصادفوا هذه القنبلة وبحثوا عن مكان يمكنهم فيه استعراض قوتها.

وبطبيعة الحال، كان عليهم أن يجدوا هدفا خاليا من المدنيين نسبيا، ولكنه لا يشكل بالضرورة تهديدا مباشرا للأمن الوطني، أو يشكّل معقلا مهما للتمرد الأفغاني.

ويتلخص الأساس المنطقي المغرض وراء إسقاط القنبلة "مواب" على الجبال الأفغانية في أن استخدام أضخم قنبلة أميركية غير نووية على الإطلاق -بعد ثماني سنوات من الضعف المزعوم من قِبَل إدارة باراك أوباما– من شأنه أن "يستعيد قدرة الردع". غير أنه من غير المعقول أن ترتدع شبكة عالمية غير مركزية من المتطرفين بفِعل تفجيرات بالغة الشِدة على منطقة نائية وعرة.

وزارة الدفاع هي الجهاز البيروقراطي الوحيد -المتخصص في الأمن الوطني- الذي نجا من نزوات الرئيس دونالد ترمب العاصفة. ولكن في حين تلعب المؤسسة العسكرية دورا بالغ الأهمية في مكافحة التطرف العنيف، فإن من الخطأ أن تطلق إدارة ترمب يد البنتاغون لتتصرف على هواها

الواقع أن وزارة الدفاع هي الجهاز البيروقراطي الوحيد -المتخصص في الأمن الوطني- الذي نجا من نزوات الرئيس دونالد ترمب العاصفة. ولكن في حين تلعب المؤسسة العسكرية دورا بالغ الأهمية في مكافحة التطرف العنيف، فإن من الخطأ أن تطلق إدارة ترمب يد البنتاغون لتتصرف على هواها.

وهذا النهج خطير لسببين؛ فأولا، يتبنى مسؤولو البنتاغون نهجا شديد الانحياز في التعامل مع تهديدات الأمن الوطني. فهم يميلون إلى المبالغة في تقدير فعالية الوسائل العسكرية في إزالة التهديدات بينما يقللون من شأن الدور الذي تلعبه الدبلوماسية، والمعلومات الاستخباراتية، وإنفاذ القانون.

وأما السبب الثاني فهو ترمب ذاته؛ فعندما سُئِل عن قرار إخراج قنبلة "مواب" من المخازن، تهرب من الإجابة عن السؤال قائلا: "الجميع يعرفون بالضبط ماذا حدث، وما أقوم به الآن هو تفويض جيشي. نحن نملك أعظم مؤسسة عسكرية في العالم، وقد أدت وظيفتها كالمعتاد. ولهذا أعطيناها تفويضا كاملا".

إن التفويض المطلق الذي يمنحه قائد أعلى مُختَلَف عليه جيوسياسياً على هذا النحو، يعني أن البنتاغون تعمل ليس فقط دون رقابة، بل وأيضا مع القدرة على الإفلات من العقاب. وغني عن القول إن إيكال مهمة وضع سياسات الأمن الوطني لهيئة تستخدم الأدرينالين وقودا لها، وتعلم أن مساءلتها عن قراراتها باستخدام القوة أمر غير وارد؛ من غير الممكن أن ينتهي إلى خير.

ولفهم المخاطر المترتبة على هذا النهج؛ فما علينا إلا أن ننظر إلى رد نائب الرئيس الأميركي السابق ديك تشيني ووزير الدفاع السابق دونالد رمسفيلد على الهجمات الإرهابية في  11 سبتمبر/أيلول عام 2001.

فانطلاقا من عزمهما الرد على هجوم تنظيم القاعدة باستعراض القوة العسكرية، قررا البحث عن ساحة قتال حيث تستطيع المؤسسة العسكرية أن تتباهي بأشيائها. ولم تكن المناطق الحضرية المختلفة التي شهدت التخطيط والإعداد لهجمات 11 سبتمبر/أيلول (هامبورغ مثلا) مناسبة لاستعراض قدرات "الصدمة والرعب" التي تتمتع بها القوة العسكرية الأميركية.

ولهذا السبب، استهدفت الولايات المتحدة العراق الذي وصفه تشيني -على نحو بالغ الحماقة- بأنه "القاعدة الجغرافية للإرهابيين الذين ظلوا يعتدون علينا لسنوات عديدة، ولكن بشكل خاص في 11 سبتمبر/أيلول". غير أن صدّام حسين لم يكن على أي علاقة بتلك الهجمات، ولم يكن إسقاط دكتاتور عربي علماني ليفعل أي شيء لوقف متطرفين يتبنون توجهات دينية ولا ينتمون لدولة بعينها.

وكان من الواجب أن يخدم الدور الحاسم الذي لعبه غزو العراق في صعود تنظيم داعش، فضلا عن الانهيار الجاري الذي يشهده النظام الدولي الليبرالي، كتحذير لصناع السياسات الذين لا يجدون غضاضة في إيكال الأمن الوطني الأميركي لأصحاب قرار لا يمكن إخضاعهم للمساءلة السياسية. ولكن من الواضح أن هذا لم يحدث.

