مجموعة العشرين وتبني الموارد المالية الخضراء

epa05523405 Chinese President Xi Jinping ispeaks during the G20 Summit in Hangzhou, China, 04 September 2016. The G20 Summit is held in Hangzhou on 04 to 05 September. EPA/NICOLAS ASFOURI / POOL

*ما جون وسيمون زاديك

 

بدأ وزراء مالية مجموعة العشرين ومحافظو بنوكها المركزية مؤخرا تحولا مذهلا في العقلية. فقد أصبحوا على اقتناع متزايد بأن "التمويل الأخضر" (تمويل النمو المستدام بيئيا) لابد أن يكون في صلب إستراتيجيات التنمية.

والواقع أن هذه الفكرة التي كانت حتى وقت قريب مقتصرة على هامش من الأكاديميين وصناع السياسات، ربما تكون واحدة من أكثر "الحقائق" الجديدة أهمية في القرن الحادي والعشرين.

كان نموذج التنمية الاقتصادية التقليدي ينظر إلى حماية البيئة باعتبارها "ترفا طيبا" لا تستطيع المجتمعات تحمله إلا بعد أن تصبح غنية. ويفسر مثل هذا الفكر لماذا كان النمو الهائل في الدخل العالمي، بنحو ثمانين ضعفا بالأرقام الحقيقية خلال القرن الماضي، مصحوبا بانحدار في رأس المال الطبيعي في 127 دولة من 140 دولة، وفقا لبرنامج الأمم المتحدة البيئي.

ولكن رأس المال الطبيعي ليس مفهوما مجردا فحسب؛ فهو يدعم الحياة وسبل العيش والرفاهة المجتمعية. ومن المؤكد أن الدمار البيئي الذي تتسبب الأنشطة التي نمارسها في إحداثه (الانبعاثات الغازية المسببة للانحباس الحراري العالمي والتي تضيف إلى نظام الأرض طاقة تعادل تفجير أربع قنابل نووية كل ثانية) لا يخلو من عواقب ملموسة، يتحملها بالفعل الملايين من البشر.

منذ عام 2008، تسببت الكوارث الطبيعية في نزوح نحو 26.4 مليون شخص في المتوسط كل عام من ديارهم، وهو ما يعادل تقريبا شخصا واحدا في كل ثانية. والآن أصبح ثلث الأراضي الصالحة للزراعة في العالم مهددا بفعل تدهور الأراضي، والذي يتسبب في خسائر اقتصادية تقدر بنحو 6.3 إلى 10.6 تريليون دولار أميركي سنويا. كما تجاوزت 21 من أكبر 37 طبقة من طبقات المياه الجوفية في العالم نقطة الاستدامة.

تتجلى سلبيات النهج البيئي في التعامل مع التنمية الاقتصادية، الذي يفضل الدخل وتشغيل العمالة على حماية البيئة، في الصين بشكل خاص. فوفقا لبعض المقاييس -وخاصة نصيب الفرد في الدخل ونمو الناتج المحلي الإجمالي– كانت عملية التنمية في الصين ناجحة إلى حد غير عادي، ولكنها جلبت أيضا مستويات قاتلة من تلوث الهواء وتلويث وإنضاب الأراضي والمياه.

النبأ السار هنا هو أن قادة الصين يدركون الآن أنهم لابد أن يعملوا على حماية البيئة قبل أن تتمكن الصين من بلوغ مرتبة الدخل المرتفع. والواقع أنهم انتقلوا إلى طليعة حركة التمويل الأخضر.

من المؤكد أن التحدي الذي يواجه الصين هائل، وسوف يتطلب تحقيق النجاح ما يقدر بنحو 600 مليار دولار أميركي في هيئة استثمارات كل عام في مجالات تتضمن إصلاح البيئة وحمايتها، والطاقات المتجددة، وكفاءة استخدام الطاقة، وأنظمة النقل المستدامة. ولأن أقل من 15% من هذا التمويل سوف يأتي من مصادر عامة، فسوف يكون لزاما على الصين أيضا أن تعيد ترتيب النظام المالي بحيث يصبح قادرا على دعم الاستثمار الخاص.

بيد أن الصين تتخذ بالفعل خطوات ملموسة في الاتجاه الصحيح. ففي الثلاثين من أغسطس/آب، أشرف الرئيس الصيني شي جين بينغ على التوصل إلى قرار من قبل المجموعة القيادية المركزية لتعميق الإصلاحات بشكل شامل يقضي بتحويل النظام المالي في الصين لتسهيل الاستثمار الأخضر. وتمثل "المبادئ التوجيهية لإقامة نظام مالي أخضر" التي جرى تبنيها في الاجتماع أول محاولة عالمية لإنتاج حزمة سياسية متكاملة لتعزيز التحول الطموح نحو الاقتصاد الأخضر.

وفقا للمبادئ التوجيهية، سوف يكون لزاما على الصين أن تعمل على تطوير مجموعة واسعة من الأدوات المالية الجديدة، بما في ذلك الائتمان الأخضر، وصناديق التنمية الخضراء، والسندات الخضراء، ومنتجات مؤشرات الأسهم الخضراء، والتأمين الأخضر، وتمويل الكربون. ويتعين عليها أيضا أن تقدم مجموعة من السياسات والتنظيمات والحوافز المحددة، بما في ذلك الاستخدام المبدع لعمليات إعادة الإقراض من قبل البنك المركزي، وإعانات دعم الفائدة، والضمانات. كما يتعين عليها أن تعمل على إنشاء صندوق تنمية أخضر على المستوى الوطني، على نحو أشبه ببنك الاستثمار الأخضر في المملكة المتحدة.

الواقع أن الكيفية التي تتكشف بها فصول هذه العملية في الصين سوف تحمل دروسا مهمة لدول أخرى تسعى إلى بناء اقتصادات أكثر استدامة. ولكن بعض الحكومات لا تتردد في شق طريقها بنفسها. فمن مبادرة التمويل الأخضر في مدينة لندن إلى خريطة طريق التمويل المستدام في إندونيسيا، تنشأ حزم السياسات المبدعة بوتيرة متسارعة.

وعلاوة على ذلك، التزمت بورصات عديدة على مستوى العالم بمطالبة الشركات المدرجة بتقديم تقارير عن مخاطر التنمية المستدامة. كما نشأ تحالف من هيئات تنظيم الخدمات المصرفية لاستكشاف كيفية دفع الائتمان الأخضر إلى الأمام. وتتفاوت التفاصيل من دولة إلى أخرى، ولكن الهدف مشترك: التوفيق بين أسواق رأس المال والاحتياجات التمويلية لاقتصاد مستدام شامل.

الآن، ينبغي لأجندة مجموعة العشرين، التي تهدف إلى تعزيز النمو الاقتصادي القوي والمستدام والمتوازن، أن تخضع للتحديث على النحو الذي يجعلها تعكس هذا الهدف المشترك، مع تحول التمويل الأخضر إلى عنصر أساسي في أعمال مجموعة العشرين. وقمة الصين التي عقدت هذا الأسبوع هي المكان المثالي لبدء هذا الجهد.
————————-
* ما جون كبير خبراء الاقتصاد لدى مكتب البحوث في بنك الشعب الصيني، ورئيس لجنة الموارد المالية الخضراء في الجمعية الصينية للتمويل والخدمات المصرفية.
* سيمون زاديك المدير المشارك للجنة التحقيق التابعة لبرنامج الأمم المتحدة البيئي في خيارات التصميم للنظام المالي المستدام، وكبير زملاء DSM، وأستاذ زائر في جامعة سنغافورة للإدارة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.