لماذا أقصِي أحمدي نجاد من الترشح للانتخابات الرئاسية؟

File Photo - Iranian President Mahmoud Ahmadinejad smiles as he meets with United Nations Secretary-General Ban Ki-moon at the United Nations in New York September 24, 2007. REUTERS/Eric Thayer/File Photo

الخبراء في إيران كانوا منقسمين بشأن احتمال إقصاء مجلس صيانة الدستور لمحمود أحمدي نجاد أو سماحه له بخوض المنافسة الانتخابية؛ فالبعض كانوا يعتقدون أنه ما من سبب لإقصائه كما جاء على لسانه هو في مقابلته مع شبكة الجزيرة؛ في حين اهتم البعض الآخر بتعداد الأسباب التي يمكن للمجلس أن يعتبرها كافية لإقصائه.

ورغم أن مجلس صيانة الدستور في إيران لا يحتاج لحجة معينة كي يقوم بإقصاء مرشح ما من السباق الانتخابي، فإن عبارة "البدء في الحملة الانتخابية قبل سماح مجلس صيانة الدستور له بخوض الانتخابات" أو "عدم الامتثال لنصيحة المرشد"، يمكن لكل منهما أن تكون سببا كافيا لإقصاء أي مرشح في أي انتخابات تنظم بإيران -وخاصة انتخابات رئاسة الجمهورية- حتى ولو كان هذا الشخص رئيسا للجمهورية لدورتين، وهناك أسباب أخرى خلف الكواليس يمكن اعتبارها أهم من هذه الأسباب.

بمجرد دخول أحمدي نجاد المعترك الانتخابي استطاع سرقة الأضواء من جميع المرشحين الأصليين الآخرين، والمقصود هنا الرئيس الحالي حسن روحاني، وسادن حرم الإمام الرضا إبراهيم رئيسي، وعمدة طهران محمد باقر قاليباف، الذين يمكن اعتبارهم الشخصيات الأصلية المتنافسة في الانتخابات الرئاسية القادمة.

مجلس صيانة الدستور في إيران لا يحتاج لحجة معينة كي يقوم بإقصاء مرشح ما من السباق الانتخابي، فإن عبارة "البدء في الحملة الانتخابية قبل سماح مجلس صيانة الدستور له بخوض الانتخابات" أو "عدم الامتثال لنصيحة المرشد"، يمكن لكل منهما أن تكون سببا كافيا لإقصاء أي مرشح في أي انتخابات تنظم بإيران

وتسليط هذه الأضواء على أحمدي نجاد كاد يشكل خطراً يشابه الظروف التي سبقت حوادث عام 2009 (المعروفة بـ"الحركة الخضراء") في إيران، حيث إن محور الانتخابات تحوّل من صراع بين التيارات السياسية والبرامج الانتخابية إلى صراع بين مؤيدي ومعارضي نهج أحمدي نجاد.

وتسرع نجاد في تبيين مواقفه وإعلانه أنه سيخوض الانتخابات تأكيداً مقابل تخوّف صقور الإصلاحيين من إمكانية إقصائهم في الانتخابات؛ أدى إلى نوع من حشد الرأي العام تجاه مجلس صيانة الدستور والنظام من جهة، وأحمدي نجاد من جهة أخرى.

فقد كان مجلس صيانة الدستور مرغماً على السماح لصقور مرشحي التيار الإصلاحي بدخول المعترك الانتخابي إذا سمح لأحمدي نجاد بدخوله، وفي هذه الحالة كانت الأجواء الانتخابية ستتحول إلى أجواء انتقادات وفضح متبادل بين المرشحين بدل البحث في البرامج الانتخابية.

ولم يكن ينقص نجاد سوى الحضور في المناظرات والحوارات الانتخابية -عبر مؤسسة الإذاعة والتلفزيون الإيرانية- كي يقوم باستغلال معلومات، يقال إنه حصل عليها عبر نسخه لمستندات حازها من وزارة الاستخبارات عندما تسلم مسؤوليتها مدة قصيرة عام 2009.

والمتابع للشأن الإيراني -وخاصة الانتخابات- يعلم أن من أهم وسائل جلب الآراء في هذه الانتخابات تخويفَ المصوتين من التصويت للمرشح المنافس، وإيجاد ظروف حشد إعلامي يجيّش المصوتين في اتجاه معين، ونجاد أثبت أنه خبير في هذا الشأن.

أحمدي نجاد -الذي لم يتردد في نشر فيلم صُور بكاميرات خفية ضد شقيق الرئيس الحالي لمجلس الشورى الإيراني (البرلمان) علي لاريجاني وشقيق رئيس السلطة القضائية صادق عاملي لاريجاني، بشكل علني في ساحة المجلس ليضغط على رؤساء القوى- كان سيستخدم أي وثيقة يمكن أن تكون بيده ضد معارضيه في الانتخابات دون مراعاة أي خطوط حمر، ليحطمهم في المناظرات الانتخابية.

