هل تتلافى إسرائيل أخطاء حروبها على غزة بشنّ رابعة؟

Israeli soldiers work on their tanks following the first death on the Israeli side of the Golan since the Syrian civil war erupted more than three years ago, near the Israeli village of Alonei Habashan, in the area of Tel Hazeka, close to the Quneitra border crossing in the Israeli-controlled Golan Heights, Sunday, June 22, 2014. A civilian vehicle in the Israeli-controlled Golan Heights was targeted by forces in neighboring Syria on Sunday in an attack that killed a 15-year-old boy and prompted Israeli tanks to retaliate by firing on Syrian government targets, the Israeli military said. (AP Photo/Oded Balilty)

التغذية الراجعة
الهروب للأمام
دعم ترمب

ما زالت إسرائيل تعيش تبعات تسريب مقتطفات كبيرة من تقرير مراقب الدولة حول إخفاقات حرب غزة الأخيرة (عام 2014)، مما أفسح المجال للتكهنات الفلسطينية والإسرائيلية حول إمكانية تلافي إسرائيل لهذه الإخفاقات، فيما يسميه بعض الإسرائيليين حرب غزة الرابعة القادمة.

فهل تسعى إسرائيل للقفز عن هذه الإخفاقات بتحقيق "نصر" على الفلسطينيين يمحو الصورة السيئة عن الحرب السابقة؟ وهل يفعلها بنيامين نتنياهو بالهروب من تحقيقات الشرطة معه لتصدير مشاكله إلى الأمام بمواجهة مع الفلسطينيين؟ وكيف يمكن لإسرائيل أن تستغل وجود ترمب في البيت الأبيض لتوجيه ضربتها الأخيرة إلى حركة حماس؟

التغذية الراجعة
أسوة بالتحقيقات التي تقوم بها إسرائيل عقب كل حرب تخوضها؛ أعدّ مراقب الدولة تقريره الخاص بإدارة الحرب الإسرائيلية الثالثة على غزة في صيف 2014 التي أسمتها "الجرف الصامد"، لاسيما على صعيد كيفية اتخاذ القرارات، ومدى التنسيق بين المستويين السياسي والعسكري، وجدوى المدة الزمنية الطويلة للحرب التي زادت على خمسين يوما، والتأكد من جاهزية إسرائيل لتهديد الأنفاق التي استخدمتها حماس بصورة فعالة عبر بعض عملياتها خلال يوميات الحرب.

صحيح أن تقرير مراقب الدولة في إسرائيل لم يقصد أن يوزع نياشين الانتصار على مقاتلي حماس، لكن المقتطفات الكثيرة من التقرير -التي تم تسريبها- أشارت بما لا يدع مجالا للشك إلى أن الأداء العسكري الإسرائيلي خلال الحرب على غزة 2014 لم يكن كما كان متوقعا

صحيح أن تقرير مراقب الدولة في إسرائيل لم يقصد أن يوزع نياشين الانتصار على مقاتلي حماس، لكن المقتطفات الكثيرة من التقرير -التي تم تسريبها- أشارت بما لا يدع مجالا للشك إلى أن الأداء العسكري الإسرائيلي خلال الحرب على غزة لم يكن كما كان متوقعا.

وأكد أنه كان بالإمكان أفضل مما كان، سواء على صعيد الأداء العملياتي، أو تقصير مدة الحرب، أو تخفيف الخسائر الإسرائيلية، أو تحصيل نتائج سياسية توازي ما قدمته إسرائيل من خسائر بشرية وعسكرية ومالية، وهذا كله قد يصب في صالح مقاتلي حماس، دون أن يقصد التقرير الإسرائيلي ذلك.

وإلى حين صدور التقرير الإسرائيلي بشكل كامل في الأيام القادمة؛ تنشغل الأوساط العسكرية والأمنية الإسرائيلية بكيفية تلافي تكرر الإخفاقات والثغرات التي رافقت عملياتها في الحرب الثالثة، على اعتبار أن مرافقة هذه النتائج المهينة للجيش ستبقى مؤشر ضعف وتراجع أمام حماس، التي تقدّر إسرائيل أنها تواصل استعداداتها وتجهيزها لمواجهة قادمة لا محالة.

الإسرائيليون يعتقدون أن حماس تتابع النقاشات العسكرية والأمنية الحاصلة حول استخلاصاتهم من الحرب الأخيرة، وتقوم بالبناء عليها وفق طريقة التغذية الراجعة، لاسيما على صعيد استهداف مكثف للجبهة الداخلية الإسرائيلية، واستخدام قذائف قصيرة المدى أثبتت جدواها في الأيام الأخيرة من الحرب السابقة، وتفعيل سلاح الأنفاق خاصة الهجومية منها.