ولم يتمكن حتى أوباما من تجنب فخ السماح للسبل العسكرية بتحديد غايات السياسة الخارجية الأميركية. وكان جيفري غولدبرغ (من مجلة أتلانتيك) محقا في الأغلب عندما قال إن ترمب أهدر النهج الحذر الذي تباه أوباما. ولكن بلجوئه إلى استخدام الطائرات بدون طياربكثافة أداةً لمكافحة الإرهاب؛ أعطى أوباما سابقة خبيثة لقرار إسقاط القنبلة "مواب".

لا يسعنا إلا أن نأمل أن تمر الضربة العسكرية الأميركية التالية دون أن تشعل شرارة حالة طوارئ تهدد الأمن الوطني حقا. وإذا فعلت بكل أسف؛ فستكون أجهزة الأمن الوطني -التي تنقصها الكوادر، وتحركها رغبة عسكرية مفرطة، ولا يمكن المساس بها على المستوى السياسي- غير مستعدة على نحو مخيف لمواجهة هذا التحدي

من المؤكد أن أوباما كانت لديه أسباب وجيهة دفعته إلى الاعتماد على الطائرات بدون طيار؛ فعلى النقيض من القوات البرية التي تضطر إلى اتخاذ قرارات سريعة تحت نيران حية، ينعم مشغلو الطائرات بدون طيار بأجواء أقل تحفيزا للخوف والغضب من تلك التي قد تقود إلى مذابح مدنية ومجازر في ساحة المعركة.

بيد أن أوباما استخدم أيضا الطائرات بدون طيار لأنها كانت ببساطة تحت يده. ويبدو أن مجرد وجود هذه الأسلحة لعب دورا في اتخاذ القرار باستخدامها، وإن لم يكن بوسعنا حساب هذا الدور بدقة.

ولأن هذه الطائرات تزيل خطر وقوع خسائر بين الأميركيين؛ فيمكن استخدامها ضد أهداف لا تشكل بالضرورة تهديدا مباشرا وكبيرا للأمن الوطني. وهذا هو على وجه التحديد ما حدث في عهد أوباما؛ فقد سُمِح للكيفية التي تقاتل بها أميركا بتحديد أين ولماذا تقاتل.

وكما أدت الفكرة المريحة المتمثلة في استخدام الطائرات بدون طيار إلى تمدد المهام وتجاوزها لغاياتها الأصلية، أذنت إدارته بتنفيذ مهام القتل وليس الأسر في مناطق من العالم، حيث التهديد المباشر لمصالح الولايات المتحدة يكاد لا يُذكَر.

وبوسعنا أن نقول نفس الشيء عن استخدام القنبلة "مواب" لمحو بضع عشرات من المقاتلين المتعصبين القساة القلوب ولكنهم عديمو الأهمية نسبيا، والذين كانوا يتوارون في شبكة أنفاق بمنطقة سبين جار الجبلية. وإذا كان الهدف هو بث رسالة مفادها أن "أميركا عادت"، فلا يملك المرء إلا أن يتساءل: مَن لذي تحديدا تلقى تلك الرسالة؟ وكيف سيكون رد فعله المحتمل؟

تشير إحدى الإجابات المحتملة إلى وسائل الإعلام الأميركية. فكما أظهرت الانتخابات الرئاسية الأميركية عام 2016 بوضوح شديد، لا تعمل "الصحافة الحرة" رقيبا على السلطة السياسية بقدر ما تلعب دور الحزام الناقل للخداع غير الأخلاقي وتشتيت الانتباه. وفي أعقاب إسقاط القنبلة "مواب"، لعبت الصحافة الأميركية هذا الدور باقتدار، فوفرت التغطية المثيرة الواجبة.

ولا تستطيع قنوات الكابل الإخبارية بشكل خاص -وحتى تلك التي تُظهِر "انحيازا ليبرالياً" أسطورياً- أن تقاوم التهليل لأحاديث ترمب التافهة وتلفيقاته السخيفة. ولكن عندما تفقد "أنتيكات" ترمب حداثتها، فستضطر الإدارة إلى إيجاد سبل جديدة لتحويل انتباهنا بعيدا عن فضائح ترمب الحالية والماضية. ومؤسفٌ أن المؤسسة العسكرية الأميركية تبدو راغبة ومستعدة لقيادة الطريق.

الآن، لا يسعنا إلا أن نأمل أن تمر الضربة العسكرية الأميركية التالية -سواء في كوريا الشمالية أو في منطقة الخليج- دون أن تشعل شرارة حالة طوارئ تهدد الأمن الوطني حقا. وإذا فعلت بكل أسف؛ فستكون أجهزة الأمن الوطني -التي تنقصها الكوادر، وتحركها رغبة عسكرية مفرطة، ولا يمكن المساس بها على المستوى السياسي- غير مستعدة على نحو مخيف لمواجهة هذا التحدي.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.