وهذا الأمر لا يمكن قبوله بأي شكل من الأشكال، إذ إن معارضيه كانوا سيضطرون لفضح أحمدي نجاد وأعوانه في المقابل، وكانت الانتخابات ستتحول إلى مناسبة لكشف الوثائق السرية، بدل أن يقوم المرشحون بعرض مشاريعهم لحل مشاكل البلاد، كما ستتحول ساحات البلاد إلى مقار للتصادم بين مؤيدي هؤلاء المرشحين.

من جهة أخرى؛ فإن تصرفات أحمدي نجاد كان من شأنها تجميع كل معارضيه في جبهة ضده وكسر وحدة صف الأصوليين الضعيفة أصلاً، إذ إن معظم مناصريه هم من الأصوليين.

وإضافة إلى ذلك، فإن أحمدي نجاد لم يتردد يوما في إدخال البلاد دوّاماتٍ لا تستطيع الخروج منها، مثل توزيع الأموال على المواطنين التي وعد بزيادتها لكسب الرأي في هذه الانتخابات، ودخوله في الانتخابات وإمكانية فوزه بشعارات تجذب عامة الشعب كان من شأنه سوق البلاد إلى انهيار اقتصادي شامل.

وإذا ما وضعنا كل هذه الأمور جانبا؛ فإن نجاد اتخذ نهج تحدي المرشد في الآونة الأخيرة سياسة له في الانتخابات، ورغم أنه لم يتحدّ المرشد بشكل مباشر فإن تصرفاته كانت تعكس صورة يريد إيصالها إلى الجمهور، وهي أنه الوحيد الذي يتجرأ على الوقوف أمام التيارات السياسية والمرشد في البلاد، وهذا أمر مرفوض في بلد يَعتبر المرشدَ أبَ العائلة السياسية والركنَ الأساسي للثبات فيها.

نجاد اتخذ نهج تحدي المرشد في الآونة الأخيرة سياسة له في الانتخابات، ورغم أنه لم يتحدّ المرشد بشكل مباشر فإن تصرفاته كانت تعكس صورة يريد إيصالها إلى الجمهور، وهي أنه الوحيد الذي يتجرأ على الوقوف أمام التيارات السياسية والمرشد في البلاد، وهذا أمر مرفوض في بلد يَعتبر المرشدَ أبَ العائلة السياسية والركنَ الأساسي للثبات فيها

لهذه الأسباب كان شبهَ مؤكد أن مجلس صيانة الدستور سيقوم بإقصاء نجاد من الانتخابات، خاصة خلال اليومين الأخيرين قبل انتشار رأي مجلس صيانة الدستور، ولذلك قام العديد من مؤيدي نجاد -مثل "جبهة بايداري" (جبهة الصمود)- بإعلان دعمهم لإبراهيم رئيسي، متخذين موقفا معارضا لتوجهات نجاد.

كان بعض المحللين يتصورون أن نجاد يمكن أن يقوم بتحركات اعتراضية إذا ما رُفض ترشحه للانتخابات، ولكن الظروف التي وجد فيها نفسه -هو وأعوانه- جعلتهم يتخذون موقفا متعارضا مع كل التحاليل السابقة.

فقد أعلنوا امتثالهم لقرار مجلس صيانة الدستور خلال الساعات الأولى من إعلان القرار، كي لا يصبحوا في موقف مشابه لمير حسين موسوي أو مهدي كروبي، مرشحيْ الإصلاحيين اللذين نافسا أحمدي نجاد في انتخابات عام 2009.

ورغم أن نجاد أقصِي من سباق الانتخابات فإنه استطاع -عبر تحركاته الأخيرة- الخروج من الظل الذي كان موجوداً فيه خلال السنوات الأربع الماضية، وأثبت أنه ما زال موجودا هو وأعوانه في الساحة السياسية الإيرانية.

وما زال البعض يتصورون أن نجاد -طبقا لعاداته القديمة- لن يسكت على إقصائه وسيقوم بالانتقام ممن أقصوه من الانتخابات في الوقت المناسب، ولكن ردة الفعل الأولية لأحمدي نجاد وأعوانه لم تعكس سلوك من فوجئوا بالقرار.

ويعزز ذلك أن عددا كبيرا من مؤيديه أعلنوا دعمهم لمرشح الأصوليين إبراهيم رئيسي خلال الساعات الأولى من إعلان الإقصاء، مبررين تصرفهم هذا بأنهم يدعمون أي اتجاه بإمكانه إسقاط الرئيس روحاني في الانتخابات المقبلة.

وفي النهاية؛ يمكن القول إن أكثر المستفيدين من إقصاء نجاد في هذه الانتخابات هم الأصوليون، وأكبر الخاسرين هم الإصلاحيون الذين خسروا أهم حربة كان بإمكانهم استغلالها لتجييش جمهورهم.

وسيكون على مرشحهم الوحيد في هذه الانتخابات (الرئيس حسن روحاني) منافسة مرشحيْن أصولييْن قوييْن هما إبراهيم رئيسي ومحمد باقر قاليباف، ومواجهة جبهة إعلامية قوية موجودة لدى الأصوليين لا يمكن للمجموعات الإعلامية الموالية للحكومة منافستها بسهولة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.