وكذلك ضخ المزيد من المقدرات في مجموعات الكوماندوز البحرية التابعة للحركة، والتي باتت تحظى باهتمام ملحوظ من الجيش الإسرائيلي، فضلا عن زيادة توجيه رسائلها الدعائية الموجهة إلى الرأي العام الإسرائيلي، وبعض هذه النقاط رأيناها مؤخرا تحظى برعاية وعناية حماس، وفق ما تداولته بعض وسائل الإعلام.

الهروب للأمام
ليس سراً أن بنيامين نتنياهو يصارع على البقاء في كرسيه المهتز تحته، في ظل تواصل تحقيقات الشرطة معه بشأن ارتكابه مخالفات جنائية، واتهامه بتلقي رشى وهدايا بصورة مخالفة للقانون، مما قد يدفع إلى القول إنه قد يهرب إلى الأمام لإشغال الجمهور والأوساط السياسية الإسرائيلية عن متابعة سجله المهين، بتصدير معركة جديدة مع حماس في غزة.

قد لا تكون المرة الأولى التي تذهب فيها إسرائيل لتصدير مشاكلها الداخلية إلى الخارج، لكن هذه المرة قد تختلف الحسابات لدى صانع القرار الإسرائيلي، فكل الإسرائيليين يعلمون أن نتنياهو لا يمر بأحسن أحواله، والائتلاف الحكومي يمارس ابتزازه بأبشع الصور، حتى إنه قدم سلسلة تنازلات حزبية وحكومية له للحفاظ عليه من التفكك، وعدم تقديمه مطالبات برلمانية بحجب الثقةعنه، حتى بات يصفه البعض بالزعيم "المنقاد".

قد لا تكون المرة الأولى التي تذهب فيها إسرائيل لتصدير مشاكلها الداخلية إلى الخارج، لكن هذه المرة قد تختلف الحسابات لدى صانع القرار الإسرائيلي، فكل الإسرائيليين يعلمون أن نتنياهو لا يمر بأحسن أحواله، والائتلاف الحكومي يمارس ابتزازه بأبشع الصور

كل هذا قد يجعل خيارات نتنياهو "الفردية" بالذهاب إلى حرب ضد غزة مقيدة، لأنها ستكون حينها لعبة مكشوفة، فهو يعرّض أمن الدولة للخطر ويرسل الجنود للموت، حتى يواصل إقامته في مقر رئاسة الحكومة، وهذا مسعى رخيص من قبله، وقد لا يجد الطريق معبدة أمامه للسير فيه.

ما لم يحصل أمر آخر، فإن الائتلاف اليميني الحاكم -الذي بات لديه نفوذ على نتنياهو- هو من قد يدفع الأخير للذهاب إلى حرب جديدة ضد حماس في غزة، سواء بهدف التغطية على إخفاقاته الواردة في تقرير مراقب الدولة، أو تجنب منح حماس فرصة التقوّي عسكريا، والتجهز تسلّحياًّ، حتى إن بعض الوزراء باتوا -على غير العادة- يضعون تواريخ محددة لاندلاع الحرب القادمة.

ورغم أن محتويات تقرير مراقب الدولة تنتقد أداء المجلس الوزاري المصغر للشؤون الأمنية والسياسية؛ فإن أصابع الاتهام موجهة بالتحديد إلى من يقوده وهو نتنياهو، مما أفسح المجال لاندلاع ما يمكن أن يوصف بأنه "حرب الكل ضد الكل".

فنتنياهو يخوض حربا ضد منافسيه داخل الائتلاف مثل وزير التعليم نفتالي بينيت ووزير الدفاع أفيغدور ليبرمان، أو مع المعارضة مثل وزير الدفاع السابق موشيه يعلون، أو زعيم المعارضة يتسحاق هرتسوغ، ورئيس حزب "هناك مستقبل" يائير لابيد، ووزيرة الخارجية السابقة تسيبي ليفني. وجميع هؤلاء يتفقون -وهم المختلفون- على أن نتنياهو يجب أن يدفع وحده ثمن إخفاقات حرب غزة الأخيرة.

حتى إن وزراء إسرائيليين -من بين هؤلاء- باتوا يتحدثون علانية عن حرب غزة القادمة بمفردات: الحرب الأخيرة، رفع العلم الأبيض، تحقيق الانتصار الكاسح، لا تعادل، الربيع القادم. وغيرها من المصطلحات التي تعمل على تهيئة الرأي العام الإسرائيلي لاندلاع حرب جديدة، عنوانها الرئيس استعادة الردع، وهدفها الخفي الإطاحة بنتنياهو.

دعم ترمب
في الوقت الذي تؤكد فيه إسرائيل أنها ليست معنية حاليا بحرب جديدة ضد حماس في غزة، أو على الأقل هكذا تقول علناً دون أن يعرف أحد ما الذي تفكر فيه سراً؛ فإن دخول الرئيس الأميركي دونالد ترمب البيت الأبيض أوجد خشية لدى حماس من أن تكون مستهدفة بتهديده بالقضاء على "الإرهاب الإسلامي"، مما قد يدفعه لمنح إسرائيل ضوءاً أخضر لتوجيه ضربة ضد غزة بغطاء أميركي.

تشعر حماس بأن إسرائيل في عهد ترمب ستكون أكثر أريحيّة في ممارسة مزيد من الضغط تجاهها، بتشديد الحصار المفروض عليها منذ 2006، أو توجيه ضربة عسكرية ضدها؛ فتنصيب ترمب تزامن مع إطلاق تصريحات إسرائيلية ضد حماس، أبرزها إعلان ليبرمان إمكانية احتلال ربع غزة في الحرب المقبلة.

وهذا قد يعني أن إسرائيل ستجد مع ترمب فرصة مواتية لتوجيه ضربة قاسية ضد غزة، ضمن سياسة جزّ العُشب التي تنتهجها ضد حماس، مع العلم بأن وصول ترمب إلى رئاسة أميركا وقلق حماس منه لا يعني أنّ سلفه باراك أوباماكان مسالماً للحركة.

ما قد تتفق عليه حماس وإسرائيل هو أن أي حرب ضد غزة هي قرار إسرائيلي قد لا يتأثر كثيرا بهوية الرئيس المقيم في البيت الأبيض، مع أن ترمب سيمنح إسرائيل دعماً أكثر شراسة ضد حماس، فهو أكثر شعبوية وتطرّفاً وغروراً، وقد يقف على يمين إسرائيل بعدوانها على الفلسطينيين

فقد أيد أوباما حربين قاسيتين شنتهما إسرائيل ضدها خلال عاميْ 2012 و2014، رغم وجود خلافات سياسية بين واشنطن وتل أبيب بشأن تسريع إنهائهما، لكن هذه الخلافات قد تنتهي بينهما في عهد ترمب.

هنا تمكن الإشارة إلى ما قد تتفق عليه حماس وإسرائيل، وهو أن أي حرب ضد غزة هي قرار إسرائيلي قد لا يتأثر كثيرا بهوية الرئيس المقيم في البيت الأبيض، مع أن ترمب سيمنح إسرائيل دعماً أكثر شراسة ضد حماس، فهو أكثر شعبوية وتطرّفاً وغروراً، وقد يقف على يمين إسرائيل بعدوانها على الفلسطينيين.

وإضافة إلى التخوفات التي تساور الفلسطينيين من أي حرب مقبلة تشنها إسرائيل على غزة في عهد ترمب؛ فإن المشاهد الفظيعة المقبلة من سوريا ومصر -حيث تشهدان حروباً ومعارك دامية ضد المجموعات المسلحة مع صمت العالم عنها- قد تشجع إسرائيل على ارتكاب الفظائع ذاتها ضد الفلسطينيين بتشجيع من ترمب.

تُدرك قطاعات واسعة من الفلسطينيين والإسرائيليين معاً أن إسرائيل خاضت ثلاث حروب ضد غزة في أعوام 2008 و2012 و2014، ولم تنجح في تحقيق نتائج سياسية.

ولذلك قد لا تُقدم على حرب رابعة بسبب وجود ترمب، لكنها تعتبر الأنفاق التي تحفرها حماس تهديداً مركزياً لها، وقد تجعلها في صلب النقاش الإسرائيلي في الفترة المقبلة لتحصل على مزيد من دعم ترمب ومساندته، مع عدم وجود ضمانات بعدم الذهاب إلى حرب رابعة، فالفلسطينيون اليوم ليس لديهم سند عربي.

أخيرا..؛ قد لا يسرع الجانبان (حماس وإسرائيل) خطاهما باتجاه الحرب الرابعة، على اعتبار أنها ستكون أكثر شراسة من سابقاتها الثلاث، صحيح أنها قد لا تكون بذات المدة الزمنية الطويلة، لكن الكثافة النارية لها قد تزداد وتتضاعف.

لكن طبائع الأشياء، وما تشهده الحدود الشرقية لغزة من حراك مستمر للجانبين، تشير جميعها إلى أنهما ليسا بصدد إجراء تمارين رياضية فحسب، بل إنهما قد دخلا مرحلة العد التنازلي للحرب الرابعة، وفقا للمعطيات الواردة في السطور السابقة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.